نسمع دائماً عن دراسات تؤكد بأن إنخراط المرأة في سوق العمل يسهم في تحسين ​الناتج المحلي​ الإجمالي للبلاد، ويساهم في تطوير الإقتصاد بصورة عامة، وذلك إستناداً لدراسات وإحصائيات عالمية منها مثلاً آخر تقرير صادر عن "UN Women" الذي يكشف أن زيادة معدلات توظيف الإناث في بلدان ​منظمة التعاون الاقتصادي​ والتنمية يمكن أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 6 تريليون دولار ، وتشير التقديرات إلى أن الفجوات بين الجنسين تكلف الاقتصاد حوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي.لذا وإستناداً إلى هذه الأرقام والحقائق تسعى العديد من الدول حول العالم لتمكين المرأة إقتصادياً.

رغم هذه المعطيات المبشرة إلا أننا لا نسمع ولا نقرأ مقالات سوى عن الفروقات بين الرجل والمرأة في سوق العمل من حيث فجوة الرواتب وغيرها من المخصصات، وعن الأسباب التي لا تسمح للمرأة بالحصول على نفس الفرص كإنشغالها بالأعمال المنزلية غير المأجورة وغير المقدرة في آن معاً، عدم توفر السياسيات الحمائية الجديّة خاصة في موضوع التحرش في مكان العمل، وغيرها من الأسباب.. تكثر الأسباب وتكثر الأقاويل المحطّمة...

ولكننا في هذا المقال لن نتطرق إلى هذه العوامل التي يتم تكريرها دائماً ولن نسعى أيضاً إلى رسم صورة وريدة غير منطقية عن واقع ​النساء​، إنما نسعى لتسليط الضوء على الإنجازات التي حققتها المرأة رغم كل التحديات في سوق العمل ال​لبنان​ي. وإن كانت المقالات المحطمة تتسلح بالأرقام، فمقلتنا اليوم تستند إلى نفس الدراسات ولكن من منظور مختلف.

فنحن نسعى من خلال هذه المقالة إلى شرح الأسباب التي إستندت إليها الدراسات والحكومات والتي تقتضي بأن وجود المرأة في سوق العمل يساهم في تحسين الوضع الإقتصادي في البلاد. فما هي الأسباب التي تجعل من المرأة "مُخلّصة" للإقتصاد اللبناني؟؟ وهنا لن نتكلم عن ضرورة تمكين المرأة إقتصادياً لأنه حقّ لا يناقش به، فمن حقها أن تحظى بنفس الحقوق وتقوم بنفس الواجبات كأي زميل لها، وإن تأخر تطبيق هذه المبادرات والقوانين ولكنهذا المفهوم غير قابل للنقاش لأنه حق إنساني مطلق، إنما موضوعنا يتمحور حول القدرات التي تمكن المرأة خلال وجودها في مكان العمل بشكل يضمن حقوقها من تحقيق معدلات نمو إقتصادي،فما هو الدور المميز الذي بمقدور المرأة أن تلعبه لتصل إلى هذه النتيجة؟

المرأة ليست إضافة للإقتصاد إنما هي "قيمة إقتصادية" لهذه الأسباب:

1-مجالس الإدارة وسوق العمل بحاجة لـ"عقل" المرأة: بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي: "عندما تنضم المزيد من النساء إلى القوى العاملة ، يستفيد الجميع. إذ يجلب النساء والرجال مهارات ووجهات نظر مختلفة إلى مكان العمل، بما في ذلك طريقة تعاملهم مع المخاطر، تعاونهم مع الشركاء والمنافسة في السوق. وبحسب المنتدى، "أن الأداء المالي للشركات يتحسن مع وجود مجالس إدارة أكثر مساواة بين الجنسين".بمعنى آخر، فإن زيادة عدد النساء في القوة العاملة يحقق مكاسب اقتصادية أكبر من زيادة متساوية للعمال الذكور.

2-النساء يضفنّ للناتج المحلي الإجمالي:إستناداً إلى دراسةالمنتدى يؤدي سد الفجوة بين الجنسين إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 35 %. يعود سبب أربعة أخماس هذه المكاسب إلى إضافة النساءللقوى العاملة ، لكن خُمس هذه المكاسب بالكامل ترجع إلى تأثير التنوع بين الجنسين على الإنتاجية.

3-نساء أكثر، إنتاجية أعلى:عندما تضيق الفجوة بين الجنسين في سوق العملمع مرور الوقت، يتم بطبيعة الحال تحسين النمو الإقتصادي.هذه الزيادة في الإنتاجية تعود إلى إرتفاع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل.

4-أيها الرجال لا تخافوا على أجوركم:تكشف نتائح المنتدى الإقتصادي العالمي أن أجور الرجال ستشهد إرتفاعاً وذلك نتيجة لزيادة إدماج النساء في القوى العاملة مما سيؤدي إلى زيادة الإنتاجية بطبيعة الحال.

5-النساء بطبعهنّ منتجات:من منا لم يرى إمرأة ريفية تقوم بصناعة منتجاها الخاصة ولو بأقل بأبسط المواد الأولوية من منزلها الخاص، ف​المرأة الريفية​ لا تحتاج إلى أنظمة ايكولوجية أو مصادر تكنولوجية فريدة لتخلق عملها الحرّ، هذه المبادرات الصغيرة من شأنها أن تساهم في إنعاش الإقتصاد في المناطق الريفية إذا لاقت الدعم اللازم لتنتشر وتتوسع. وهذا ما صرحت به سابقاً الوزيرة السابقة عناية عز الدين بقولها:" المرأة​ ​الريفية هي نموذج للمرأة العاملة والمنتجة والمبادرة والمؤثّرة في محيطها بشكل عملي"، مشيرةً إلى أنها يمكن أن تكون عاملاً أساسيّاً في تنمية ​الإقتصاد​ الريفي، إذا تضافرت الجهود لتنمية الريف وتشجيع ​السياحة​ الريفية. وهذا أيضاً ما أكدته وزيرة ​الدولة​ لشؤون التمكين الإقتصادي للنساء و​الشباب فوليت الصفدي في تصريح سابق لها بقولها:"إن المرأة بحاجة الى دعم كي تتطور بالعمل الاقتصادي الناشئ من خلال تعزيز انشاء ودعم مؤسسات صغيرة ومتوسطة وتمكين المرأة الريفية".

6-نساء لبنان في مراكز القيادة:بعيداً عن الأحاديث المحبطة، إن ​المرأة اللبنانية​ تسير بخطى ثابتة نحو عالم الريادة والقيادة، وتمكنت رغم تواجدها المتواضع في المراكز الإدارية من إحداث فرق لا يُستهان به.. ونحن الآن نشهد إنتقالة نوعية نفتخر بها خاصة بعد تسجيل تقدّم في عدد القضاة النساء الجدد الذين جرى تعيينهم مؤخراً في السلك القضائي بعد نجاحهم في معهد الدروس القضائية،إذ بلغ عددهن 25 أنثى مقابل 7 ذكور فقط. وجودهن ليس فقط بالعدد إنما بالإنجازات وهذا ما أثبته وزير الدولة لشؤون المرأة السابق جان أوغاسبيان في حديث سابق لـ"الإقتصاد" أعلن فيه ان :"كشفت لنا أحدث الدراسات ان مجالس الادارة في القطاعات الخاصة التي عدد النساء فيها يفوق 30% انتاجيتها تكون افضل بـ16% عن باقي مجالس الادارة." وأوضح أن ​القطاع المصرفي اللبناني​ يشهد توجها كبيراً نحو اشراك المرأة في مجالس الادارة.

7-النساء تتفوق علمياً على الرجال: لا شك أن هذه المناصب أتت نتيجة سنوات من الخبرة والدراسة، وبالحديث عن الدراسة كشفت دراسة صادرة عن إدارة الإحصاء المركزي بعنوان "المرأة في لبنان بالإرقام" في العام 2014، أن ان نسبة النساء من بين الجامعيين هي 55 %مقابل 45 %للرجال، و ذلك للافراد الذين يتابعون الدراسة في العام 2012 .وبحسب "الدولية للمعلومات" وصل عدد خريجي الجامعات في العام 2015 إلى 32070 طالباًتشكل الإناث منهم نسبة 57.6%. وفي ​الجامعة اللبنانية​ تصل الإناث المتخرجات إلى 71%، وفي ​الجامعة الأميركية​ 51%، وفي اليسوعية نسبة 67%.

في المحصّلة، إن تعزيز المشاركة الإقتصادية للنساء هو حقّ أقرته الإتفاقيات الدولية بداية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصولاً إلى إتفاقية "الغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة-السيداو" التي يلتزم بها لبنان.. سواء كان هذا الإلتزام شكلي ام فعلي فإن نساء لبنان رغم كل الضغوطات تثبت جدارتها يوماً بعد يوم في سوق العمل دون منّة من أحد، فنساء لبنان لا ينتظرن "إبتكار" خطط تمكين إقتصادي بل هنّ يضعن خطة الطريق للمعنيين ليتعلموا من خبراتهن ويرسموا الخطط الشاملة على هذا الأساس.