يبدو أن ازمة ​الكهرباء​ ستفجر الحكومة بعد شهر واحد من انطلاقتها حسبما تبين من التصريحات المتبادلة بين المسؤولين المعنيين ، وخصوصا من وزير الخارجية ​جبران باسيل​ الذي وضع هذه الازمة في مصار القضايا المصيرية والوجودية التي تهدد الحكومة و​لبنان​ .

وقال باسيل في احتفال للتيار الوطني الحر : "اما عودة نازحين او لا حكومة واما طرد الفساد عن طاولة ​مجلس الوزراء​ او لا حكومة واما صفر عجز كهرباء او الحكومة صفر ولا حكومة".

واضاف: "نحن نشتري كهرباء! لا بواخر ولا معامل! نشتريها من البر، من البحر او من الجو، ليس مهمّا! من داخل لبنان او من خارجه... من ​سوريا​، ​الاردن​ او ​مصر​... ليس مهمّا! فالمهم السعر الأرخص وبمناقصة علنيّة!".

اللافت ان هذا الكلام جاء بعد لقاء مطول بين رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ والوزير باسيل والذي دام خمس ساعات عشية سفر الحريري للمشاركة في مؤتمر ​بروكسل​ 3 للدول المانحة للنازحين السوريين ، وقد فسر الخطاب الناري لباسيل على انه رد على نتائج هذا المؤتمر والتي خيبت الآمال اللبنانية لجهة تأكيدها على ابقاء النازحين في لبنان ودول اخرى .

ولكن المصادر المقربة من ​السراي الحكومي​ اكدت ان اجتماع الساعات الخمس تناول بالتفصيل خطة الكهرباء التي أعدتها وزارة الطاقة بالتعاون مع ​البنك الدولي​ ، وقد حاول باسيل التسويق لها لكي يتبناها الحريري وتحال الى مجلس الوزراء باعتبار انها تقدم الحل الأقل كلفة للمرحلة الانتقالية ومدتها سنتان، وهو يقضي بالاعتماد على بواخر إنتاج الكهرباء، وبإضافة باخرة جديدة إلى الباخرتين الموجودتين حالياً ، ترسو الثالثة في الشمال، على مقربة من منطقة البداوي، تمهيداً لتشغيلها على الغاز الطبيعي، في حال تمكُّن لبنان من إعادة تفعيل اتفاق الاستجرار مع مصر.

وتنسب مصار السراي الى خطة البستاني انها تعتمد خيار البواخر للمرحلة الانقالية اذ ستؤمن الباخرة الثالثة 400 ميغاواط اضافية لزيادة معدل التغذية بالتيار، لتبدأ ​مؤسسة كهرباء لبنان​ بزيادة تعرفة الكهرباء تدريجيا مع كل اضافة الى ساعات التغذية .كما تنسب المصادر الى ان الخطة تشرح كيف ان انتاج البواخر اقل كلفة من عرضين حصلت عليهما من كل من ​سيمينز​ و​جنرال إلكتريك​. فالبواخر ستكلف نحو 14 سنتاً مع المحروقات للكيلوواط، اما إنتاج الطاقة عبر المعامل المقترحة من الشركات سيكلف 17 سنتاً، من جهة ثانية فان هذه المعامل ستسغرق وقتا لبنائها وبدء الانتاج فيها ، والبواخر هي الحل الموقت .

من جهتها نفت مصادر وزارة الطاقة استقدام باخرة كهرباء تركية ثالثة لترسو مقابل معمل دير عمار، داعية الى الإنتظار حتى تقديم خطة الكهرباء لمجلس الوزراء.

في حساب التكلفة ينبغي دائما احتساب ان الاسعار المقدمة ليست ثابتة وخصوصا عندما يتعلق الامر ببناء المعامل الجديدة ، فالتكلفة الإضافية تكون محصورة بفترة زمنية موقتة، اي المرحلة الاولى ، على أن يصار بعدها إلى الإبقاء على المعامل (المولدات)، ما يجعل إجمالي السعر أقل من سعر البواخر. هذا عدا عن امكانية تشغيل المعامل فورا على الغاز بكلفة اقل بكثير من كلفة الفيول اويل .

ولكن الخلاف المستجد بين الحريري وباسيل ليس هنا بالضبط ، فرئيس الحكومة موافق اصلا على خيار البواخر وهو يغطي وجود الباخرتين حاليا ، ولكنه يرفض اضافة باخرة ثالثة . ويسعى في خطة وضعها ويريد طرحها على مجلس الوزارء الى استقدام محطات توليد صغيرة توزع في عدد من المناطق ولا يستغرق ذلك سوى ستة اشهر ، ويمكنها تأمين الطاقة اللازمة 24 على 24 لبيروت الادارية فورا ثم بيروت الكبرى لاحقا ، على ان تنقل هذه الوحدات الى المعامل الكبيرة التي قد تنشأ .

وتعتبر مصادر السراي هذه الخطة بانها تؤمن حلا لازمة الكهرباء على مديين متوسط ( المرحلة الانتقالية ) وبعيد (الحل الدائم ) .

وتصف المصادر نفسها كلام الوزير باسيل بانه نوع من "الابتزاز" فعندما يتحدث عن خيار الاستجرار من بعض الدول فانه يذكر سوريا مع مصر والاردن ، وهذا يعني حشر الفريق السياسي المعارض لاستجرار الكهرباء من سوريا تحديدا ، ولاسباب سياسية بحتة ، علما ان اي عملية من هذا النوع ستمر عبر سوريا وليس غيرها .

وفي السياق نفسه تخشى الاوساط المعنية بملف الكهرباء ان يتعرقل جانب آخر من خطة معالجة ازمة القطاع مع اطلاق الحكومة مناقصات إنشاء معامل جديدة وخصوصا في منطقتي الزهراني وسلعاتا،لا سيما وان التيار الوطني الحر يرفض أن تجري أي مناقصة في إدارة المناقصات، باعتبارها من اختصاص وزارة الطاقة ، ومن صلاحيات اعطاها اتفاق الطائف للوزير ، وهذا ما سترفضه قوى سياسية عدة مثل القوات اللبنانية وحركة أمل وحتى .. ​حزب الله​ .

لذا قد يكون الحل هو في الذهاب الى خيار الـBOT ، اي ترك ​القطاع الخاص​ يبني المعامل ، كما حصل في معمل «دير عمار 2» الذي من المفترض أن تبدأ ببنائه شركة خاصة قريبا بحيث تبيع الشركة الكهرباء المنتجة من المعمل للدولة على مدى 20 عاماً، لتعود ملكيته لمؤسسة كهرباء لبنان بعد انتهاء مدة العقد القابلة للتمديد لخمس سنوات بدلاً من إقامة المعامل لحساب مؤسسة كهرباء لبنان مباشرة.

هذا الحل بدوره معرض ليكون مادة سجال تتناول ، ظاهريا، سعر الكيلوواط الذي ستدفعه الدولة من المنتج الخاص ، اذ يقال ان تجربة دير عمار ٢ ستكون بكلفة باهظة على الخزينة لمدة 20 – 25 سنة ، ولكن فعليا فان الخلاف سيدور حول الهوية السياسية-الطائفية لبناة المعامل المقترحة ، تماشيا مع منطق المحاصصة الذي يكرسه النظام اللبناني.

قطاع الكهرباء مقبل على عواصف سياسية – مالية جديدة ، فهل يفجر الحكومة ، أم يتوافق المعنيون مجددا على اساس مبدأ تقاسم المغانم ؟

الاسبوع الجاري سيشهد اجتماعا لمجلس الوزراء وسيحمل الاجابةعلى هذه التساؤلات ، ولكن على ما يبدو ان الازمة مفتوحة.