بعد حوالي عام من الإنتظار أصدر ​مصرف لبنان​ التعميم المنتظر المعني بإعادة العمل بالقروض الإسكانية المدعومة، حيث خصص مبلغ 300 مليار ليرة لبنانية للقروض السكنية لعام 2019، كما خصص مبلغ 490 مليار ليرة لبنانية في ما خص القروض السكنية الممنوحة وفقا لأحكام "المقطع الثالث عشر" من المادة المحددة في اللوائح النهائية المبلغة من مصرف لبنان والتي تتوفر فيها خصائص معينة. وبالتالي أصبح المبلغ الكلي المخصص للقروض السكنية هو 790 مليار ليرة، يكفي بحسب تقديرات الخبراء إلى أقل من 3500 طلب، في حين ان عدد الطلبات المعلّقة منذ العام الماضي يتخطة الـ 5000 طلب.

ولأن معظم الشباب اللبناني لا يملك وسيلة أخرى غير ​القروض المدعومة​ لإستملاك منزل في وطنه، شكّل هذا التعميم بصيصاً من الامل لهم، مع العلم أن متوسط دخل الشباب اللبناني شهرياً لا يتعدى الـ 1016 دولاراً بحسب مؤشر"numbeo" العالمي الصادر في العام 2017.

ولكن يبدو أن هذا الخبر لم يكن سوى "حقنة مخدّرة" جديدة، وصلت للمواطن اللبناني بعد ان تداولته وسائل الإعلام بشكل غير موضوعي وغير مهني إذا صح التعبير، مما خلق شعورا لدى المواطن بأن الأزمة وصلت إلى الحل، وبأنه أخيراً وصل سيصل إلى تحقيق حلمه بشراء منزل له.

فيما يلي قصة حقيقية دفعتنا لكتابة هذه المقالة لنكشف فيه ما هو واقع القروض الإسكانية في لبنان بعيداً عن الكلام الوردي الذي لا يمت للواقع بصلة.

يوسف هو مواطن لبناني راتبه الشهري لا يزيد كثيرا عن ​الحد الأدنى للأجور​ كحال أغلب من في جيله. وبما ان العادات الإجتماعية تفرض على كل شاب إمتلاك منزل أو شقة سكنية، إتفق يوسف مع مطور عقاري على شراء شقة مساحتها لا تتخطى الـ100 متر، وبموجب هذا الإتفاق دفع دفعة أولى متواضعة، وبدأ بتسديد أقساط شهرية إلى حين إعادة تفعيل قروض الإسكان.

وبعد صدور تعميم مصرف لبنان، إتجه يوسف نهار الإثنين الماضي إلى ​المؤسسة العامة للإسكان​ ليسأل عن الأوراق المطلوبة منه ليحصل بموجبها على قرض سكني - رغم نصيحة المطور العقاري له أن الأولوية الأن هي للملفات القديمة التي توقفت منذ العام الماضي بعد نفاذ المبلغ المخصص للقروض السكنية - إلا أن يوسف أصر على قراره وإتجه إلى المؤسسة العامة للإسكان التي طلبت من الشاب حصوله على موافقة مبدئية من ​البنك التجاري​ لتبدأ المؤسسة بعدها بمتابعة ملفه بشكل طبيعي فور إستيفائه للشروط.

الفجوة بين المؤسسة العامة للإسكان والبنوك التجارية:

إتجه يوسف إلى كل من البنوك التالية: "بنك لبنان والمهجر "،"​بنك عودة​"، "​بنك البحر المتوسط​" و"SGBL" ليحصل على نتيجة واحدة .. جواب موحّد: "لم نحصل على مذكرة رسمية لنباشر العمل بالقروض الإسكانية".

لا شك أن قصة يوسف ليست قصة فردية، بل هي خلاصة لجيل ينتظر أن يحصل على أدنى حقوقه كالسكن في وطنه ! في بلد غُيّبت عنه السياسات الإسكانية المستدامة وإستُبدلت بحلول آنية كالقروض المدعومة.

"الإقتصاد" تحصل على معلومات خاصة من 4 بنوك تجارية:

بعد حديثنا مع يوسف ، تمكنت "الإقتصاد" من الحصول على معلومات مؤكدة من مصادر لها في "​فرنسبنك​" التي أكدت أن ما يتم تداوله في الإعلام حتى الساعة لا يمت للواقع بصلة، فالقروض الإسكانية لا تزال عالقة حتى بعد إصدار التعميم.

ويوضح المصدر: " لم يصلنا أي أمر رسمي لنباشر في العمل على القروض الإسكانية." ويبرر ذلك إستناداً إلى أن المؤسسة العامة للإسكان كانت قد تركت القرار للمصارف، لأنه وبحسب الشروط الجديدة على البنوك عند عزمهاإعطاء قروض إسكان بالليرة اللبنانية، عليها أن تضع مبلغا يعادلها في مصرف لبنان ولكن بالدولار. لذا حتى الساعة لم تتجرأ البنوك التجارية بأخذ خطوة قاسية كهذه.".

مصدرنا في "بنك لبنان والمهجر" رأى أن الأخبار المنقولة عبر وسائل الإعلام والتي أعادت الأمل للشباب، دفعت البنوك للأسف إلى كبح جماحها. وقال لـ"الإقتصاد" :" بعد تشكيل الحكومة، صدر قرار بإعادة دراسة الملفات التي كانت قد توقفت في نهاية العام 2017 وأوائل العام 2018، ولكن هذه الطلبات لا تزال حتى الآن مكدّسة، فالبنوك بحاجة لموازنة خاصة نظراً للشروط الجديدة المفروضة عليها". وتوقع المصدر ألا يتم إستقبال طلبات جديدة في العام 2019."

وفي حديث آخر مع مصدرنا في "​بنك بيبلوس​" أكد أن الأولوية الآن تعود للطلبات القديمة، التي على الأغلب لن تترك فسحة للطلبات الجديدة. واكد أن البنك لم يصدر أي قرار رسمي حول هذا الموضوع معتبراً :"إن جميع البنوك التجارية غير راضية عن هذه الشروط لأن نسبة الخطورة فيها أعلى بكثير من معدل ربحها، ويقول تترقب البنوك بصمت إحتمالية حصول تعديلات في البنود أو تعميم جديد أكثر عدلاً للبنوك والزبائن".

السيناريو لا يختلف كثيراً عن الحال في بنك "BLC" ، فقد أكدت مصادرنا أنه حتى الآن لم تصدرأية مذكرة من إدارة البنك لإعادة تفعيل القروض السكنية لأنها لا تزال تدرس هذا الملف وتقارنه بالكوتا المخصصة للبنك.

فهل هذه هي التسهيلات التي تحدث عنها المعنيون؟ إن هذا الشرط الذي يبدو مكلفاً للبنوك، لا شك أنه بات يشكل حاجزاً اساسياً يقف أمام 3 جهات رئيسية: الشباب، البنوك التجارية التي كانت تحقق أرباحاً سنوياً تترافق مع أقساط الزبائن، وبالطبع المقاول المتواضع الذي يحتاج لسيولة ليتابع مشاريعه ويحظى بلقمة عيشه. ليس هدفنا من هذا المقال نشر السلبية، إنما إيماناً منّا بضرورة توضيح الأمور كما هي على أرض الواقع، فالمواطن اللبناني بغنى عن جرعات أمل "فارغة" لا تُسهم بشكل ملموس في تحسين أوضاعه المعيشية والإقتصادية.