هل ستدفع الحرب التجارية التي يقوم بها ​دونالد ترامب​ ​الاقتصاد الأميركي​ نحو الركود ؟؟ سؤالٌ يطرحه العديد من الأطراف حول السياسة التي يتبعها ​البيت الأبيض​، في ظل تأثيرات طالت الآلاف من المنتجات، المحلية منها والمستوردة من ​الصين​ و​كندا​ و​المكسيك​ و​أوروبا​ أيضا. فسعر البضائع المستوردة في ازدياد، والطلب على البضائع المصدرة إلى الخارج ينخفض، أضف إلى ذلك ان عددا كبيرا من الشركات بدا يفكر في الإستغناء عن عمّال، وشركات اخرى تحذّر من الوصول إلى الإفلاس.

وعلى الرغم من ان ترامب لن يجد وقتاً أفضل من الوقت الحالي لخوض حربه التجارية، خاصة ان وتيرة النمو في البلد قوية للغاية، و​الرسوم الجمركية​ التي يتم إعتمادها لا ينبغي ان تؤثر كثيرا على ​الناتج المحلي​ الإجمالي الرئيسي وعلى اعداد الوظائف، إلا أن بعض الصناعات وبعض القطاعات الأخرى قد تعاني بشكل كبير، وقد يكون من الصعب إلغاء هذه الحرب الكبيرة في حال بدأ الإقتصاد بالتباطؤ.

ويتم خوض الحرب على جبهات متعددة، وسط عدد هائل من المبررات المختلفة التي تستخدمها إدارة ترامب. فقد استهدف ترامب الصين معتبرا أنها تقوم بمجموعة متنوعة من ممارسات السوق غير العادلة، بما في ذلك سرقة ​الملكية الفكرية​ الأميركية. وشجب ترامب اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا الشمالية، والتي تشاطرها مع المكسيك وكندا، بحجة أن هذه الإتفاقية تحتاج إلى تعديلات وانها تمزّق ​الشركات الأميركية​.

وإعتبر ترامب أيضا أن الممارسات التجارية للاتحاد الأوروبي غير عادلة. وقال في تجمع في ولاية مينيسوتا الشهر الماضي: "لقد وضعوا حواجز كي لا نتمكن من بيع منتجاتنا الزراعية .. ومع ذلك هم يبيعون سيارات ​مرسيدس​ وبي إم دبليو في السوق الأميركي، والسيارات تدخل بالملايين. ونحن بالكاد نفرض عليهم الضرائب".

الفكرة التي تم إعتمادها في هذه الحرب تستند على مساعدة الشركات الأميركية ومعاقبة الشركاء التجاريين في الخارج من خلال رسوم جمركية، فقد قام البيت الأبيض بفرض رسوم جمركية على أكثر من 200 مليار دولار من البضائع المستوردة ، مما أدى إلى الانتقام في المقابل والرد بالمثل. فالألواح الشمسية، والجينز، والدراجات النارية، ولحم الخنزير، وفول الصويا، والصلب، و​الألمنيوم​، والسيارات، وطارد الحشرات، والتوت البري، والجبن .. وغيرها من المنتجات الأميركية الأخرى دخلت ضمن قائمة تبادل إطلاق النار في هذه الحرب الكبيرة والمتنامية. وقد أجبر ذلك المزيد والمزيد من الشركات على التفاعل، وقد استفادت بعض الشركات الأخرى، مثل المنتجين المحليين للسلع الأساسية، من هذه الرسوم. إلا ان شركات اخرى هددت بالإنتقال إلى خارج السوق المحلي، وتغيير سلاسل التوريد الخاصة بهم لتخفيف الأثر، أو البدء في زيادة الأسعار على المستهلكين.

الحرب التجارية ستخفّض ​الناتج المحلي الإجمالي الأميركي​ بنسبة 0.3%

وسط كل هذه المعركة، يعتبر إقتصاديون أميركيون ان تأثير هذه الحرب على النمو مازال صغيرا، ولكنه بنفس الوقت تأثيراً ملحوظا. فكبير الاقتصاديين في "كابيتال إيكونومكس" بول أشوورث، قال، "أثر هذه الحرب على النمو يتراوح بين 0.1 أو 0.2 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي". في حين حدد "​مورغان ستانلي​" الأثر المباشر بحوالي 0.3 نقطة مئوية، إضافة إلى عدد كبير من المتنبئين الآخرين والمحللين الاقتصاديين الذين اكدوا على هذه الأرقام.

وقال أحد المستشارين في مجال الاقتصاد الكلي من شركة "IHS Markit" كريس فارفاريس، "لا شك أن هناك أثرا على المدى القصير للتعريفات الجديدة مما سيضعف الناتج المحلي الإجمالي .. إلا أن الرسوم الجمركية الكبيرة لن تدفعنا نحو الجمود او الكساد بالنظر إلى نوع النمو الذي تشهده البلاد في هذه المرحلة".

لكن الحرب التجارية أكثر من مجرد رسوم وتعريفات جديدة، فقد تعمل إجراءات ترامب على تقليل ثقة المستهلك وتقويض الاستثمار في الأعمال التجارية وتقليل شهية المستثمرين. فعلى سبيل المثال ، قد تختار الشركات التي تتوقع المزيد من التعريفات الجمركية وحواجز التصدير عدم توسيع عملياتها في ​الولايات المتحدة​.

بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر أن تستمر الحرب التجارية في التصاعد ، مما يؤدي إلى إلحاق ضرر أكبر ب​النمو العالمي​. وقدر الاقتصاديون في بنك "يو بي إس" أن نزاعًا كبيرا قد يبطئ النمو العالمي بمقدار نقطة مئوية - بما في ذلك 2.5 نقطة مئوية في الولايات المتحدة و 2.3 نقطة مئوية في الصين - وهذا السيناريو سيكون لديه آثار "حادة" على سوق الأسهم ، والتي قد تنخفض بنسبة 21% في الولايات المتحدة.

من جهة أخرى، حتى ولو بقي التأثير على الناتج المحلي الإجمالي ضعيفًا، فإن بعض المجتمعات والمستهلكين سيشعرون بصعوبة الوضع أكثر من الآخرين. فالشركات الزراعية، على سبيل المثال، تستعد للتعريفات. وقال برنت وهو مزارع لفول الصويا و​الذرة​ - يتخذ من انديانا مقرا له - في بيان "بالنسبة لمنتجي فول الصويا هذه ضربة مالية مباشرة .. هذا المال هو من جيبي، وقد تعني هذه التعريفات الجديدة الفرق بين الربح والخسارة بالنسبة لقيمة العمل في هذا المجال لمدة عام كامل. من جهة اخرى تحذر صناعة السيارات من أن التعريفات التي يهدد بها ترامب قد تكلف آلاف الوظائف الإنتاجية.

في ظل كل هذه التوقعات والتخمينات، يقول صندوق النقد الدولي إن تصعيد خطوات فرض رسوم جمركية متبادلة قد يؤدي إلى خفض النمو العالمي بواقع 0.5% بحلول عام 2020.

وأظهرت بيانات منفصلة مؤخرا تباطؤ نمو قطاع الصناعة الصيني في شهر تموز، كما تراجع أحد مؤشرات ​ثقة المستهلك الأميركي​ نتيجة مخاوف تتعلق بالرسوم الجمركية، وفقا لتقارير إعلامية.

ويتوقع بنك "مورغان ستانلي" أن يؤدي التصعيد الكامل للصراع التجاري على الأرجح إلى حدوث تراجع قدره 0.81 نقطة في المئة للنمو العالمي. وقد يدفع هذا السيناريو الولايات المتحدة إلى فرض رسوم بواقع 25% على جميع السلع من الصين و​الاتحاد الأوروبي​، وسوف يردون بإجراءات مماثلة.

وقال البنك إن التأثير الأشد سيكون من خلال تعطيل نشاط سلاسل التوريد المحلية والدولية.