نشرت وكالة "​بلومبيرغ​" الأميركية، تحليلاً للسياسي والخبير في الشأن ​الصين​ي ​مايكل​ شومان، تحدث فيه عن تصاعد الخطر والتحدي الصيني، الذي كان الدافع وراء إصلاح ​الولايات المتحدة​ سياستها الاقتصادية بما يضمن استمرار التفوق الأميركي العالمي.

وأشار شومان إلى "قانون الإبداع والمنافسة الأميركية" الذي قدمه زعيم الأغلبية الديمقراطية في ​مجلس الشيوخ​ تشاك شومر والعضو الجمهوري في المجلس تود يونغ وتمت الموافقة عليه يوم 8 حزيران الجاري بأغلبية 68 عضواً مقابل 32 عضواً، باعتباره مؤشرا على التغير الإيجابي في السياسة الاقتصادية الأميركية.

وبحسب التحليل، فإن القانون الذي يُعرف باسم "قانون الصين" جاء لأسباب وجيهة، حيث يمكن القول إن ​بكين​ كانت الملهمة لهذا القانون الذي يحاكي النموذج الاقتصادي الذي تقوده الدولة في الصين من خلال إنشاء صندوق حكومي برأسمال 250 مليار دولار لتمويل الأبحاث العملية ودعم صناعة أشباه الموصلات في ​أميركا​. كما أن صعود الصين وسياستها الخارجية العدائية والخوف والقلق اللذان تثيرهما في واشنطن هو الشيء الوحيد الذي دفع الجمهوريين والديمقراطيين للتحرك المشترك والقيام بعمل واحد.

في المقابل فإن الصين هاجمت القانون، رغم أنه عليهم أن يلوموا أنفسهم قبل أي أحد آخر لصدور هذا القانون بحسب شومان، الذي يقول إن تحرك أميركا و​الدول الصناعية​ الأخرى كان حتمياً لمواجهة الدعم الحكومي الصيني الباهظ للصناعات المتطورة، بما في ذلك ​السيارات الكهربائية​ والذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية ببرامج كتلك التي تتبناها الصين.

فنظرًا لعدم قدرة أميركا على الضغط على الصينيين لتقليص الدعم السخي لشركاتهم من خلال المحادثات أو ​الرسوم الجمركية​ العقابية، قررت فعليا تبني مبدأ "إذا لم تتمكن من التغلب عليهم فانضم إليهم". في المقابل، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن مشروع قانون مجلس الشيوخ "يشوه مسار التنمية في الصين. وهذا التصريح هو شهادة نجاح للقانون الأميركي من وجهة نظر شومان.

وقد نجحت الصين فيما فشل فيه الكثير من خبراء الاقتصاد وصناعة السياسة في أميركا، وهو إقناع واشنطن المشلولة أيديولوجيا بأن الدولة يمكنها أن تلعب دورا إيجابياً في التقدم الاقتصادي. وقد اعتاد ​السياسيون​ الأميركيون على الإيمان بذلك. وقد ساعدت أموال دافعي الضرائب الأميركيين في بناء "شبكة السكك الحديدية" وشبكة تقاطعات الطرق السريعة الأميركية وصناعة أشباه الموصلات قبل عشرات السنين.

ولكن منذ ثورة ريغان، سيطر الإيمان الغيبي بالسوق الحرة على صناعة سياسة أميركا وتلاشى استثمار الدولة في الاقتصاد. ورغم فشل هذه الرؤية الاقتصادية الريجانية يصر الكثيرون من السياسيين على أنه يمكن حل كل وأي مشكلة اقتصادية من خلال الإعفاءات الضريبية فقط دون الحاجة إلى تدخل ملموس من الدولة.

والآن عادت الدولة في أميركا لممارسة دورا اقتصاديا. فإلى جانب القانون الذي أقره مجلس الشيوخ، وانتقل إلى ​مجلس النواب​ هناك "خطة ​الوظائف الأميركية​" لإدارة الرئيس جو بادين التي تقدم الحكومة باعتبارها حكومة يسارية وتتضمن رصد 174 مليار دولار من أموال الحكومة لتشجيع ​صناعة السيارات​ الكهربائية في الولايات المتحدة على الطريقة الصينية.

مثل هذه الأهداف السامية التي تدعمها الدولة، تمثل تحولا كبيرا للسياسة الاقتصادية الأميركية عن فكرة أن الإنسان لا يمكنه التفوق فكريا على السوق. وقد يعترض المحافظين المتشددين في واشنطن على هذا التحول لكن التفوق الصيني المطرد سيقلب المد الأيديولوجي الجديد ضد هؤلاء المحافظين. والحقيقة أن هذا التحول في السياسة الاقتصادية الأمريكية يكشف عن تنامي النفوذ والتأثير الصيني على ​الاقتصاد العالمي​. وقد ظهرت قوة الصين بالفعل في التجارة والتكنولوجيا خلال السنوات السابقة، والآن تفرض وجودها على المجال النقدي للأفكار الاقتصادية.

فخلال القرنين الماضيين اقتبست الصين الأفكار من القوى الغربية بالنسبة لكل شيئا بدءا من عادات المواعدة بين الشباب والفتيات وحتى الدساتير. والآن قامت الصين الحديثة بدرجة كبيرة على أساس الفلسفات المستوردة من الماركسية وحتى الرأسمالية. وعندما انفتحت الصين على العالم في ثمانينيات القرن العشرين وتبنت إصلاحات السوق الحرة كان صناع السياسة فيها متأثرين بشدة بالاقتصاديين الغربيين والنظرية الاقتصادية الغربية.

ولكن الموقف تغير الآن. وأصبحت إدارة الرئيس الصيني شي جين بينج بشكل عام ضد الدعوات إلى التوسع في حرية السوق، لصالح زيادة دور الدولة. في المقابل فإن صناع السياسة في العالم يراقبون الصعود الصاروخي للصين، ليكتشفوا أن بكين طورت مزيجا خاصا من الأفكار لتشجيع الرخاء الاقتصادي وهي وصفة تستحق النسخ والتكرار في أماكن أخرى.

ويختتم شومان تحليله بالقول "ربما يتعين علينا (كأميركيين) شكر الصين مرتين أخريين لأنها نبهتنا ليس فقط إلى المزايا الاقتصادية المحتملة لتدخل الدولة وإنما إلى مخاطره أيضا. وكما قال كلايد بريستوفيتز مؤلف كتاب "العالم ينقلب رأسا على عقب : أميركا والصين والصراع من أجل قيادة العالم" إن "الأمر يتعلق بثقة الصينيين في الدولة أكثر مما يجب وثقة الأميركيين فيها بأقل مما يجب". وهناك الكثير الذي يجب أن يتعلمه الأميركيون والصينيون على السواء.