دخل لبنان النفق المظلم، إجتماعيًّا وإقتصاديًّا وماليًّا، مع غياب الحلول وإستمرار المناكفات السياسية، التي تحول دون تأليف الحكومة، التي تخفّف من وطأة الأزمة الحالية.

وفي مشهد يُضاف إلى مشاهد الذّل في البلاد، إصطف المواطنون، في ساعات متأخرة من مساء أمس الأربعاء، أمام الصرافات الآلية، في محاولةٍ لسحب ما تيسّر من أموالهم المودعة بعد إعلان "​مصرف لبنان​" تبلغه قرار ​مجلس الشورى​، حول تعليق العمل بالتعميم القاضي بسحب ​الدولار​ على أساس سعر 3900 ليرة، بل تسديدها بالعملات الأجنبية.

وجاء تعميم المركزي، بعد قرار مجلس شورى الدولة، وهو أعلى سلطة قضائية إدارية في لبنان، إلغاء التعميم رقم 151.

وفي هذا السياق، أكد الخبير الإقتصادي ​إيلي يشوعي​، في مقابلة مع "الاقتصاد"، أن "مجلس الشورى مثل المحكمة الإدارية، (قضاء إداري)، أي كل القرارات الإدارية الرسمية، التي تكون قاسية على الصالح العام والمواطن، يُقدم بحقها شكوى من أجل الطعن بها".

وأضاف: "مجلس الشورى استجاب إلى شكوى مقدمة من 3 محامين، الذين لم يُفكروا بما سيحدث لاحقاً من تبعات.. وهذه المبادرة ليست من الدولة بل من الناس، وتجاوب معها المركزي، وأن سعر 3900 ليرة للدولار غير قانوني، أي إما إعطاء الأموال على السعر الرسمي أو الدفع بالعملة الأجنبية المفقودة من الأساس، لذلك ربما تستبدل بالـ "​شيك​"، وهنا يبقى السؤال أي من الخيارين أفضل؟ الحصول على المبلغ على الـ3900 ليرة أو أخذ "الشيك"، الذي سيتم تحويله فيما بعد إلى الليرة، وسيفقد قيمته".

وأوضح يشوعي، أن "المجلس لا يمكنه عدم الحكم، فقانونياً هذا مخالف (3900 ليرة)، والدولار الرسمي في الإدارات العامة ما زال 1507 ليرات.. وفي حال كان مغزى الحكم، أن تدفع ​المصارف​ بعملة الحساب، ستلجأ إلى إعطاء "الشيك" للمودعين".

واعتبر أن "إستجابة "مصرف لبنان" لهذا القرار، يندرج في إطار "النكاية السياسية"، مستغرباً "السرعة بإتخاذ القرار بوقف السحوبات على الـ 3900 ليرة".

وعن اجتماع ​رئيس الجمهورية ميشال عون​، مع حاكم المركزي ​رياض سلامة​، ورئيس مجلس شورى الدولة، قال يشوعي: "إن الرجوع عن القرار، يعد تهميشاً للمجلس، وعندها فليذهب القضاة إلى بيوتهم!".

ورأى أنه "لم يكن لنقطة الإنطلاق أي لزوم"، معتبراً أن "لبنان إنتهى، وكل محاولات المعالجة باءت بالفشل، ومنذ التسعينات كانت الإنطلاقة خاطئة، مع غياب ​السياسة النقدية​ السليمة".

وشدد يشوعي، على "وجوب تقديم الشكوى ضد من نهب وسرق أموال المواطنين، عندها فاليقوم القضاة بعملهم".

وعن إمكانية رفع سعر صرف السحوبات فوق 3900 ليرة للدولار، لفت إلى أن "هذا القرار في حال إتخذ، سيكون نوعاً من الإلتفاف حول الحكم.. وعند ازدياد ​الكتلة النقدية​ بالليرة، ستنهار العملة الوطنية أمام الدولار أكثر فأكثر".

وأشار يشوعي، إلى أن "العامل النفسي هو المتحكم اليوم بالسوق الحقيقية، فالمواطن محبط لأن التوقعات إزاء مستقبل لبنان سلبية جداً.. والدولار النقدي موجود، فمبلغ الـ 20 مليار دولار يمكن إيجاده في أماكن خاصة في البلاد".

وعن عمل منصة "مصرف لبنان"، كشف أنه "أمس الأربعاء كان في مصرف، وتبلغ عدم البدء بتفعيلها.. وكمنصة الـ 3900 ليرة للعمالة الأجنبية، عندها وقفت الناس بالطوابير أمام محلات الصيرفة، ولم تعط مفعولاً أكثر من أسبوعين".

وتابع أن المنصة الجديدة وُلدت ميتة، وهي "منصة أحلام".

وعن مبادرة سلامة الأخيرة، أكد ​الخبير الاقتصادي​، أنها "ليست واقعية، لأن المصارف لا تريد المس بالـ 3% من ​السيولة​ عند البنوك المراسلة.. وبمقدورها أن تعطي 150 دولار شهرياً، لمدة سنة".

وأضاف يشوعي: "يجب إعادة 5 مليارات دولار إلى المودعين، عبر المصارف، وبذلك نكون أمام توزيع عادل للعملة الأجنبية بكميات محدودة مع سقوف شهرية، وبحسب قيمة الودائع، بعكس البطاقة التمويلية التي لا يستفيد منها الجميع.. إذ إن أموال الدعم العائدة للمودعين، ذهبت للتجار، والمحتكرين، وللمقيمين في لبنان".

وختم يشوعي: "فكرة وضع اليد على أموال الناس لم تنته، والمطلوب أن يعيش اللبناني بهذا الواقع السيئ".