منذ تاريخ 9 آيار الحالي وحتى تاريخه ، مازال متعذراً حسم مصير البيان المفاجئ الصادر عن مصرف لبنان ليلاً بخصوص الإفراج عن اموال المودعين بالدولار. هل هوقابل للتنفيذ؟ من اين ستأتي الدولارات بعدما تم تجفيفها من المصارف؟
هل أراد حاكم المركزي رياض سلامة إحراج المصارف التي يجد البعض منها صعوبة حتى في تطبيق التعميم رقم 154 ليتم إخراجها من السوق؟
البعض اعتبرها ردة فعل امام الإستلشاء الفاضح للطبقة السياسية التي تمارس الضغوطات باتجاه صرف المزيد من أموال الاحتياطي الإلزامي لتمويل عمليات ما أطلق عليه اسم الدعم ، خصوصاً ان هذه الأموال تُصرف أساساً من حسابات المودعين، وبالتالي، فمن الأفضل سدادها لهم باعتبارها من حقوقهم .
البيان الأخير لسلامة أعلن فيه إطلاقه مفاوضات مع المصارف اللبنانية لإعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف بسداد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019، وكما أصبحت في 31 آذار 2021، وبالعملات كافة، على أن يتم دفع مبالغ تصل إلى 25 ألف دولار أميركي أو أي عملة أجنبية أخرى ويتم تقسيطها على فترة زمنية يُحدّدها مصرف لبنان لاحقاً. ومن المتوقّع حسب المبادرة، أن يبدأ الدفع اعتباراً من 30 حزيران 2021 شرط الحصول على التغطية القانونية .
للوهلة الاولى، لاشك ان البيان الليلي ينضوي على جرعة اوكسيجين للمودعين في المصارف الذين فقدوا الأمل باسترجاع اي قرش ابتلعته الدولة و"المركزي" والمصارف معاً.
ولكن ثمة تساؤلات تثير الريبة والشك خصوصاً وان كل الأمور هي صوب الإنحدارالسريع بغياب المعالجات الحقيقية،وسيطرة المناكفات والكيديات السياسية التي تضرب عرض الحائط كل الاعتبارات لخدمة المصالح الشخصية.
قزي
وفق الخبير الاقتصادي والمصرفي دان قزي: ان المنشور الأخير الصادر عن مصرف لبنان هو مجرد عروض مسرحية. فهو يلقي بشكل أساسي المشكلة في حضن المصارف، إذ يطلب منها أن تدفع من 3 % مما كوّنته من الودائع في حساباتها الخارجية لدى المصارف المراسلة.
من المعلوم ان التعميم رقم 154 يطلب من المصارف "حث عملائها" على إعادة جزء من أموالهم المحوَّلة إلى الخارج، وتكوين رساميل لدى المصارف المراسلة. إلا إن نجاح التطبيق غير دقيق، وتحديداً لجهة إلتزام محوّلي الأموال بإعادة الجزء المطلوب. ويبدو ان "المركزي" ينوي "استعمال الأموال التي جمعتها المصارف اللبنانية في المصارف المراسلة، أو الأموال التي يفترض أنها أعيدت، في تمويل السقوف التي ينوي عبرها تسييل حتى 25 ألف دولار.
ويقول قزي "للاقتصاد": من الواضح انه ينوي الإعتماد على ما تبقى من احتياط لدى "المركزي" وهو 15 مليار دولار بالإضافة الى المبالغ التي اصبحت لدى المصارف بنتيجة تطبيقها للتعميم 154حيث سمح لها بتكوين 3% من الودائع النقدية بالدولار Fresh dollars علماً ان ذلك يتطلب من الزبائن رد الأموال التي خرجت بعد إقناعها بذلك.
وفي الخلاصة، هذا يعني ان مجموع ما سيتم تأمينه بين " المركزي" والمصارف لن يتجاوز ال 18مليار دولار في احسن الأحوال اذا افترضنا إن المصارف استطاعت تحصيل 3 مليارات دولارات.
ولكن السؤال هو لماذا منذ سنة تقريباً حيث كان لدى " المركزي" ما يناهز ال 30 مليار دولار لم يتم إطلاق هذه المبادرة والتسديد للمودعين بالدولار؟
هذا دون ان ننسى ان نصف ال3 مليارات المكوّنة هي سندات يوروبوندز على سعر السوق، اي بمعنى آخر، سيكون هناك فقط مليار ونصف الملياردولار للتوزيع على المودعين.
ولو تم الالتزام بالبيان فمن المستحيل ان يطال جميع المودعين. فهناك من قام بسحب امواله على اساس سعر منصّة المصارف اي على سعر 3900ليرة للدولار. اي إن من سحب مبلغ ال 25 الف دولار على اساس سعر 3900ليرة لن يكون بمقدوره سحب اي مبلغ بالدولاربعد ذلك . ومن سحب اقل من هذا المبلغ لن يتعدى ما يحق له سحبه فرق هذا المبلغ اي 25 الف دولار.
اذا وضوح الآلية وسقوف السحب والمهل الزمنية، غير محسوم. وهويخضع لقدرة المصارف على تأمين السيولة، وهذا ما يلمّح اليه اصحاب المصارف .
ويرى قزي في البيان خطوة لكسب الوقت علماً ان ثمة مودعين عمدوا الى وقف اي سحوبات او تحويلات بعد صدور هذا البيان.
بإختصار، من الصعب قيام المصارف بتسديد اي مبالغ بالدولار الى المودعين بدون ضخّ دولارات من الخارج .
المصارف تُفاجأ وتترقب
في المعلومات المتوافرة انه حتى تاريخه، يجد بعض المصارف صعوبة في الالتزام بالتعميم 154، كما ان المُلتزم منها لم يستكمل الاجراءات اللازمة ، وبالتالي، من الصعب التمكّن من سداد الودائع بالدولار، سيما وان الأمور في لبنان من سيء الى أسوأ ، وليس فقط ما من وجود لأي رؤية واضحة محكمّة حيال الإصلاحات المالية المطلوبة، بل هناك غياب كلي لقادة و اصحاب قرار يوحون بالثقة باستلام زمام الأمور ، يطمئنون المودعين والمستثمرين على حد سواء.
إن تحميل المصارف عبء الإنهيار تجنٍّ محض، فلقد انتفع المقيمون والمغتربون من الفوائد التي تقاضتها هي جرّاء توظيف الأموال في سندات الخزينة، علماً أن الإحتياطيات المصرفية كانت دوماً تحترم المعايير المحاسبية الدولية.
و في المقلب الآخر، فإن التغطية القانونية التي ينتظرها مصرف لبنان تناقض الاجراءات التي اتخذها مع المصارف عندما حجزوا اموال المودعين بدون اي صيغة قانونية .
بانتظار ما ستؤول اليه جولات الاتفاق بين "المركزي" والقطاع المصرفي حول هذه الخطوة، يصمد هذا الأخير في حال ترّقب دائم، سيما وإن الحل المنشود للجميع يكون بتطبيق خطة إصلاح فورية شاملة، بدءاً من المالية العامة والدين العام وهيكلة المصارف وهيكلة مصرف لبنان، مع الحفاظ على أموال المودعين. هذا ولايجب ان ننسى إن معركة استعادة الثقة بالقطاع المصرفي لن تكون سهلة قطعاً، ولن تساعدها اي شحنة من التسهيلات والتسديد والفوائد المرتفعة، لأن خزائنه لم تعد الملاذ الآمن لاي ايداعات جديدة، للأسف أقله في المرحلة الحاضرة وربما القريبة.