بات محسوماً أنّ "​مصرف لبنان​" في طريقه إلى إتخاذ إجراءات متتالية بإتجاه رفع الدعم تدريجياً، عن إستيراد السلع الأساسيّة والمواد الغذائيّة.

تبعات هذا القرار ستكون كارثية على كافة الصعد، لاسيّما مع إستمرار تراجع قيمة ​الليرة اللبنانية​ أمام ​الدولار​، والإنخفاض المتواصل في القدرة الشرائية لدى المواطن، توازياً مع إرتفاع الأسعار، بظل غياب الرقابة.

ومع التخبط الحاصل في الحلول الممكنة، ومع كثرة الحديث عن البطاقة التمويلية لتغطية 70% من ​العائلات اللبنانية​، أصدر المركزي بياناً، يقول فيه إنه يفاوض حاليًّا ​​المصارف​، بهدف إعادة ودائع اللبنانيين التي كانت موجودة قبل 17 تشرين الأوّل بشكل تدريجي، لافتاً إلى خطة تضمن دفع مبالغ تصل إلى حدود الـ25 ألف دولار.

كما كشف سلامة إلى قرب إطلاق منصّته لتداول ​العملات​ الأجنبيّة "​صيرفة​"، وأن "مصرف لبنان" سيتدخل في عمليات المنصّة كلما دعت الحاجة، بالإضافة إلى توفير الإعتمادات المطلوبة لتمويل إستيراد السلع الأساسيّة.

في هذا السياق، يؤكد الباحث في العلاقات الدَّولية والاقتصادية د. علي حمّود، في مقابلة مع "الاقتصاد"، أن "السلطة الحاكمة تحاول إعتماد "سياسة الهروب إلى الأمام".. والمبادرة التي صدرت عن سلامة عبارة عن تخفيف عبء تمويل البطاقة التمويلية والدعم، ولن يكلف الأمر أكثر من 600 مليون دولار بالسنة، وبهذه الطريقة سيقفل العديد من حسابات المودعين الصغار".

وأضاف حمّود: "يعتبر حاكم المركزي أن هذا القرار له تداعيات إيجابية على المدى القصير، وباب لإستعادة الثقة ب​القطاع المصرفي​، لاسيّما بعد إعلان نجاح التعميم 154 وإلتزام المصارف بمندرجاته".

وأوضح أن "المنظومة الحاكمة بالتعاون مع المركزي قامت بهذه المبادرة، في محاولة للجم غضب الشارع، في حال تم رفع الدعم ولم تقر البطاقة التمويلية.. وهذا نوع من إحتواء الأزمة لتأجيلها، لحين تحديد مستقبل البلاد وترقب المجريات الدولية والإقليمية".

وحول المنصة الإلكترونية، رأى الباحث في العلاقات الدَّولية والاقتصادية، أن "إنطلاق المنصة ينتظر إصدار وزير ال​مالي​ة للتعميم، بحسب ما ينص القانون.. وهي أيضاً محاولة "إحتيال" لجلب أموال اللبنانيين من المنازل من جهة، وتفعيل عمل القطاع المصرفي عبر إستعادة الثقة من جهة أخرى، لكنها غير واقعية، ومن المحتمل أن تبدأ بسعر الـ10000 ليرة أو قريبة لسعر السوق الموازية".

إلى ذلك، أكد حمّود، أن "رفع الدعم أصبح حتمياً، لاسيّما مع نفاد إحتياطي "مصرف لبنان" من العملة الصعبة.. وبدأت الخطوة الأولى في منتصف 2020، عندما شهدت الأسواق شحاً وتلاعباً بالسلع المدعومة وفوضى ب​آلية​ التسعير، والدعم إستنزف نحو الـ6 مليار دولار في عام 2020".

وكشف أن "نصف السكان أصبحوا فقراء، من ضمنهم 23% يعانون من ​الفقر​ المدقع، وإرتفعت نسبة البطالة إلى حدٍ لامس 45% لعام 2021، بحسب التقديرات، توازياً مع تفاقم الوضع مع جائحة "كورونا"، وإقفال الكثير من المؤسسات والمحال التجارية، إضافةً إلى التقلبات الحادة لسعر الصرف".

وحول البطاقة التمويلية، لفت إلى أن "هذا الواقع ينذر بإنفجار شعبي، ويتطلب مساعدات عاجلة تحد من حرمان هذه العائلات من أدنى مقومات الحياة والعيش بكرامة. فكان لا بدّ من الإسراع في التطبيق الفعلي للبطاقة التمويلية دعماً للعائلات الأقل إنتاجًا، وهو مشروع قد تمت دراسته من قبل اللجنة الحكومية، ومن المنتظر أن تحيله حكومة تصريف الأعمال على ​مجلس النواب​ لدراسته وإقراره أواخر آيار، بعد أن ربط رئيس حكومة تصريف الأعمال ​حسان دياب​ رفع الدعم بإقراره".

وأوضح الباحث في العلاقات الدَّولية والاقتصادية، أن "البطاقة من المفترض أن تغطي قرابة الـ70% من أصل مليون ومئة ألف عائلة فقيرة، أي حوالي 750 ألف عائلة أشد فقراً بمبلغ شهري يدفع بالليرة اللبنانية يصل إلى 800 ألف ليرة".

وأضاف: "تغطي فارق المساعدات في برنامجي وزارة الشؤون الإجتماعية بعد توحيد البرامج مع "​البنك الدولي​"، وذلك بعد أن كانت ثلاثة برامج رسمية تدعم العائلات، وهي برنامج الجيش ويستفيد منه 300 ألف عائلة، تحصل على 400 ألف شهرياً، وبرنامج وزارة الشؤون الإجتماعية وتستفيد منه 50 ألف عائلة بمساعدة تصل إلى 800 ألف ليرة، والبرنامج الثالث يتألف من مشروع القرض الميسر من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار، عن طريق إعداد ​بطاقات​ تستهدف 160 ألف عائلة بمعدل 800 ألف ليرة شهريًا. مما سيخفف عن كاهل المواطن وطأة رفع الدعم، وستشمل موظفي القطاعين، العام والخاص، مع سعي الحكومة لتوحيد داتا العائلات اللبنانية".

وإعتبر أن "أبرز المشاكل التي تعيق تنفيذ هذا البرنامج: آلية الإستمرار في التمويل وكيفية التوزيع العادل".

وعن آلية الإستمرار بالتمويل، في ظل الإنهيار الحر للإقتصاد وإنخفاض عوائد أو مداخيل الدولة من الجباية والضرائب و​الجمارك​، قال حمّود: "لا بد من الإعتماد على قروض "البنك الدّولي" والدول المانحة لإستدامة المشروع، وعند التقصير سيتم الإتكال على التمويل من مالية الدولة عبر طبع المال الذي لا يزيد من الناتج الإقتصادي، بل يسبب زيادة حجم ​الكتلة النقدية​ و​التضخم​ وإرتفاع أسعار السلع وسعر الصرف، مما قد يجعل مشروع البطاقة التمويلية من دون جدوى، ولا يغطي أكثر من 20 إلى 25% من حاجة العائلة".

وأضاف: "أما على الصعيد الآخر ومستوى الشفافية في التوزيع، فتبرز مخاوف من دخول البطاقة التمويلية في بازار الزبائنية السياسية والمحسوبية، وقد تتحول البطاقة إلى عامل مؤثر في إنتخابات عام 2022 من قبل الأحزاب السياسية، مع غياب العدالة في التوزيع وعدم توحيد داتا العائلات".

وأشار حمّود، إلى أن "البطاقة التمويلية ليست الحل، وليست شبكة أمان إجتماعية للمواطن، ولن تؤمن الإكتفاء الذاتي في ظل إنخفاض قيمة الليرة أكثر من 88% وإرتفاع الأسعار بنسبة 400% للسلع الأساسية، و300% للمحروقات بحال تم رفع الدعم أواخر أيار، مع إبقاء الدعم على أدوية الأمراض المزمنة، و​القمح​ بـ150 الذي يُكلف مليون دولار سنوياً".

كما أكد أنه "يتفق مع العديد من المراقبين، أن أي مشروع لن ينجح من دون تشكيل حكومة فاعلة ومدعومة من ​المجتمع الدولي​ والخليجي، والمؤسسات المالية الدولية".

أخيراً، واقع معيشي وإقتصادي وصل إليه لبنان، بعد أن كان منارة الشرق والوجهة السياحية والخدماتية والتعليمية لدول الخليج، أضف إلى ذلك "نظام مالي و​مرفأ​ ومشفى"، لجميع ​الدول العربية​، كما وصفه المفكر ميشال شيحا، فأصبحنا شعوب متسولة تنتظر مساعدات وقروض البنك الدّولي.

ومن الواضح أن إستمرار الدعم من أموال المودعين أو إستبداله الآن بالبطاقة التمويلية، التي لم يحسم أمر تمويلها بعد، وهذا إن دل على شيء فهو بمثابة هروب إلى الأمام لتأجيل الإنفجار و​الحراك الشعبي​، وإنتظار الحلول الدولية والإقليمية، من ڤيينا إلى ​طهران​، و​الرياض​ ودمشق.