لم يسلم القطاع الطبي في ​لبنان​ من ​الأزمة الاقتصادية​ والمالية التي تعصف بالبلد، فمع انهيار الليرة إلى مستويات قياسية متدنية، يشهد القطاع الاستشفائي أزمة كبيرة، فاقمتها جائحة "كورونا" وفشل "المسؤولين" بتشكيل حكومة انقاذية حتى الآن.

منذ 3 أسابيع أطلق نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، صرخة دعا فيها إلى "تأليف لجنة طوارىء واعتماد الخطوات السريعة بما يكفل استمرارية التقديمات، ويساعد المستشفيات على إبقاء أقسامها مفتوحة أمام المرضى، كي لا يموت الناس في منازلهم".

صرخة هارون لم تلقَ صدى لدى أي من المعنيين، فالدولة عاجزة عن وقف السيناريو المرعب بفقد الخدمات الطبية والاستشفائية في البلد، عدا عن ال​هجرة​ المخيفة للأطباء والممرضين.

وحول هذا الموضوع، كان لـ "الاقتصاد" مقابلة خاصة مع النقيب سليمان هارون، الذي شدد مجدداً على ضرورة تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن لوقف الانهيار الحاصل في القطاع الطبي والاستشفائي، جراء عدم توافر ​الدولار​ الأميركي اللازم ل​استيراد​ الأدوات والمعدات الطبية الضرورية وصيانتها.

وتخوف من إمكانية التوقف عن تقديم الخدمات الطبية والاستشفائية في عدد من المستشفيات، على وقع تداعيات الانهيار المالي والاقتصادي والنقدي الذي يلقي بثقله على القطاع، بما يمثله هذا الأمر من خطورة بالغة على السلامة الصحية للبنانيين.

وقال: "الوضع مأساوي جداً، ونُحمِّل المسؤولية للحكومة ولجميع المسؤولين، وفي ظل غياب تشكيل حكومة، ​الوضع الصحي​ في لبنان يتدهور بشكل كبير، فالأزمة السياسية التي يعيشها البلد لا تسمح بإيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية. لن نستطيع أن نطبب الناس بدون دعم المنظّمات الدولية التي إتصلت لتقديم الدعم، ولكنها بإنتظار تشكيل حكومة والبدء بالإصلاحات، وبدون هذه ​المساعدات​ نحن عاجزون، فمع من ستتحاور؟! لا يوجد جهة رسمية تتواصل معها لتقدم لنا المنظمات المساعدات اللازمة لهذا القطاع."

وأضاف هارون:" وصلنا إلى مرحلة صعبة جداً وخطيرة، فالعديد من العمليات لا نستطيع القيام بها بسبب عدم قدرة المواطن على دفع تكاليفها مع ارتفاع سعر الصرف الدولار وانهيار الليرة. فهناك عمليات مكلفة جداً نضطر لتأجيلها كعملية الركبة الاصطناعية ونجبر المريض على تحمل الألم لأن المستشفى غير قادر على إيجاد المعدات والمستلزمات الطبية اللازمة، ولا المريض قادر على دفع الكلفة الباهظة، بالإضافة الى أن هناك أدوية لا يمكن أن نحصل عليها".

وفي ظل عدم قدرة الموردين الطبيين الذين يستوردون المعدات الطبية للمستشفيات العامة والخاصة على استيراد المعدات نتيجة النقص في الدولار، وغياب تشريعات حكومية تحول دون وضع ​المصارف​ قيود على تحويل الأموال إلى الخارج، نبه هارون "من تعطل المعدات في المستشفيات التي ليس بمقدورها إعادة إصلاحها، لأنها غير مدعومة وتكلفتها عشرات آلاف الدولارات، والوكيل يفرض الدفع ب​الدولار الأميركي​ النقدي حصراً. ونضطر إلى اللجوء للبدائل العلاجية القديمة كتقطيب الجروح في الأمعاء مثلاً هناك مواد حديثة لهذه الأمور، لكن لا المريض ولا المستشفى تستطيع تحمل التكاليف الجديدة."

وأضاف: "إن بقينا في هذا الإنحدار، سنشهد تقهقراً بالإمكانات التقنية في المستشفيات، بالإضافة إلى هجرة الأطباء والممرضين وعدم إمكانية المستشفيات على شراء المستلزمات الطبية، وأنا أرى أن لا أفق حل إلا عبر تسوية الأزمة السياسية وتشكيل حكومة بأسرع وقت، فنحن في وضع خطير جداً، وإن استمرينا على هذه الحالة ستنخفض القدرة الطبية في لبنان بشكل كبير".

وتحدث هارون عن غياب الحلول في ظل الأزمة السياسية، وقال إن "رفع التعرفة من قبل الجهات الضامنة غير ممكن، فهو يعرضها للإفلاس، وكذلك من الصعب تحميل الفرق للمواطن اللبناني الذي بات حالياً لا يرتاد المستشفيات إلّا في الحالات الصحية الملحّة، فكيف سيكون حاله فيما لو رُفعت التعرفة؟"

ولفت إلى أن وضع القطاع الصحي "يتجه من السيئ إلى الأسوأ، والمستشفيات اليوم لا تعرف على أي أسس تحدد تعريفتها، وتسودها فوضى في التسعير لا يمكن تنظيمها. ورغم ذلك كنا قد أعلنَّا في المؤتمر الصحفي قبل 3 أسابيع، عن دراسة مفصَّلة قامت بها ​نقابة المستشفيات​ الخاصة قدّمتها للجهات المعنيّة، تقارن التكاليف مع التعرفة على أساس ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، وتبين أنه إذا كان الدولار يساوي 9500 ليرة، فيكون الدولار الاستشفائي بـ 4500 ليرة، أي نحو النصف، ما يعني أن المستشفيات الخاصة تحتاج إلى رفع التعرفة الاستشفائية بنحو ثلاثة أضعاف حتى تستطيع الاستمرار".

وقال :"الفقير لم يعد يستطع الإستشفاء بسبب التكاليف المادية، والجهات الضامنة لا تريد تحمل الفروقات، والقول إن المواطن لا يجب أن يتحمل أعباء إضافية لا يكفي، بل يجب على المؤسسات الضامنة تغطية التكاليف الإضافية كي تتمكن المستشفيات من الاستمرار في تقديم الخدمات، الأمر الذي يبدو أنه أصبح متعذراً، وإن دعوة المستشفيات للالتزام بالتعرفات الحالية لا يراعي الواقع."

وختم نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة بالقول: "الطبابة ستصبح للأغنياء فقط، أما الفقراء لن يحصلوا على الاستشفاء في حال بقيت الأمور كما هي تزداد سوءاً!"