"منبوذة" باتت ليرة ​لبنان​، وغير مرغوبة، وهدف الجميع التخلص منها لقاء دولار مهما ارتفع سعر صرفه.

تحوُّل تدريجي ممنهج، باتت تشهده الأسواق، وعلى رأسهم ​التجار​، في التوجّه نحو التداول بالدّولار، بهدف التحوط وعدم تكبّد خسارات، بفعل الانهيار المتسارع غير المسبوق في العملة الوطنية.

"آذار"، كان الشهر الأكثر تراجعاً في قيمة الليرة، والهبوط في سعر الصّرف كان الأشد وقعاً، إذ شهدنا خلال أسبوعين تهاوي الليرة نحو 25%، لتستكمل مسار الانهيار المتسارع الذي بدأته منتصف شباط، بعد استقرار نسبي في سعر الصرف عند مستوى تراوح بين 7 و8 آلاف ليرة للدولار الواحد، خلال الأشهر الماضية.

مسار الانهيار الجديد، قابله المعنيون بنفس التلكؤ؛ فغابت الإجراءات عن السوق، ليحضر المضاربون ويتزايد التلاعب، وتتسع الفجوة بين العرض والطّلب لألف نقطة في بعض التداولات، في ظل سيولة منعدمة.

الخبير الاقتصادي​ د. وليد أبو سليمان،وفي مقابلة مع "الاقتصاد"، عدَّد أسباب تسارع إنهيار الليرة، وما تفرضه التطورات الجديدة مستقبلاً، في ظل مخاوف من زوال الليرة من التعاملات.

الإنهيار الحالي يعد الأسرع دكتور، حيث شهدنا قبل أسبوع تراجع الليرة بنحو 5 % والأسبوع الماضي بنسبة 20%، على ماذا تدل تسارع وتيرة الإنهيار؟ وما المتوقع مستقبلاً؟

"ما حصل خلال نهاية الأسبوع الماضي، جاء بفعل أسباب مترابطة، تلت قرار بعبدا "قمع وملاحقة منصّات وصرافي ​السوق السوداء​". عملياً اليوم هناك 5 مليارات دولار من خارج الدّعم، ويعمل التجار على شرائها من السّوق الموازي ليحصلوا على العملة الصّعبة، اللازمة للإستيراد في ظل عدم قدرة مصرف لبنان على تأمين الدّولار.

وبعد قرار بعبدا وبدء التشديد وتوقيف الصرافين، قرر الصرافون وقف بيع الدّولارات، ما نتج عنه طلباً متزايداً على الدّولار، وهبوطاً في ​السيولة​ المتوافرة في السّوق. وهو ما استغلّه بعض الصرافين في فرض سعر الصرف الذي يناسبه وتسبب بهبوط إضافي للّيرة.

التطبيقات​ كانت تمثل نوعاً من المؤشرات، التي تؤمِّن السعر بين المشترين والصرافين وحكمت السوق خلال الفترة الماضية، وفي غيابها أصبح الهامش بين العرض والطّلب قياسياً غير مسبوق، وتراوح بين الـ 100 والألف نقطة في الوقت نفسه، فتكرّست الفوضى، وباتت هناك أسواق موازية في غياب السيولة، ما أدى لارتفاعات كبيرة في سعر صرف الدّولار وتقلّبات، إذ إنه في غياب السيولة يصبح بالإمكان التلاعب بوتيرة أكبر في السّوق. وبمجرد بضع مئات من الدّولارات يمكن التلاعب بالسّوق والمضاربة ورفع السّعر.

وإضافة إلى ذلك، يمثل العامل النّفسي والهلع عند المواطنين، أحد الأسباب الرئيسية أيضاً في تهاوي قيمة العملة الوطنية، إذ إن المسارعة في التخلص من الليرة لشراء الدّولار، في وقت غاب العرض، تسبب بارتفاع في سعر صرف الدّولار."

إذا استمرت الأمور على ما هي عليه ماذا نتوقع في المستقبل القريب؟

"العامل النفسي أوصلنا إلى 12 ألف ليرة للدّولار الواحد، وهو سيحدد مسار قيمة العملة في قادم الأيام، مع توجه المواطنين للتخلص من أموالها بالليرة، وقيام التّاجر أيضاً باستباق الإنهيار وتحديد الأسعار وفقاً لصرف 12,500 ليرة، وهو واقع طبيعي في ظل غياب الإجراءات."

ما التداعيات الفورية التي قد نشهدها، إضافة إلى الارتفاع الكبير في ​أسعار السلع الغذائية​ والاستهلاكية في الأيام القليلة المقبلة؟

"إضافة إلى التداعيات أعلاه، فإننا قد نشهد شحّاً في ​المواد الغذائية​ والاستهلاكية وغيرها في الأيام المقبلة، مع إحجام التجار على عرض بضائعهم، لغياب القدرة على تحديد سعر الصّرف، إذ إن الواقع الحالي يجبر التجار على مسارين، إما إغلاق المتاجر، أو وقف الإستيراد.

المطلوب اليوم، بدل القمع وملاحقة الصرافين، العمل على تنظيم السّوق، لنشهد بعدها عرضاً وطلباً وفقاً لسعر صرف حقيقي صحيح. لأن الإجراءات المتخذة غير كفيلة بخفض سعر الصّرف وهو ما لمسناه من خلال انحدار العملة الوطنية خلال الأسبوع الماضي، فيما تؤكد كافة ​المؤشرات الاقتصادية​ حالة الانهيار التّام.

ورغم أن الطلب يفوق العرض بأضعاف، إلا أن السّوق المنظّم، والتداولات الخاضعة للضوابط، كفيلة بإعادة الهدوء إلى السّوق."

بات عدد من التجار يشترط الدفع بالدولار، هل يمكن أن نرى زوالاً فعلياً للعملة؟

"بالتأكيد، وهو ما بتنا نشهده لدى جميع اللبنانيين، عبر توجّههم للتخلص من أموالهم بالليرة، والعمل على شراء الدّولار. والأيام المقبلة، ستشهد تحوّل التداول اليومي إلى الدّولار بدلاً من الليرة، وهو مسار خطر للغاية وشهدناه في بلدان أخرى، ولكن شهدنا في المقابل إجراءات وإصلاحات، بعكس ما يحصل في لبنان من غياب أي إجراء ولو كان محدوداً لمواجهة هذا التهاوي في سعر صرف العملة الوطنية.

واليوم، ستصبح ​الليرة اللبنانية​ منبوذة، وهنا الحديث عن اللبنانيين كافة، في وقت نشهد انعداماً للمسؤولية لدى المعنيين."

هل سنكون أمام إجراءات جديدة كطرح أوراق نقدية من فئة المليون؟ أو شطب صفر من العملة بعد انهيار قيمتها؟ وما التداعيات لمثل هذه الخطوات؟

"في ظل الواقع الحالي، لن يتّخذ أحد أي قرار أو يتحمّل أي مسؤولية، فلا القائمين على ​السياسة النقدية​ سيتحملون وزر اتخاذ قرارات مصيرية، ولا الحكومة المستقيلة ستُلزم نفسها بإجراءات، ولن يقوم الرئيس المكلف أيضاً بأي خطوة في هذا الإطار.

وما يجري اليوم عملياً، هو صرف ما تبقّى من ودائع اللبنانيين بطريقة ممنهجة، وليس بهدف المحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين، إنما ليحموا مراكزهم فقط، حتى لا يتحمّل المعنيون أيَّة مسؤولية، ولكي لا يتم توزيع الخسائر بطريقة عادلة، وما يجري اليوم هو تحميل الخسائر للمودع حصراً والمواطن على السّواء."