ازاء جنون سعر ​الدولار​ الشعب يثور. البلد فلتان. لا سلطة ولا رقيب ولا حسيب. ​الجوع​ و​الفساد​ هما كلمة السر للثورة.

الشعب الجائع الى الشارع من جديد. الشعب غاضب جداً. الغلاء الفاحش يستشرس ويأكل الأخضر واليابس. الدولار يحلّق بعيداً، وما من رادع . هذا النفق الذي وصلنا اليه في جهنّم مظلم جداً وما من نهاية مرتقبة له.

اهل السياسة يتفرجوّن من مناصبهم ولا يفوّتون فرص تقاذف التهم والمسؤوليات.

الخبراء يحذرون ويعرضون النظريات دون الغوص في التحليلات التي يشوّشها تسارع التطورات.

....ماذا بعد؟

العالم يتفرّج او يراقب. اللبناني المقيم يتحضّر للهجرة من استطاع ويحلم بها من تعثّرت عليه. اللبناني المهاجر يتحسّر من جهة على عصر ذهبي في بلد تمنى العودة الى ربوعه يوما ما، ولن يراه بعد الآن، ومن جهة ثانية، يحمد ربّه على خيار اتخذه قسراً او طوعاً في ترك وطنه سعياً وراء لقمة عيش بكرامة، وحياة جديدة في بلاد تصون ​حقوق الانسان​ منذ ولادته حتى شيخوخته.

استرسلوا في منظومة الفساد، ولم يحيّدوا لقمة عيش المواطن المذلول عن تسلطهّم واطماعهم الى المراكز. ولكن الشعب لن يسكت. لن يسكت عن حقه في امور كثيرة عددها البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي شاركهم الكأس المرّة الممزوجة بالقهروالذلّ الذين يعيشهما اللبنانيون.

اوجدوا داءاً يحوّل حياة المواطن الى جحيم. الداء هو الارتفاع الدراماتيكي ل​سعر الدولار​ في الأيام الأخيرة، كما ترقّبه بعض الخبراء وذلك لعدة اسباب نذكر منها:

- زيادة في الطلب على العملة مقابل تراجع في العرض ونفاد محفظة الصرافين او حتى اتجاه هؤلاء الى التريّث في تلبية الطلب والمحافظة على ما يملكون منها كونها الركن الأساسي في رساميلهم.

- حاجة ​الدولة اللبنانية​ لتسديد رواتب واجور موظفيها، بغياب جباية الضرائب والرسوم في ظل تعليق للمهل . فهناك زهاء 300 الف موظف بين عسكري ومدني عليها تسديد رواتبهم. وهي اجور مقوّمة بالدولار وتصل الى 2 مليار دولار اي 12 الف مليار ليرة لبنانية ويجب على الدولة تأمينها.

- استمرار خروج مليار دولار شهرياً من لبنان الى الخارج، اضافة الى سياسة الطبع المفرط لليرة اللبنانية لتغطية الخسائر، وتعاظم ​الكتلة النقدية​ بالليرة ، بالتوازي مع استنفاذ الاحتياطات او ما تبقى منها التي هي في تراجع مخيف وعدم التوازن.

ولكن هل هذا كاف لهذه القفزة النوعية للدولار؟ هل من قطبة مخفية؟

مرقص

الخبير القانوني رئيس مؤسسة جوستيسيا الدكتور ​بول مرقص​ يعتبر إن تخطي سعر الدولار في السوق اللبناني ال 10 آلاف غير مبرر رغم انعدام الثقة وغياب الاصلاحات وايضاً سعر الشيكات.

المطلوب فوراً توقيف صرّافي الطرقات وعدم تركهم خلال ساعات قليلة، وإقامة دوريات ثابتة، الى جانب الإستعلام من التجار عن الصرافين المخالفين، والعمل بجد لوقف ​التطبيقات​ الإلكترونية، وتعديل سياسة الدعم والإعلان عن مخزون ​الذهب​.

لماذا الإعلان عن مخزون الذهب؟

يقول مرقص " للإقتصاد" لأن بعض الخبراء يرددون أن الذهب غير موجود وهو مبدّد، فيما هو منظّم بقانون يمنع التصرّف به منذ عهد الرئيس ​أمين الجميل​. قسم منه موجود في الطبقة السفلية ل​مصرف لبنان​ ولم يفتح بابه منذ ١٩٩٤ الى تاريخ تفقّد الحاكم ونوابه له منذ ايام، واليوم، جاري العمل على جرده في مصرف لبنان؛ والقسم الآخر انا زرته في ​البنك الاحتياطي الفدرالي​ في ​نيويورك​.

اما كيف السبيل الى النهوض؟

برأي مرقص، ينهض لبنان بحلول جذرية وطويلة تعيد الثقة ومعها الدولار الى سعره الفعلي. وهذه مسؤولية حكومة "استثنائية" تجترحها في رزمة واحدة وبسرعة.

اجتماع متواصل لحكومة تصريف الأعمال واجب اليوم قبل الغد لإتخاذ ​اجراءات فورية​ في الشأنين الصحي والنقدي.

دستورياً، التذرع بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال لا يستقيم لأن محاولة الإنقاذ هي في ​صلب​ تصريف الأعمال .

ويطرح سلسلة اسئلة تحمل في طياتها الأجوبة وفق التالي :

هل مخطط الاصلاح الاداري والمالي ينضج بتضليل المواطن في هذا الوقت العصيب وبعدم التصويب على السبب الحقيقي لارتفاع سعر الدولار ؟

هل تحسّن ​الوضع المالي​ وانخفاض سعر الدولار منذ بدء الازمة بفعل ملاحقة الصرافين الشرعيين وتشميع محالهم كافية ؟ اليست الحلول المجدية في مكان آخر أيضا؟

هل فعلا فقط الصرافون الشرعيون يملكون الامكانات المادية الكافية للتحكّم بسعر الدولار؟

من لديه الامكانات المادية لإطلاق التطبيقات بتقنياتها العالية وهي التي تنشر الأسعار وتتحكم باعصاب وجيوب المواطنين وبمصيرهم؟!

هل عجزت اجهزة الدولة عن توقيف المتلاعبين الكبار وهي التي نجحت بضرب اوكار الارهاب والممنوعات ؟

اليست الدوائر الرسمية من أصدر تعميماً استناداً الى رأي ​ديوان المحاسبة​ رقم ٦٤/٢٠٢٠ في ١٧/١٢/٢٠٢٠ باعتماد ​اسعار​ الدولار الرائجة في السوق في تخمين البلديات لسعر المتر البيعي؟

وكذلك صدر القرار ١/٨٩٣ ٣١/١٢/٢٠٢٠ والمبني على رأي مجلس شورى الدولة باحتساب القيمة المضافة بحسب سعر دولار ​السوق السوداء​ .

هل ستُعرّض الوزارات المذكورة المواطنين اللذين يلجأون الى السوق السوداء لتطبيق قراراتها في للملاحقة القانونية والمساءلة؟

هل المصلحة الوطنية تقضي بترك منتحلي المهنة المتفلّتين متفلتين من اي ​رقابة​؟

هل المصلحة الوطنية تقضي بان تبقى حركة التداول بسعر الدولار في الاسواق السوداء ومنتحلي مهنة الصرافة خفّية وعصيّة على مبدأ الشفافية ؟

من يسحب الدولار من الاسواق بعروض مغرية لتطبيق تعميم "المركزي" الى ​المصارف​ رقم ١٥٤؟.

لماذا يُسلّط الاعلام الضوء على بعض ​الخبراء الاقتصاديين​ عوض الخبراء العلميين الذين لا بد سيركّزون على الاسباب الحقيقية لإرتفاع سعرالدولار؟

التداعيات والأهداف

التلاعب في سعر الدولار صعوداً كثيرة التداعيات وكذلك معلومة الأهداف. فلا يجب ان ننسى ان ​الاقتصاد اللبناني​ مستمر في تمويل اقتصاد آخر. وارتفاع حجم الاستهلاك الداخلي المستورد هو اليوم اضعاف اضعاف ليذهب في مسلك التهريب خارج البلاد. اي ان التهريب عنصر اساسي في ازمة الدولار . وسياسة الدعم التي اتبعتها الحكومة أغرقت البلاد وهلكت العباد.