أن يتجاوز سعر ​الدولار​ في سوق بيروت يوم أمس الثلاثاء سقف العشرة آلاف ليرة ​لبنان​ية، هو أمر لم يبدوا مستغرباً أم مفاجئاً لأهل ​البيت​ المصرفي، أم للسياسيين من مساهمي ​المصارف​، أم من كان منهم يتولى أم يمتهن "وظيفة" حماية المصارف والدفاع عنها، أم من ساهم منذ اندلاع ​الأزمة المالية​ والإقتصادية في ممارسة سياسات "التعمية" ازاء الناس عن حقيقة المخاطر المالية التي عصفت بالبلاد فخرج بعضهم وقبل أيام معدودات من السقوط المالي الكبير ليؤكد على متانة سعر الليرة وعلى قوة ​القطاع المصرفي​، وكانت النتيجة احتجاز أموال المودعين غير المحظيين في المصارف، في حين تم تسريب كلمة "السر" إلى المحظيين من السياسيين وكبار المودعين من رجال المال والأعمال لتحويل ودائعهم إلى الخارج، كذلك كان الأمر بالنسبة لأصحاب المصارف ومساهميها وكبار مديريها.

المعنى أن أهل الربط والنهي في لبنان ي​علم​ون خطورة وعمق الأزمة المالية التي تمددت لتصل وتصيب شظاياها النقد الوطني للمرة الأولى خلال الثلاثين سنة الأخيرة إذ تراجع سعر صرف الليرة ازاء ​الدولار الأميركي​ بشكل دراماتيكي 1505 ليرات في ايلول 2019، إلى عشرة آلاف ليرة حتى يوم أمس الإثنين.

الإنهيار الكبير في سعر الليرة تسبب أولاً في ارتفاع كبير وتاريخي في أسعار مختلف السلع والخدمات بحيث ارتفعت نسب التضخم إلى نحو 85% في العام 2020، وثانياً تسبب في تراجع كبير في القوى الشرائية للأجور للأكثرية الساحقة من اللبنانيين إلى حد تراجع معه ​الحد الأدنى للأجور​ إلى 72 دولاراً اليوم، انطلاقا من 450 دولاراً في العام 2019.

والسلطة النقدية، والسلطة المالية وأصحاب المصارف وكبار رجال المال والأعمال يعلمون علم اليقين أن قفزة الدولار إلى مستوى العشرة آلاف ليرة كانت محسوبة ومتوقعة، حتى أن هؤلاء ينتظرون قفزات أخرى خلال العام 2021، وذلك على خلفية معرفتهم بكل تفاصيل الأزمات التي تعصف في هذا الوقت بلبنان الذي يعاني من أزمة حكومية ومن أزمة سيولة بالعملات الصعبة ومن وضع مالي ​شديد​ الخطورة ضرب أساسات مالية. الدولة، كل ذلك مع قطاع مصرفي شبه مفلس يعاني من خسائر ضخمة ومن فقدان الثقة.

عضو سابق في لجنة الرقابة على المصارف يقول لـ"الإقتصاد" إن زمن الإمساك ب​سعر الدولار​ قد انتهى وهذه حقيقة علينا أن نتعايش معها، كما علينا وانطلاقاً من واقعنا السياسي والمالي والإقتصادي أن نتوقع كل شيء بخصوص تطور سعر الدولار عندنا طالما أن الدولار لم يعد يدخل إلى لبنان، وطالما أن المصارف تواجة أزمة سيولة ضخمة بالعملات الأجنبية والأهم هو عدم قدرة مصرف لبنان على التدخل بالسوق لنفاذ احتياطياته بالعملات الصعبة التي استنفذ منها أكثر من 6 مليارات حتى تاريخه على "دعم" غير مجدي.

وعن زيادة رساميل ​المصارف التجارية​ بنسبة 20% وتأثيرها على اراحة ​الوضع المالي​ يقول عضو لجنة الرقابة السابق: لن يكون لهذه الزيادة من تأثير على المشهد العام أولاً كون هذه الزيادة وبالقسم الأكبر منها هي زيادة دفترية، وثانياً كون ​السيولة​ التي ستوفرها للمصارف بالدولار لن تتجاوز سقف الـ 3,5 مليارات.