جاء كلام حاكم "​مصرف لبنان​" رياض سلامة الأخير مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، على طريقة "قرع جرس الإنذار"، بحيث أن المركزي، لم يعد بإستطاعته دعم السلع الأساسية من محروقات و​طحين​ و​دواء​.

وتترافق هذه الأزمة، مع فشل السلطة الحاكمة في إدارة شؤون البلاد، وعدم تشكيل حكومة إلى الآن، وغياب تأمين بدائل وحلول للانهيار الاقتصادي المتواصل.

وأبرز ​صور​ هذا الإنهيار، يتجلى بالارتفاع الأسبوعي في أسعار، حتى تخطّى سعر صفيحة ​البنزين​ "98 أوكتان" المفقود أصلاً من الأسواق، عتبة الـ 33 ألف ليرة، فيما طالت الزيادات أيضاً ​صفيحة البنزين​ "95 أوكتان" وباتت فوق 32 ألف ليرة، و​المازوت​ الذي تخطى 22 ألف ليرة، ووصل سعر قارورة الغاز إلى 24500 ليرة.

وبحسب القائمين على قطاع المحروقات، فإن ارتفاع الأسعار يعود إلى صعود أسعار النّفط عالمياً، ويرتبط أيضاً بزيادة سعر صرف الدولار في السوق المحلية.

وفي حال استمرار ارتفاع الدولار مقابل اللّيرة، ورفع الدعم عن المحروقات، تشير "الدولية للمعلومات"، إلى أنّ ​سعر صفيحة البنزين​ سيرتفع. فوفقًا للأسعار العالمية، بلغ سعر صفيحة البنزين "95 أوكتان" في 16 شباط 2020 نحو 8.75 دولارًا أي 13.260 ليرة وفقًا للسعر المدعوم (1515 ليرة للدولار)، وما يوازي وفقًا لسعر صرف الدولار في ​السوق السوداء​ 9000 ليرة نحو 78.750 ليرة. مع إضافة عمولة الشركات والمحطات وضريبة ورسوم الدولة يصل السعر إلى 90,500 ليرة.

وبالتالي في حال رفع الدعم وارتفاع الدولار إلى أكثر من 9000 ليرة، وارتفاع الأسعار عالمياً، فإن سعر صفيحة البنزين سيصل إلى 100 ألف ليرة وربما أكثر.

وفي هذا السياق، أكد الباحث في العلاقات الدَّولية والاقتصادية د. علي حمّود، في حديث مع "الاقتصاد"، أن "الحديث عن رفع الدعم هو مقدمة لنفاد الإحتياطي".

وقال: "يعود سبب الارتفاع إلى عاملين، داخلي وخارجي. الأخير يرتبط بارتفاع سعر برميل النفط عالمياً، الذي وصل إلى عتبة الـ 66 دولاراً، مع إنطلاق حملة التلقيح ضد فيروس "كورونا"، وهو ما يساعد في تحفيز ​الاقتصاد العالمي​ وإعادة تشغيل العجلة الاقتصادية والانتاجية، ما يساهم في زيادة الطلب العالمي على الخام، إضافةً إلى إقتراب التصديق على حزمة التحفيز الأميركية المقدرة بـ1.9 تريليون دولار".

وأضاف حمود: "ارتفعت ​أسعار النفط​ أيضاً، مدعومة من تعطل كبير للإمدادات في جنوب ​الولايات المتحدة​ بسبب العاصفة الثلجية التي ضربت ​تكساس​، وكذلك إعلان تحالف "أوبك+" خفض الإمدادات، والتزام الدول بالقرار".

وعن كيفية تحديد الأسعار مستقبلياً في لبنان، أَشار إلى أنه "في حال تم رفع الدعم عن المواد الأساسية (المحروقات، والطحين والدواء) الذي يعتبر أحد أهم  مطالب "​صندوق النقد الدولي​"، سترتفع ​أسعار المحروقات​؛ إذ إن نسبة الـ10% التي تدفع بالعملة الصعبة تتحكم بها السوق الموازية، والـ90% المدعومة من "مصرف لبنان"، ربما تدفع على سعر المنصة 3900 ليرة، أو وفقاً لسعر صرف السوق".

ولفت الباحث في العلاقات الدَّولية والاقتصادية، إلى أنه "لا توجد أرقام حقيقية لمعرفة نسبة الإحتياطي المتبقية، ولا يمكن معرفة إلى أي مدى سيستمر الدعم، وهل كان الإبقاء عليه، خوفاً من حدوث ثورة شعبية!".

وتابع: "عاجلاً أم آجلاً سيتوقف الدعم، بسبب ​الأزمة الاقتصادية​ الخانقة التي نمر بها وفقدان العملة الصعبة، ويجب علينا التهيؤ لأسوأ السيناريوهات الاقتصادية والاجتماعية، في حال لم تضع الدولة رؤية وخطط اقتصادية لحل هذه الأزمة".

وأضاف حمّود: "ارتفاع أسعار المحروقات كل أسبوع، هو رفع غير مباشر للدعم".

وأردف قائلاً: "تأخرنا كثيرًا لخلق شبكة أمان إجتماعية قبل رفع الدعم، لتجنب ​الكوارث​ الإجتماعية، وحماية العائلات الفقيرة التي وصلت نسبتها إلى 55% حسب منظمة "​الإسكوا​" التابعة للأمم المتحدة، و23% منها أصبح ضمن الأسر الأشد فقرًا (​الفقر​ المدقع)."

وتابع: "كان من الممكن رصد وتقييم هذه العائلات عن طريق داتا، لتجنب الظلم الذي سيقع على كاهلهم، وعبر خلق برنامج لدعمهم قابل للتعديل والمعالجة، بعيدًا عن المحاصصات المذهبية والطائفية، التي جلبت الكوارث والدمار والويلات على الشعب اللبناني، حتى وصلنا إلى "Freefall Economy" لا قعر له".

ختاماً، يتخوَّف اللبنانيون من رفع الدعم عن السلع والمواد الأساسية، في وقتٍ تشهد البلاد أسوأ أزمة اقتصادية ونقدية منذ العام 1975، ساهمت في قفزات بمعدلات الفقر و​الجوع​ و​البطالة​، وتضاءل القدرة الشرائية عند المواطن، حيث يبلغ الحد الادنى للأجور 675 ألف ليرة شهرياً، ما كان يوازي 450 دولاراً، وفق سعر صرف 1515 ليرة. أما اليوم الحد الأدنى نفسه لا يتجاوز 75 دولاراً على سعر الصرف في السوق السوداء، الذي تجاوز 9000 ليرة، أي أنه تراجع بنسبة 83.3%، ليصبح ​الحد الأدنى للأجور​ في لبنان، من بين الأدنى في العالم.