بلد مفلس، حكومة تصريف وأخرى مفقودة، حظر تجول وطوارئ صحية، أفق مسدود، مستقبل ضبابي،... هذا حال لبنان اليوم، الذي يزداد سوءا أكثر فأكثر مع غياب رؤية واضحة من شأنها انتشالنا من قعر الهاوية، الذي نتخبط فيه، بانتظار الحلّ.

وفي خضم الأزمة السياسية والمعيشية والصحية، ظهر مشروع موازنة 2021، الذي وصفه الكثيرون بالوهمي والشكلي، والهادف فقط الى ملء الفراغ، خاصة أن هذه ​الموازنة​، بغض النظر عن محتواها، هي غير قادرة على تأمين الإصلاحات المطلوبة بأي شكل من الأشكال.

وانطلاقا من هذا الواقع، كان لموقع "الاقتصاد" مقابلة خاصة مع الخبير الاقتصادي د. ​إيلي يشوعي​، الذي أوضح أنه "لا يجوز الطلب من حكومة مستقيلة إعداد موازنة إصلاحية، كونها لا تمتلك الوسائل التي تتيح لها القيام بذلك، خاصة أن هذه الحكومة كانت قد أعلنت إفلاس لبنان". كما لفت الى أن "مشروع الموازنة المطروح، مختصر، أي أنه لا يشمل كل خدمة الدين؛ وبما أنه تم إعلان إفلاس البلاد، بالتالي، لم تعد خدمة ​الدين الخارجي​ موجودة".

وذكر أن "البند الأول من الموازنة متعلق بالأجور وملحقات الأجور في ​القطاع العام​، ونحن نعلم جميعا وضع هذا القطاع، من ناحية حشر الموظفين في الإدارات، والزبائنية، والمنافع، والتفضيل،... أما الشق الاستثماري، فهو غائب بالطبع، مع العلم أنه تمت ملاحظة التقديمات الاجتماعية و​المساعدات​. فهل سيتم تغطية كل هذه النفقات بواردات يتولد عنها عجز يلامس الـ5000 مليار ليرة؟"، كاشفا أنه سيتم اللجوء حتما الى طبع المزيد من العملية الوطنية.

وتابع د. يشوعي: "اذا نظرنا الى ​الواردات​، نجد ضريبة التضامن الاجتماعي، إضافة الى الفواتير التي ستستوفى ب​الدولار​ الحقيقي وليس الدولار الرسمي المدعوم، أكان بالنسبة الى ضريبة القيمة المضافة أو ضريبة الدخل أو ضريبة أملاك مبنية، وغيرها... وذلك لكي تزيد نسبيا قيمة هذه الضرائب المجباة. لكن اللبناني "شاطر" بنهاية المطاف، وبالتالي "بيفوتر" كما يشاء". وسأل: "من سيتمكن اليوم من دفع ضريبة على دولار 9000 ليرة؟ من أين سيحصل المواطن اللبناني على ​السيولة​ لتأمين هذه المبالغ؟".

كما لفت الى أن قيمة الضرائب التي سوف تجبى في عام 2021، ستتأثر سلبا بتراجع ​النشاط الاقتصادي​ والأرباح والنمو وغيرها من الأمور. وأضاف: "أشك في أن يغطي، كل ما سوف يستطيعون جبايته خلال العام الجاري، البند الأول المتعلق بالإنفاق الإداري".

وأوضح د. يشوعي لموقع "الاقتصاد"، أنه "في حال غياب الموازنة، لا يمكن الإنفاق على قاعدة الإثني عشرية، لأن ذلك يحتاج الى قوانين وتشريعات. لكن هذه الموازنة موجودة لملء الفراغ فقط، وليس لغايات أخرى، أو لمنفعة معينة؛ حيث أعيد وأؤكد أن حكومة مستقيلة أعلنت إفلاس لبنان، لا تمتلك الوسائل أو الإمكانات التي تسمح لها بأن تضع موازنة إصلاحية، وبالتالي، سنستمر للأسف بطباعة العملة المحلية".

أما في موضوع الدعم، فأوضح د. يشوعي أن ارتفاع ​أسعار المحروقات​ و​الخبز​ يدخل في مجال ترشيد الدعم، أي خفض نسبة الدعم. وقال: "أنا أطالب دائما بوقف "مهزلة" الدعم التي يستفيد منها غير اللبنانيين على الأراضي اللبنانية، والجهات الخارجية بسبب التهريب المغطى بالنفوذ السياسي الداخلي، لأننا نخسر بذلك المزيد من أموالنا". وأضاف: "أعيدوا إلينا هذا الرصيد الموجود لدى ​مصرف لبنان​، والذي انخفض عن 17 مليار دولار؛ حيث هناك نحو مليون مودع في لبنان، ينتظر الفرج للحصول على ودائعه. ومن هنا، نحن نوافق اليوم أن نأخذها تدريجيا، كما كنا نفعل خلال الفترة الأولى من القيود المصرفية. وبهذه الطريقة، كل شخص سيدعم نفسه بالطريقة التي يريدها".

كما ذكر أنه "لا يجوز بعد الآن، لشخص يأخذ حبة دواء واحدة كل يوم، أن يدعم شخصا آخر يأخذ 10 حبات دواء يوميا. كما لا يجوز لأسرة مؤلفة من ثلاثة أشخاص، أن تدعم غذائيا أسرة أخرى مؤلفة من 15 شخصا". وتابع قائلا: "فليستعيد الشعب هذه الدولارات، خاصة أن مصرف لبنان لم يعد قادرا على استخدامها لأي شيء مفيد، أو حتى على دعم سعر صرف العملة، كما فعل خلال السنوات الثلاثين الماضية".

وشدد على أنه في حال تم رفع الدعم، يجب إعادة الدولارات الى أصحابها من المودعين، وقال: "اذا رفعوا الدعم واحتفظوا بالدولارات، ستقوم ثورة اجتماعية لا نهاية لها. اذ لا توجد إلزامية للبنك المركزي أن يحتفظ بكل هذه الأموال النقدية التي تخص الناس، بل يكفيه ​احتياطي الذهب​".

وتساءل د. يشوعي: "لنكن واقعيين ولنرى الأمور كما هي: لماذا يسرق مصرف لبنان المزيد من أموال الناس؟ فبعد فجوة مالية تقدر بقيمة 54 مليار دولار، هل يحوز أي نقضي أيضا على الـ16 مليار دولار المتبقية؟". وأضاف: "أعطونا أموالنا تدريجيا، لأن المركزي لا علاقة له بها، كما لا يمتلكها لا من قريب ولا من بعيد، بل لديها أصحابها الذين ينتظرون استرجاعها".

كما أكد على أن "مصرف لبنان ليس بحاجة للاحتفاظ بهذه الأموال، ومن هنا، عليه إعادتها الى المودعين". وأضاف: "لقد نهبونا وسرقونا وقاموا بإذلالنا، وما زالوا جالسين على كراسيهم ومتربعين على عروشهم. الشعب اللبناني لم يعد قادرا على الوقوف، كما أن أعداد البطون الفارغة تتزايد يوما بعد يوم. نحن بحاجة الى عقوبات خارجية من أجل محاسبتهم، حيث للأسف جاء فيروس "كورونا" لحماية السياسيين من ثورة الشعب".