مع كل خطوة جديدة يقدم عليها المسؤولون، يرتفع منسوب القناعة لدى اللبنانيين بانهم باتوا ضحية جهل يتحكّم بمصيرهم، فيما يتسابق القادة  في العالم على خدمة شعبهم وحمايته عبر سنّ استراتيجيات متكاملة توّفق بين الصحة السليمة والاقتصاد المنتج بعيداً عن المهاترات السياسية والمصالح الفردية.

حتى اليوم، كل الملفات التي التقطتها السلطة السياسية اتسمت ادارتها بالفشل الذريع بعدما تم وضعها في حسابات ضيقّة لاتمثّل حاجات المواطنين الاساسية.

السلطة اليوم في حالة نكران، لاتريد الاعتراف بأن المواطن لم يعد عنده الثقة بالدولة، ولا بما تسمّيه ​انجازات​. لا تريد الرضوخ لأمر تجاهلها من ​المجتمع الدولي​ الذي حصر تدخله بتلبية النداءات الانسانية للشعب دون إقامة اي اعتبار لأهل السياسة.

اليوم يستسهل المسؤولون التذّرع بجائحة كورونا التي انهكت اقتصادات دول متطوّرة. ولكن ما يجب التأكيد عليه هو ان هذه المصيبة كشفت عورات الحكّام وفشلهم في مواجهة اي نكبة، رغم تفرّدهم المطلق في القرارات المصيرية.

الاّ انه في مقابل العزلة الدولية التي فرضها تشبثّهم بتوّلي الحقائب،  هناك مبادرات فردية لقطاع خاص يرفض الاستسلام والبقاء في دوامة الأزمة.

 مع  تمادي المسؤولين  السياسيين في فشلهم  في ادارة النكبات المتتالية بدءا من الازمة النقدية والمالية، إلى وباء كورونا، إلى انفجار 4 آب وما يواكب كل هذه الأمور من فساد ومناكفات سياسية وكيديات، ما هو التحرّك الذي يقوم به تجمع رجال  وسيدات الاعمال اللبنانيين في العالم اليوم؟

زمكحل

رئيس تجمع رجال وسيدات الاعمال اللبنانيين في العالم  وعميد كلية ادارة الاعمال في جامعة القديس يوسف الدكتور فؤاد زمكحل يلفت الى ان الواقع يجعلنا غير متفائلين مع وجود  هذه الطبقة الحاكمة  التي اوصلنا افرادها الى القعر؛ بدءاً من الحرب في الداخل الى الفشل في إعادة بناء ​البنية التحتية​ ، وإرساء المؤسسات الموجودة وحتى في الحصول على الدعم الخارجي.

منذ اكثر من 30سنة، رأينا كيف وصلنا الى الخطوط الحمراء من تهريب للاموال، وهدر وفساد. باختصار، من كان السبب في المشاكل لا يمكن ان يكون شريكاً في اي حلّ.

ويقول زمحكل " للاقتصاد": في العام 2020، كان التعايش مع الازمة بامتياز. التعايش مع الازمة وادارتها. لقد استطاع كل فرد وكل قطاع اجتياز المرحلة  بتحدّ كبير فيما شهدنا التراجع الكبير للاقتصاد مع كل تداعياته على الاوضاع المعيشية والاجتماعية.

اما اليوم، في العام 2021، حان وقت اتخاذ القرارت الجريئة. الايجابية، لجهة تحقيق الدمج، دمج الشركات الخاصة وانخراطها ببعضها البعض. نحن محكومون اليوم بالعمل كجماعات صناعية وتجارية ومصرفية وفندقية... أو حتى توسيع الاعمال.لا يمكن الاستمرار كما في السابق. ما كان يُسمى نقاط قوة، أصبح اليوم ​نقاط ضعف​.  

اما السلبية، وتتمحوّر باقفال بعض الشركات والانتقال الى الخارج. فهناك من قرّر الاستثمار في الداخل، وهناك في الجهة الموازية من قرر الانخراط في الدمج. فالجميع أجرى جردة حسابية وقّوم خسائره في ​القطاع الخاص​.

للأسف، لاوجود لاي ثقة بهذه الدولة. هذه الدولة التي لجأت على مراحل سابقة الى اتخاذ سلسلة قرارات عشوائية؛ من قرار اقفال البلد الى قرار إعادة فتحه بغياب اي خطة استراتيجية او رؤية واضحة سليمة مبنية على معطيات علمية.

لقد سعينا الى لفت انتباه الخارج على دور القطاع الخاص في لبنان وضرورة حمايته في هذه المرحلة التي انتقلنا فيها من الاقتصاد المالي والمصرفي الابيض  الى الاقتصاد "الكاش" الأسود ؛ اي بمعنى آخر الى  اقتصاد التهريب و​تبييض الاموال​ ... وغيرها من الأمور التي نحاربها.

نحن نرفع الصوت دائماً من اجل تأمين الحماية للقطاع الخاص من الاقتصاد الاسود الذي يوّلد مخاطر اقليمية ودولية جمّة.

ويكشف زمكحل عن تلمّس التجمّع من خلال حواره الدائم  والمستمر مع كل من ​البنك الدولي​ و​صندوق النقد الدولي​ وحتى مع الدول المانحة عدم الاستعداد لتقديم اي دعم للدولة اللبنانية. هذه الدولة الفاشلة. ويقول: لاننسى انه في 7آذار، قرّرت الحكومة مجتمعةً عدم تسديد التزاماتها المالية للمرّة الأولى في تاريخ لبنان. وهذا ترتبّ عنه فقدان للثقة الدولية بالدولة اللبنانية. هذا التعثّر في التسديد بغياب اي خطة مدروسة للتفاوض شكّل ضربة قاسية.

ونحن نعلم انه لن تكون هناك اي مساعدة بدون صندوق النقد الدولي الذي يطالب بخطة واضحة.

وجه التجمّع رسالة الى المجتمع الدولي لإبلاغه اننا لا نستطيع تسديد فاتورة فشل الدولة.

لقد  نجح  القطاع الخاص اللبناني  في مقاومة كل الأزمات التي مرّت في لبنان والمنطقة والعالم، ونجح بجدارته في منافسة ​الشركات العالمية​، وصدّر معرفته ونجاحاته إلى الخارج. وهو يستطيع أن يكون قطاعاً منتجاً وجاذباً للإستثمارات الدولية، ولكنه اليوم لايمكنه البقاء رهينة لهذا الفشل غير المسؤول عنه.

لاقى القطاع الخاص كل التفهّم، لكن المؤسسات الدولية لاتجد الآلية المناسبة لتوفير الدعم له، سيما وانه كان منصباً في ما مضى على المشاريع الاستثماراتية ، واما اليوم  اصبح محصوراً بالمساعدات الانسانية.

بمعنى آخر، انتقل الدعم الخارجي للبنان من الدعم الاقتصادي الى الدعم الانساني. وهنا الكارثة الفعلية اذ اصبحنا على خط البلدان المتسّولة.

قدم البنك الدولي الدعم التمويلي لتأمين اللقاح الى اللبنانيين فيما كان في السابق يوّفر التمويل لبناء السدود، انشاء شبكة الطرقات والجسور...

لقد لاحظنا تراجع الاهتمام الدولي اللازم بنا بدءاً من  إلغاء ​الرئيس الفرنسي​ زيارته الى لبنان وإلغاء زيارات البعثات الدولية. من هنا، يعمل التجمّع على تكثيف تواصله مع هذه الجهات الدولية للتأكيد على وجودنا . فنحن مستمرون افراداً وقطاعات. وقريباً،سيكون هناك تواصل مع السلطات الفرنسية وبعض السفراء في بعض الدول لتوجيه رسائل الى المغتربين الذين نأمل منهم توفير الدعم السياسي واللوبي المعنوي من البلدان التي يتواجدون فيها، رغم معرفتنا السابقة بالصدمة التي يشعرون بها من دولتهم ، الدولة التي هدرت اموالهم واتعابهم.

استيراد​ اللقاح

وعن امكانية القطاع  الخاص في لعب دور في تأمين  اللقاحات لمواجهة وباء كورونا، يعتبر زمكحل انه من غير الممكن منح الثقة لسلطة عجزت على مدى نحو 30 سنة عن تأمين الكهرباء،وبنية تحتية سليمة وشبكة اتصالات متطوّرة وعصرية، من حماية الغابات وغيرها... فكيف سيكون دورها في تأمين اللقاح وتوزيعه. ولم تعد سرّاً مبادرة القطاع الخاص من خلال بعض اللقاءات الى السعي لاستيراد اللقاح وتنظيم توزيعه. وكما كان السبّاق في استقدام اجهزة فحوصات ال PCR  وتأمينها لعدد من المستشفيات الجامعية والمراكز سيكون في الصفوف الامامية في استيراد وتوزيع اللقاح.

أين الخطة الاستراتيجية؟

ولكن ماذا عن النظريات المستندة الى اهمية توزيع الخسائر وتحميل جزء منها للقطاع الخاص في اي خطة اقتصادية ومالية انقاذية؟

يرى الدكتور زمكحل انه لا يجوز الاعتماد على خطوة واحدة لحل ​الازمة الاقتصادية​ والمالية والنقدية . كما انه لايمكننا القول ان مجلس النقد هو الحل الانسب للوضع الراهن.

قبل المضي في توزيع الخسائر يجب وضع خطة متوسطة وطويلة الأمد تأخذ بعين الاعتبار الاصلاحات اللازمة الاقتصادية والمالية والنقدية ويكون من ضمنها توزيع الخسائر.

اذاً يجب مواكبة مجلس النقد برزمة اصلاحات تحقق النمو، وذلك ضمن خطة استراتيجية واضحة مقبولة داخلياً وخارجياً، بما يسمح بجذب ​السيولة​ والحصول على ​الدعم المالي​ المطلوب .  

عقد جديد 

اليوم، فيما الدولة تتسابق الى تسجيل الانجازات الوهمية غير عابئة بثورة الجياع ووجع المرضى وأهالي ضحايا الوباء تقف شاهدة على دق آخر مسمار في نعش ​الاقتصاد اللبناني​ .

يقول الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو:

" نشأت سلطة تحكم ومحكوم يطيع، ونشأ بينهما عقد اجتماعي يفرض بأن يقوم كل منهما بواجبه، فإذا أخلَّ فريق بواجبه حق للآخر فك العقد، والثورة".

الثورة بدأت ويبقى العقد الجديد فهل من مستجيب؟