في نهاية شباط المُقبل، تنتهي مُهلة التعميم الرقم 154 التي منحها ​مصرف لبنان​ الى ​المصارف​ اللبنانية من أجل زيادة رأسمالها بنسبة 20 في المئة، وتكوين اموال لدى المصارف المراسلة بنسبة 3 في المئة من ودائعها الاجمالية بالدولار. مهلةٌ قد لا يتم تمديدها كما كان متوقعاً بحسب المعلومات التي توافرت لـ"الإقتصاد"، خصوصاً وأن العدد الاكبر من هذه المصارف "أنجز" المهمة.

فهل هذا الامر يعني أن المودع سيلمس بعدها انفراجاً قريباً على صعيد أمواله؟

لا يمكن القول إن أزمة ​القطاع المصرفي​ تم تجاوزها بزيادة الرسملة بنسبة 20 في المئة، وأن القطاع بات يتجه إلى التعافي، وأن المواطن سيلمس قريباً إنفراجاً على صعيد ودائعه. فالجميع يعلم أن القطاع المصرفي في لبنان يعيش مرحلةً ضبابية. فزيادة العشرين في المئة تعني ان على المصارف مجتمعة ان تزيد رساميلها بحوالي 3.8 مليارات دولار وهو مبلغ صغير لا يمكنه تغطية حجم الخسائر المسجلة. هذا من جهة. ومن جهة اخرى، فان التعاميم التي اصدرها مصرف لبنان سمح للمصارف باعادة تقييم محفظتها العقارية واستخدام الارتفاع في قيمة العقارات التي استحوذتها المصارف لقاء قروض متعثرة، لتحقيق الزيادة المطلوبة في الرساميل. وهذا ما يعني ان جزءا من هذه الزيادة ستكون ورقية فقط من دون دخول اموال طازجة الى ​النظام المصرفي​.

أما في ما يتعلق بنسبة زيادة الـ3 في المئة لدى المصارف المراسلة، فان المصارف، او معظمها على الاقل، قد نجحت في تأمينها بعد بيع وحدات لها في الخارج (كما حصل مع مصرف عوده ومصرف لبنان والمهجر). لكن ما يجدر الاشارة اليه في هذه النقطة الى أن هذا المبلغ المؤمن يأتي لتغطية التزامات المصارف لدى المصارف المراسلة (والتي يقدرها البعض بحوالي 3 مليارات دولار)، ما يعني ان المودع اللبناني لن يستيفد منها ابدا.

الوضع في العام 2020

عام 2020 لم يكن عامًا طبيعيًا لا على لبنان ولا على قطاعه المصرفي. التحديات بدأت منذ العام 2017 مع اقرار الدولة قانوناً عشوائياً لزيادة الضرائب بالتزامن مع إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب السيء احتساب تكلفتها. فبحسب التقديرات الرسمية، بلغت تكلفة السلسلة حوالي 800 مليون دولار، الا انها وصلت في الحقيقة إلى حوالي مليارين و 300 مليون دولار.

هذا الأمر فاقم حجم النفقات العامة، وزاد العجز في ​الموازنة​، بأكثر من 10 في المئة من ​الناتج المحلي​. وكما بات معلوماً، لجأت الدولة إلى القطاع المصرفي كي تُغطي هذا العجز!

وقد تمت تغطية العجز من القطاع المصرفي من دون إدراك المسؤولين في الدولة أن القطاع المصرفي لم يعد قادراً على الاستمرار في اقراض الدولة كما كان يحدث سابقاً. فالهندسات المالية التي أجراها مصرف لبنان لتأمين العملات الصعبة باتت تشحّ تدريجياً لأسباب عديدة منها داخلية وأخرى خارجية. ورغم كلّ ذلك، استمرت المناكفات السياسية بين الأفرقاء في ظلّ تغيُرات سياسية كانت تشهدها المنطقة، لم يستطع فيها لبنان أن يبقى على الحياد. فدخل في لعبة المحاور. واستمرّ الضغط على الليرة في ظلّ غياب السياسات المالية والإقتصادية للدولة، والإعتماد فقط على السياسات النقدية والمصرفية.

كثيرٌ من الإقتصاديين حذروا من الإنهيار المالي، كذلك فعلت المؤسسات الدولية، الا ان المسؤولين كانوا في مكان آخر.

لقد أثرت تحركات 17 تشرين سلباً على الثقة بالقطاع المصرفي الذي فقد بدوره مقومات الصمود في ظلّ اشتباك حكومي وسياسي مع هذا القطاع بلغ ذروته مع القرار التاريخي الذي اتخذته حكومة حسان دياب في 7 آذار الماضي بتجميد دفع استحقاقات سندات "اليوروبوندز". وهو الامر الذي ضرب بشكل مباشر القطاع المصرفي. هذا فضلًا عن توقف المحادثات مع ​صندوق النقد​.

كل هذه الأمور أثرت سلبًا على هذا القطاع. فقد تراجعت الودائع المصرفية بحوالي 33 مليار دولار بين أول 2019 وآخر تشرين الأول من 2020. كذلك الأمر بالنسبة لمحفظة تسليفات القطاع الخاص التي تقلصت بـدورها 22 مليار دولار في الفترة نفسها. هذا الأمر أدى بطبيعة الحال إلى تقلص حجم القطاع، من خلال دمج الفروع والتخفيف من الأعباء التشغيلية بإنتظار وضوح الرؤية.

فعلى سبيل المثال، قامت مجموعة بنك عوده بتوقيع اتفاقيّتن الأولى مع مجموعة كابيتال بنك من أجل الاستحواذ على أعمال فروع المصرف في الأردن، والثانية مع البنك الأهلي العراقي التابع لمجموعة "كابيتال بنك" من أجل الاستحواذ على أعمال فروع المصرف في العراق.

كذلك، أعلنت مجموعة بنك عوده - سوريا عن بيع حصّتها لصالح بنك بيمو السعودي الفرنسي.

أما مصرف لبنان والمهجر فقد وقع بدوره اتفاقية مع المؤسّسة المصرفية العربية، يقوم من خلالها ببيع حصته لمصلحة بنك ABC.

طبعاً هذه الخطوات على الرغم من مراراتها فهي تهدف بالدرجة الأولى إلى مساعدة المصارف بطريقة مباشرة على توفير السيولة اللازمة وتأمين رأس مالها، هذا فضلاً عن الالتزام بتعميم مصرف لبنان رقم 154.

لاشك بأن هناك بعض المصارف قد قررت الخروج من السوق. وبحسب المعلومات التي حصل عليها موقع "الإقتصاد" فإن عددها قد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، ولن يتعرّض المودعون فيها لأيّ مخاطر مرتبطة بانتقال الملكية الى مصرف لبنان، وهذا الأمر لن يشكلّ أي خطورة على المودعين. فمصرف لبنان كان واضحًا منذ البداية، في خطته التي تهدف بالدرجة الأولى إلى حماية هذا القطاع من الإنهيار وحماية ودائع الناس وتوفير ضمانة استرجاعها. وخطوة المركزي كانت لتكون أفضل اليوم لو أقرّ مجلس النواب منذ بداية الأزمة قانون "الكابيتال كونترول" لفترة زمنية محددة كما حصل في فترة الستينات مع أزمة "بنك انترا". الا ان الخلافات السياسية حالت دون تحمل السلطة السياسية مسؤولياتها، ما دفع بالمصارف إلى وضع إجراءات استنسابية كان لها إنعكاسات سلبية على المواطنين وعلى ثقتهم بهذا القطاع من خلال تحويلات بعض الودائع الى الخارج خصوصاً بعد 17 تشرين الأول.

خطّة إعادة هيكلة القطاع اليوم هي أولى الخطوات في الإتجاه الصحيح، لكن يجب أن تتزامن مع خطّة واضحة لكيفية تعاطي المصارف مع المودعين. فلا يكفي أن يُحافظ المصرف على أموال المودعين فحسب، انما في الإفراج عنها، خصوصًا في هذه المرحلة الدقيقة التي تعصف بلبنان، والإبتعاد عن شعار "الك معنا وما معنا"، واللجوء إلى خطوات عملية تُعيد الثقة المفقودة إلى هذا القطاع.