لا تقل أبدا: "لقد فات الأوان، أو أمامي وقت طويل لأفكر وأنفذ. فالوقت لا ينتظر، وتحقيق النجاح لا يحتاج الى التردد". فهذا النجاح لا يتوقف عند عمر معين، واذا عقد الشخص العزيمة، وأصر على التقدم، وسعى الى تحقيقه، فسوف يصل الى مبتغاه، لا محالة.

هذه السطور تلخّص مسيرة لبنى حكيم، التي قررت تحقيق الحلم بعمر الـ40 عاما. فبعد مرور السنوات، لم يثنيها تقدمها في العمر من السعي وراء تحقيق هذا الحلم، ولقد نجحت بالفعل، لتؤكد بذلك أن الإرادة التي تلتقي بالظروف الملائمة والاستعداد النفسي، ستساعدك على تحقيق ما يبدو لك مستحيلاً، وأن كل ما يريده الإنسان لتحقيق أهدافه هو اتخاذ المواقف والخيارات الصحيحة.

فلنتعرف أكثر الى مؤسسة مشروع "CheeRy – Use"، لبنى حكيم، في هذه المقابلة الخاصة مع "الاقتصاد":

- من هي لبنى حكيم؟ وكيف قررت إطلاق "CheeRy – Use"؟

حصلت على ماجستير في الهندسة الميكانيكية، وعملت في هذا المجال خارج ​لبنان​، لمدة 15 عاما. وقد وصلت فيه الى مراتب عالية. لكنني لطالما شعرت بأن هناك ما ينقصني؛ فقد نجحت وتقدمت وحققت الإنجازات، إنما ما زلت أعتبر أن جزءا مني لم يتحقق بعد، وكنت غير قادرة على التعبير عنه.

المرحلة المفصلية في حياتي كانت فور عودتي الى لبنان من ​الإمارات​، التي عشت فيها لمدة حوالي 13 عاما. حيث كان علي اتخاذ القرار المصيري، واختيار المسيرة المهنية التي سترافقني خلال الفترة المقبلة.

ومن هنا، قلت في نفسي: "it’s now or never"، أي "إما الآن أو أبدا". اذ كان علي تحقيق ما يكمّلني، وما يعتبر جزءا أساسيا مني، ولم أعد قادرة على قمعه!

وبعد حوالي سنة، أي بعد أن استقرينا في البلاد، قررت الانطلاق في مشروعي الخاص "CheeRy – Use". فكنت قد بدأت بهذا النشاط، بشكل متواضع في الإمارات، بالتوازي مع عملي في الهندسة، لكن البداية الفعلية كانت في لبنان، خلال معرض أقيم في آب 2019. وقد اكتشفت حينها ردة فعل الناس على أعمالي، وفاقت الأصداء الإيجابية كل التوقعات؛ اذ لاقت تصاميمي التي كانت بمثابة جزء من هويتي، وتشبه شخصيتي، إعجاب الناس، وتقديرهم.

ففي الإمارات، كنت أركز على إعادة تدوير المواد التي يتم رميها، مثل الدواليب و​الخشب​ وغيرها، ومن ثم تحويلها الى قطع أثاث. ولكن في لبنان، ركزت على طريقة أخرى، حيث استعنت بقطع أثاث قديمة، قد تكون بحالة سيئة، أم أنها لم تعد مناسبة لمنزل معين، أو قديمة الطراز، وأعطيتها حياة جديدة بطريقة فنية، من خلال لمستي الخاصة.

ولكن لسوء الحظ، عاكستني الأوضاع المحلية الى حد كبير. اذ شاءت الظروف أن يتعرف الجمهور اللبناني الى أعمالي للمرة الأولى، خلال الأسبوع الأخير من آب 2019. ومن خلال هذا المعرض، تعرفت الى مدير معرض "Art Of Living"، الذي يقام سنويا في مجمع الـ"Forum de Beirut"، منذ أكثر من 17 عاما، ويستقطب نحو 20 ألف زائر من المتخصصين في الهندسة الداخلية، والفنون، كما تشارك فيه الشركات والعلامات التجارية الكبرى والفنانيين المعروفين. وكان من المفترض أن يقام في تشرين الثاني 2019، لكنه تأجل الى أيار 2020، بسبب الثورة وإغلاق البلاد، ليعاد ويتم تأجيله مجددا بسبب "كورونا"، ومرة ثالثة بسبب انفجار بيروت.

كل هذه الظروف كان وقعها صعبا للغاية على مشروعي، كما شكلت عائقا كبيرا أمام تقدمي.

- بالإضافة الى هذه الصعوبات، كيف تحددين الأسعار اليوم في ظل التخبط الحاصل في سعر صرف الليرة مقابل ​الدولار​؟

غالبية المنتجات التي أصممها، هي قطع كبيرة من الأثاث المنزلي، وبالتالي، فإن أسعارها ليست زهيدة، كونها تتطلب وقتا طويلا، وجهدا واسعا، وأيضا بسبب المواد المستخدمة.

لقد حاولت إدخال بعض القطع الصغيرة، بأسعار مقبولة، وبمتناول معظم الأشخاص، من ناحية الأثاث والديكور، وذلك من أجل الوصول الى أكبر عدد ممكن من الناس. ومؤخرا، فكرت كثيرا وراجعت حساباتي، من أجل اختيار هامش الدولار الذي سأبيع عليه. فكنت أمام خيارين: إما الاستسلام للظروف والتوقف عن العمل، وإما إيجاد مخرج معين من أجل مواصلة المسيرة.

وانطلاقا من هذا الواقع، بدأت باعتماد طريقة معينة لكي تكون الأسعار مناسبة، كما أعدت تسعير جميع قطعي، واعتمدت سعر البضائع والمواد المستخدمة، بحسب السوق، أما بالنسبة الى أجري ووقتي وجهدي، فقد ثبته على سعر الـ1500 ليرة. وذلك من أجل الوصول في النهاية، الى سعر مناسب للناس، حيث أنه بات من المستحيل اليوم أن أبيع قطعي كالسابق.

وبالتالي، حاولت إيجاد حل وسطي، حيث لا يمكن التفريط بقطعي، لأنها مميزة ومتينة وفريدة من نوعها، كما أنها تتطلب وقتا طويلا ومجهودا كبيرا. وفي الوقت ذاته، يجب مراعاة ظروف الناس وأوضاعهم الصعبة.

ووجدت أن الحل يكمن بتقديم فئة جديدة في عملي، أطلقت عليها اسم "Cheery Use In Fashion"، حيث بدأت بالرسم على الملابس والأحذية، بأسلوبي المعتاد؛ أي الأسلوب الذي نال إعجاب الجمهور على قطع الأثاث. فالملابس لديها قاعدة أوسع من الزبائن، كما يمكن تقديمها بأسعار مناسبة أكثر. وذلك لكي أحافظ بطريقة معينة، على استمرارية عملي في ظل الظروف الصعبة.

- الى أي مدى تساعدك وسائل التواصل الاجتماعي على الانتشار بشكل أكبر بين الناس؟

لقد وجدت فرقا كبيرا في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وخاصة خلال فترات الإقفال الناجمة عن انتشار فيروس "كورونا"، حيث باتت تلاقي الصفحة حركة نشطة جدا.

كما أن المنتجات الأخيرة التي أقدمها، تنال إعجاب المتابعين الذين يبادرون الى شرائها على الفور.

ومن خلال هذه المواقع أيضا، فتح أمامي الباب مجددا، لإعادة تحريك مشروع الأثاث.

- من قدم لك الدعم في مسيرتك؟

الدعم الأكبر يأتي من العائلة، وخاصة من زوجي الذي أعتبره شريكي في الحياة والعمل أيضا. فهو يساعدني على الدوام، من خلال الأفكار التسويقية، والدعم المادي، وآرائه المفيدة.

ولكن من الناحية التقنية المتعلقة بهذا المشروع، أقوم بكل شيء من الألف الى الياء بنفسي؛ من التصليح، الى الرسم، والتصوير، والتسويق، والمبيعات،...

- الى أي مدى يساعدك هذا العمل الحر على تخصيص المزيد من الوقت لنفسك ولعائلتك؟

في مسيرتي المهنية القديمة في مجال الهندسة، وصلت الى مراكز مهمة للغاية، ولكن في الوقت ذاته، لم أكن قادرة على قضاء الوقت مع عائلتي، أو حتى الاهتمام بنفسي، بسبب متطلبات العمل والساعات الطويلة المتأتية عنه.

فعندما يكون الشخص موظفا، لا يستطيع التحكم بأوقاته، وسيضطر في الكثير من الأحيان، الى التخلي عن العديد من الأمور. ومن هنا، وصلت الى مرحلة مفصلية في حياتي، وكان علي الاختيار بين عائلتي ونفسي، وبين عملي. فقررت تحقيق هذا التغيير المنتظر، والبدء بالعمل لحسابي الخاص.

وأنا اليوم أعيش في سلام ذاتي، ورضا نفسي، لأنني أحقق شغفي من خلال "CheeRy – Use".

- ما هي نصيحة لبنى حكيم الى ​المرأة اللبنانية​؟

أنصح كل إنسان، وليس فقط المرأة، أن يبادر الى القيام بما يحبه، لأن الوقت لا يتأخر أبدا. فأنا شخصيا، بدأت بتغيير مسار حياتي المهنية، على عمر الـ40 سنة.

وبالتالي، اذا تعرف الشخص الى ما يحبه، فعليه ملاحقة شغفه والعمل على تحقيقه. ومن هنا أقول: "لا تخف من الفشل. لا تخف من اتخاذ القرار. لا تخف من المرحلة المفصلية في حياتك". اذ ليس من السهل اتخاذ هذا القرار، ولكن علينا التخلي عن الخوف، ومتابعة تلك العاطفة الموجودة في داخله، وذلك الصوت القوي الذي لا يمكن إسكاته.

فالطريقة الوحيدة للنجاح في هذه الحياة، هي المثابرة، لأن الطريق السهل غير موجود، وعلى الإنسان أن يقع مئات المرات، ويقف مجددا ويحاول.

فقد أمضيت 20 عاما في البحث عن ما أحبه، الى أن تعرفت الى شغفي. ولهذا السبب، علينا المحاولة، ثم المحاولة، ثم المحاولة، وفي نهاية المطاف، سننجح!