بين رفع الدعم او الإبقاء عليه او ترشيده نظريات واجتهادات وبازارات من المواقف المؤيدة والرافضة والمهددة . النتيجة واحدة : الحكومة تموّل غذاء المواطن من جيبه . والأخطر من جيبه الخاص ومن جنى عمره تشجّع على التهريب الى خارج الحدود .

اذاً على المواطن ان يفهم انه هو من يدعم ثمن دواءه الذي لا يجده في الصيدليات ، و​المحروقات​ التي يعرف الازلال من اجل الحصول عليها ، وكذلك المواد الغذائية التي يبحث عنها بين متجر وآخر .

الدعم سبّب خسائر كبيرة بالطريقة المتّبعة؛ فدعم ​الكهرباء​ حط الرحال به الى دين للمؤسسة يناهزال ٤٠ مليار دولار، ودعم ​الليرة اللبنانية​ تسبّب بالأزمة النقدية والمالية التي نعيشها. اما ماذا بشأن دعم المواطن اللبناني بعدما أصبحت نسبة ٩٥نسبة في المئة من من الشعب في خط ​الفقر​.

مارديني

يؤيّد رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني رفع الدعم كلياً عن كافة المواد الغذائية الاستهلاكية ، الدواء والمحروقات واستبداله بمد المواطنين بمبلغ من المال يتمكّنون من خلاله شراء حاجاتهم ، سيما وان كل المواد الغذائية التي يُطبق عليها الدعم مفقودة اليوم من المتاجر والسوبر ماركت ، وبالتالي، هناك نفاد شبه كامل من الصيدليات للائحة من ​الادوية​ ، أضف الى خطورة تهريب المحروقات .

وفي حال وجدنا البعض من السلع الغذائية ، فمن الملاحظ ان سعرها يكون اغلى من باقي السلع ، اي اننا ندفع مليار و300مليون دولار بدون اي نتيجة ، علما انها تصرف من اموال المودعين في ​المصارف​ .

ويقول الدكتور مارديني "للاقتصاد" في الملخص المواطن اللبناني لا يستفيد اليوم من سياسة الدعم هذه بغياب النوايا الحسنة التي يجب ان تكون مساعدة الفقير ، وهي لا تغطي النتائج المرجوة ما يعني ضرورة وقفها .

ولفت الى ان حجم الدعم هذا يتراوح حتى تاريخه ما بين 4،5و 5مليارات دولار فيما ان البعض يقارب الرقم الى ال 6مليارات دولار . وتمنى على مصرف لبنان ايداع الرأي العام نتائج كلفة الدعم هذا نهاية العام الحالي ، مع بيان مفصّل بالارقام .

ويوضح ان اموال المودعين في المصارف تناهز ال 120 مليار دولار. جزء منها يتم تشغيله وجزء آخر متروك كاحتياط في مصرف لبنان للأيام الصعبة . وبدل ان يرد مصرف لبنان جزء الاحتياط ليتم تحويله الى أصحابه في اوقات الشدة التي نعيشها اليوم، يعمل اليوم على ضخّه في عملية الدعم بطلب من الحكومة .

الفكرة من الاحتياط انها اموال موجودة كغب الطلب ، ليتمّكن المصرف من استعمالها في تلبية الطلب من قبل الزبائن.

ويقول : المنطق لا ينطبق على ان يكون مصرف لبنان المموّل لعملية الدعم ، وانما كل من وزارة الشؤون الاجتماعية و​وزارة الاقتصاد​ ضمن سياسة الحكومة ومن نفقات ​الموازنة​ ، بعد التصويت عليها في ​مجلس النواب​.

الاسلوب المعتمد اليوم من خلال مصرف لبنان يسمح للحكومة التهرّب من رقابة مجلس النواب ، ومن تحمّل مسؤولية كلفة الدعم . اذاً ، الخسارة المالية الناتجة عن الدعم يتم تحميلها للمودعين .

عادة يأتي قرار الدعم من الحكومة ، وعليها بدورها تحديد نفقاتها . ولكن ما يحصل اليوم هو ان الحكومة تصرف من خارج موازنتها . وحجم النفقات مرعب ، سيما وانها تستعمل من اموال المودعين.

كل الدول التي اتبعت سياسة الدعم اكتشفت في ما بعد انها فاشلة وتراجعت عنها ، لأنه كان يتم تهريب السلع المدعومة وبيعها في السوق السوداء . وفي غضون ذلك، لا تصل البضاعة الملحوظة بسلة الدعم الى الفقراء، بل الى الأغنياء، بعيداً عن اي مقياس للعدالة .

في مرحلة سابقة، كانت عمليات تهريب الدواء من تركيا ناشطة بسبب اسعاره المتدنية والدعم المشمول به . اما اليوم فالعكس صحيح. ولذلك ، بعض اصناف الادوية مفقود، وكذلك السلع الغذائية.

نظرية الدعم اثبتت فشلها في معظم الدول التي اعتمدتها ، وحتى منها الدول القوية القادرة على ضبط اعمال التهريب .

وعن كل من البطاقة التمويلية او التموينية يشير مارديني الى انه غير مستحب استعمالها. فهي تحدد حجم المشتريات للفرد فيما انه قد يكون ليس بحاجة الى البعض منها . فمن لا يملك سيارة لا يحتاج الى قسيمة للبنزين مثلاً. من هنا ، الحل يبقى في إعطاء الاموال للمواطنين الذين هم بحاجة فعلاً لشراء حاجاتهم الأساسية .

ويقول : اعتقد ان وزارة الاقتصاد تعمل على هذا الموضوع مع ​البنك الدولي​ . وقد يتم ملء استمارة خاصة عبر ​الانترنت​، تُعطى بناء عليها بطاقة ائتمان للمواطنين، يوضع فيها مبلغ معيّن كل اول شهر ، يتمكّن معه الفرد من شراء المواد الاساسية . والهدف منها طبعاً تغطية فرق الأسعار بعد رفع الدعم . وهذا ما يعرف بترشيد الدعم لدى المواطن ​المستهلك​ وليس التاجر.

وعن مصادر تمويل هذه البطاقات يختم مارديني : كل المؤسسات الدولية عندها الاستعداد لتأمين الأموال لهذا الغرض وليس لغايات الدعم والتهريب.

تداعيات الدعم

منذ عشرات السنوات ، ينفق معظم الدول العربية على اختلاف نظمه السياسية عشرات المليارات من الدولارات لدعم السلع الاستهلاكية والخدمات الأساسية كالخبز و​السكر​ و​الأرز​ و​الأدوية​ وخدمات الصحة و​المياه​ والكهرباء والبنزين والديزل. ويتم هذا الدعم من خلال بيعها للمستهلك النهائي بسعر أقل من سعر السوق ، على أن تتحمل ميزانية الدولة الفرق بين السعرين. ويلتهم الدعم المذكور مبالغ ضخمة من الموازنات والناتج الوطني.

ومؤخراً ، اعتمد كل من مصر والأردن والمغرب واليمن والأردن ودول أخرى خطوات إصلاحية تهدف إلى ترشيد الإنفاق عن طريق تقليص الدعم الحكومي لبعض السلع كالبنزين والديزل والكهرباء. وجاءت هذه الخطوات بالدرجة الأولى استجابة للضغوط المتزايدة على ميزانياتها ولشروط ​صندوق النقد الدولي​.

تسدّ ​دول الخليج​ هذا العجز من عائدات النفط، وانما الدول الأخرى تقوم بتمويله عن طريق الاقتراض أو زيادة الضرائب والرسوم التي تصيب أيضا قطاعات إنتاجية ذات جدوى اقتصادية بالضرر، لاسيما عندما يؤثر رفع الضريبة على قدرتها التنافسية.

ووفق بعض الدراسات، فإن دولا مثل تركيا وإندونيسيا والمكسيك لحظت أن إقامة شبكات ضمان وأمان اجتماعية للفقراء وأصحاب الدخل المحدود أقل تكلفة بكثير من دعم أسعار السلع الاستهلاكية بشكل يشمل الغني والفقير. كما أظهرت تجارب البلدان الصناعية أن دعم المنتجين بشكل غير مباشر عن طريق تسهيلات في الضرائب والقروض وتحديث البنية التحتية هو السبيل الأنجع إلى مجتمع الرفاهية.

اما في لبنان، فهناك غياب شبه كلي لأي رؤية اقتصادية سليمة داعمة للمواطن ، والأخطر نكران للمسؤوليات يقابله تقاذف للاتهامات.