تقول أوبرا وينفري: "الشغف هو طاقة، وشعور بالقوة نابع من التركيز على ما يثير حماسك". هذا هو عنوان مسيرة رائد الأعمال ال​لبنان​ي المهندس ​وضاح ملاعب​!

فالشغف والحب للعمل والتطور في ظل الظروف المحيطة، هي صفات لا يملكها إلا المناضل البارع. اذ عاش شغفه وتعايش معه، فامتلك الشجاعة للتعبير عن أفكاره وآرائه بكل ثقة، وتحلى بالجرأة ليعيش حلمه، ويبحث عن ما يحبه فعلا. فولدت مشاريعه في عيون ملوها الطموح، العزيمة، والنظرة الثاقبة الى المستقبل.

وضاح ملاعب حصد مؤخرا المرتبة الأولى في برنامج "نجوم العلوم"، فنال اهتمام وسائل الإعلام المحلية والإقليمية، كما حصل على تكريم من بلدته بيصور، ومن قبل رئاسة الحكومة أيضا، حيث منحه رئيس حكومة تصريف الأعمال ​حسان دياب​، ميدالية ​السراي الحكومي​.

فلنتعرف اليه أكثر في هذه المقابلة الحصرية التي خصّ بها موقع "الاقتصاد":

- ما هي المراحل التي مررت بها حتى وصلت الى ما أنت عليه اليوم؟

قبل اكتشاف شغفي في الهندسة الميكانيكية، واختيارها كتخصص لي، تنقلت بين مجالات عدة. لكنني أحببت هذا المجال، حيث اعتبرته بمثابة أداة للابتكار.

خلال مرحلة الدراسة، خضعت لفترة تدريبية في شركة عاملة في مجال ​النفط​ و​الغاز​، وقررت متابعة دراستي بهذا المجال، لكنني لم أجد حينها أي محاضرة حوله، ومن هنا، حصلت على دورات ومحاضرات عشوائية؛ أحدها يسمى "tissue engineering" أي "هندسة الأنسجة". فاكتشفت أنه علم يهدف الى استخدام الخلايا الجذعية، لهندسة عضو حيوي كامل في المختبر، ومن ثم زرعه في جسم الإنسان.

وفي تلك اللحظة، اتخذت قرارا حياتيا، فبدأت بالقيام بالأبحاث حول هذا الموضوع الجديد والمبتكر. وبعد أربعة أيام من مشاركتي في الدورة الأولى، تركت كل الصفوف التي تسجّلت لحضورها، وقمت باستبدالها بأخرى متعلقة بالهندسة الطبية وعلوم الأحياء. ومن هنا، بدّلت توجهي العلمي في النفط والغاز، وسرت وراء شغفي تجاه هندسة الابتكارات للكائنات الحية، أو "هندسة الحياة".

في مشروع التخرج، اخترت موضوع هندسة الأنسجة، فصممت مفاعل حيوي (bioreactor)، لنسيج الغضروف المصفلي. وبالصدفة، تقدمت الى مسابقة في مجال ​ريادة الأعمال​، تجريها "الجامعة الأميركية في بيروت" للطلاب، وخلال ستة أشهر، تعلمت العديد من الأمور الأساسية، كما اكتشفت أنه بدلا من أن تكون حلولي موجهة نحو الأشخاص الموجودين في المختبر، يمكن أن تتوجه نحو حاجات السوق. فربحت الجائزة الأولى في المسابقة، التي كانت عبارة عن مبلغ 10 آلاف دولار.

بعد ذلك، تابعت الدراسة للحصول على شهادة الماجستير من الـ"AUB"، في الهندسة الميكانيكية، مع التركيز على الهندسة الطبية الحيوية. كما انخرطت أكثر فأكثر في مجال الأبحاث، بسبب حبي للعلم والمعرفة، ورغبتي في إحداث التغيير في المجتمع.

ولا بد من الاشارة الى أن معظم نشاطاتي كانت بشكل تطوعي بهدف التعلم، ولم يكن اهتمامي موجها إطلاقا نحو الربح المادي.

- أخبرنا أكثر عن برنامج "نجوم العلوم" التي حصدت فيه المركز الأول؟

قرأت عن موضوع ​سرطان الثدي​، وكيفية نمو الأنسخة السرطانية داخل الأنابيب، وبالتالي، رأيت أهمية تركيب هذا النوع من الأنسجة. ولكن عندما بدأت بالعمل في المختبر، لاحظت أنه يتم تركيب الخلايا بشكل عشوائي. ومن خلال نظرتي الهندسية، رأيت تفاصيل لا يراها متخصصون بمجالات أخرى. فقمت بأبحاث عدة، ووجدت أن هذه المشكلة عالمية، وموجودة في كل المختبرات، كما اكتشفت مجالا جديدا اسمه "organ on chip"، يهدف الى تربية الأنسجة الدقيقة على نطاق صغير داخل الرقائق، بشكل يشبه جسم الانسان أكثر.

ووجدت أيضا أنه لا يوجد أي منتج في السوق لتركيب الأنسجة بشكل دقيق، والمشكلة القائمة ليست بيولوجية، بل هي هندسية بحت؛ حيث لا يوجد ما يستطيع دعم نمو هذه الخلايا بطريقة دقيقة على المقياس الصغير. ومن هنا، بدأت بالعمل على تصميم معين لهذا النوع من الشرائح. فصممت حينها شريحة بيولوجية يمكن تربية الخلايا فيها، وهي قادرة على الالتصاق بالمسطحات الصغيرة الموجودة داخل هذه الشرائح، لكي تكوّن الأنسجة الأنبوبية.

صممت نموذجا أوليا بدائيا، وعرضته على الأساتذة في "الجامعة الأميركية في بيروت"، وكان بمثابة أطروحتي لنيل شهادة الماجستير.

وحتى بعد ذلك، رفضت التوقف عن الأبحاث، وبقيت مصرا على مواصلة العمل. فتقدمت للمشاركة في مسابقة "Arab Rally"، وربحت مبلغا من المال خولني الاستمرار بهذه الأبحاث. وبعد أن وصلت الى طريق مسدود، بسبب حاجتي الى المزيد من الموارد، والخبراء، والتجهيزات، والمختبرات، والمعدات، وغيرها من الأمور، نصحني أحد الأصدقاء بالتقدم الى برنامج "Stars of Science" أو "نجوم العلوم"، كونه قادر على تأمين كل المستلزمات المطلوبة لمواصلة الأبحاث والابتكار.

فتقدمت بطلب للمشاركة في البرنامج، الى جانب آلاف الطلبات من ​الدول العربية​ والعالم. وتم اختيار نحو 200 مشتركا للانتقال الى مرحلة تجارب الأداء. وعرضت حينها عرضا مفصلا أمام أعضاء لجنة الحكم، الذين اختاروا 22 مشتركا للانتقال الى ما يسمى بـ"المجلس العلمي"، الذي يضم خبراء من مختلف المجالات، يدرسون كل ملف ويختارون أفضل ثمانية مبتكرين، للتوجه الى واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا.

المعايير المتبعة هي بالأساس: الحداثة، القيمة المضافة للابتكار، وقدرته على حل مشكلة معينة، إضافة الى قابلية الفكرة للتطبيق علميا.

وبعد ذلك، يخرج مشتركا في كل مرحلة، حتى يتبقى في النهاية أربعة مشتركين، يربح واحد منهم بفضل تصويت لجنة الحكم وتصويت الجمهور.

لم أكن متخوفا حينها من تصويت اللجنة، لأنني كنت أحصل على أعلى العلامات منذ بداية البرنامج، وأقوم بكل ما هو مطلوب مني بدقة. لكن الخوف الأكبر كان من تصويت الجمهور، لأن المواضيع العلمية لا تنال بالعادة، اهتمام عدد كبير من الأشخاص، كما أن لبنان بلد صغير مقارنة بالبلدان العربية الأخرى، والوضع السيء في البلاد قد يبعد الناس عن هذه الأمور.

ولحسن الحظ، وجدت العكس تماما، حيث أن وصولي الى نهائيات البرنامج أعطى فسحة من الأمل للجمهور اللبناني بشكل خاص، وبالتالي، حصلت على 80% من كل الأصوات، في حين توزعت الـ20% المتبقية على كل المشتركين الآخرين. فتفاجأت في البداية، ولم أصدق ما كان يحصل!

- برأيك، ما الذي ساعدك على تحقيق هذا النجاح في البرنامج؟

أولا، لقد خططت بدقة لكل جانب من ابتكاري حتى قبل دخولي الى البرنامج، حيث كان من المطلوب تنفيذ مشروع يتطلب سنوات من العمل، خلال فترة ثلاثة أشهر فقط. وبالتالي، كنت في حرب مع الوقت والتحديات. ولكن من خلال التخطيط المفصل، ووضع الخطط الني تضم كل السيناريوهات المتوقعة، سوف نحدد طريقنا، وسنجد المخارج لأي عوائق تصادفنا.

ثانيا، طريقتي في تنفيذ المشروع شكلت الدافع الأساس لفوزي، وهذا جزء من شخصيتي، وشخصية معظم اللبنانيين أيضا، كوننا نعيش في وضع لا نحسد عليه؛ اذ تعلمنا كيفية التأقلم مع المشاكل وتخطيها والتعايش معها وتقبلها، إضافة الى البحث عن الحلول المناسبة بشكل سريع.

ثالثا، شغفي وإصراري على الوصول هو محركي في الحياة، بالإضافة طبعا الى الثقة التي رافقتني طوال رحلتي في برنامج "نجوم العلوم"، بسبب الخبرات التي اكتسبتها على مدى سنوات طويلة من الأبحاث والتحضيرات.

- ما هو المنتج الذي قمت بتصميمه وتنفيذه، وخوّلك الفوز في البرنامج؟

المنتج هو عبارة عن شريحة بيولوجية بلاستيكية صغيرة، يمكن وضع الخلايا فيها، وبإمكان هذه الخلايا أن تلتصق بالمسطحات الصغيرة التي صممتها داخل الشريحة، من أجل تكوين أنسجة ثلاثية الأبعاد، يمكن استخدامها في تجارب ​الأدوية​، ودراسة الأنسجة والأمراض المكونة داخلها، وفي توقع تأثيرات هذه الأدوية قبل تجربتها على جسم الإنسان.

له ثلاثة مستخدمين خلال ثلاث مراحل:

أولا، يستخدمها الباحثون في المختبرات الذين يدرسون الأنسجة والأمراض والمحفزات البيولوجية.

ثانيا، تستخدمها شركات الأدوية، التي تتكلف نحو 2.6 مليار دولار، وتعمل لمدة 12 عاما أكثر، من أجل اكتشاف دواء واحد، وذلك لأن 90% من الأدوية التي تنجح في الوصول الى التجارب البشرية، تفشل هناك؛ أي أنه لا توجد قدرة على توقع فشلها في مراحل سابقة. ومن هنا، فإن أحد أهداف شريحتي تتمثل في استخدامها كبديل عن التجارب الحيوانية.

ثالثا، يمكن استخدامها في ما يسمى بـ"precision and personalized medicine"، أي الطب الشخصي والدقيق. وهذا الموضوع بمثابة خيال عملي بالنسبة لنا، ولكن في المستقبل، كل القطاع الطبي سيكون موجها نحو هذا الاتجاه الموحد، الذي يتمثل في إعطاء الدواء المناسب، بالجرعة المناسبة، للمريض المناسب. حيث أن كل شخص مختلف عن الآخر، وسيحصل على دواء مخصص له فقط.

- من قدم لك الدعم طوال مسيرتك؟

الدعم الرسمي للبحث العلمي، مفقود للأسف في لبنان، حيث أن ​الميزانية​ المخصصة لهذا القطاع ككل، هي أقل بكثير من تكاليف مختبر واحد في الخارج.

لكن من جهة أخرى، تلقيت كل الدعم المعنوي اللازم، من العائلة والأصدقاء والأشخاص المحيطين بي، اذ أن محبة الناس تعني لي الكثير.

ولا بد من القول أيضا، أنه خلال فترة معينة، قدمت لي عائلتي الدعم المادي، لمواصلة دراستي وأبحاثي، خاصة عندما كنت أتطوع للقيام بالأبحاث المختلفة، وبالتالي، لا أجني أي أرباح من عملي.

- هل تفكر يوما بمغادرة لبنان من أجل التوسع أكثر في الأبحاث والابتكارات؟

أنا متشبث حتما بجذوري وأرضي، وأحب بلدي الذي يحتضن جميع مراحل حياتي وذكرياتي.

لكن طموحي غير محدود، وبالتالي، ما أنا قادر على تحقيقه في لبنان سأحققه حتما، ولكن لن أسمح لحدود البلد بأن تحد من طموحاتي، بل سألاحق أهدافي حتى النهاية، أينما وجدت في العالم.

- ما هو الشعار الذي تتبعه في مسيرتك؟

الشغف ثم الشغف ثم الشغف. فهو المفتاح والعامل الأهم والأكثر إفادة في مسيرة أي شخص، في أي مجال كان.

الشغف يعطي حافزا للإنسان لكي يعمل بجدية وإصرار من أجل الوصول الى هدف معين. وبدونه من المستحيل تحقيق أي نجاح أو تقدم.

- ما هي النصيحة التي تود إيصالها الى جيل ​الشباب​ الذي تنتمي اليه؟

أنصح الجميع بعدم الاستسلام، فلبنان يضم حتما أهم القدرات والعقول، ولكن النقطة الأهم تكمن في إيجاد الإنسان لشغفه في هذه الحياة، وثم التعرف الى جوانبه كافة، والتعمق بحيثياته. كما علينا التعرف الى المشاكل التي تواجهنا، ومن ثم محاول إيجاد الحلول المناسبة لها؛ فكل هدف قابل للتحقيق، بالشغف والإصرار.

عندما يتحلى الشخص بالإصرار على ملاحقة شغفه حتى النهاية، وعدم السماح لأي عائق بأن يحدّه، سوف يصل حتما الى أعلى المراكز وأكبر الإنجازات، وذلك لأن معظم التحديات نفسية، وموجودة داخل عقولنا.