انتهى عام 2019 بتهافت كبير على شراء ​العقارات​، بهدف تهريب جزء من الودائع التي تحتجزها ​المصارف​، خوفا على مصيرها. واستمر هذا النشاط بالتزايد مع حلول 2020، رغم وصول فيروس "كورونا"، والإفقال المتأتي عنه. وبالتالي، استفاد ​القطاع العقاري​ من ​الأزمة المالية​ التي يمر بها ​لبنان​، فاعتبره الكثيرون ملاذا آمنا، واستثمارا قليل المخاطر، من شأنه إبعاد أموال المودعين عن شبح القيود المفروضة عليها، والـ"haircut"، وإمكانية فقدان قيمتها على المدى البعيد.

وبهذه الطريقة، استفاد الشاري والبائع أيضا، الذي تمكن من تسديد ديونه المتراكمة على مدى سنوات.

فكيف كان أداء القطاع العقاري في الأشهر التسعة الأولى من عام 2020؟ من يشتري العقار اللبناني؟ هل عاد المستثمر العربي والخليجي؟ وما هي أبرز التحديات التي يواجهها القطاع اليوم؟

أسئلة وتساؤلات عدة، أجاب عليها رئيس الإتحاد العقاري الدولي "FIABCI" ونقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان، وليد موسى، في مقابلة خاصة مع موقع "الاقتصاد"، أشار فيها الى أن الفورة التي بدأها القطاع العقاري بعد 17 تشرين الأول 2019، أي في الربع الأخير من العام الماضي، والتي جاءت بهدف حماية الإيداعات الموجودة في المصارف، أكملت في الأشهر الستة الأولى من عام 2020.

وأكد أنه رغم وجود فيروس "كورونا" والإقفال العام، بقيت التعاملات مستمرة لدى الكتاب العدل، حيث وجد اللبناني طرقا عدة لتأمين شرائه للعقار؛ إما عبر توقيع اتفاقية بيع عند الكاتب العدل، وإيداع سند الملكية لدى الجهات المختصة مع الاتفاقية الموقعة، الى حين إعادة فتح الدوائر الرسمية، وإما عبر توقيع اتفاقية البيع وإرسال هذه الاتفاقية مع سند الملكية عبر البريد المضمون من "​ليبان بوست​"، الى السجل العقاري المختص في المنطقة المعنية بالعقار. وبهذه الطريقة، يتم تأمين مرور عملية البيع والسند.

وقال موسى: "إن هذه الإجراءات تدل على أن اللبناني، ورغم الإقفال العام، وجد عددا من الطرق للاستمرار بإجراء عمليات الشراء، حتى منتصف عام 2020، وذلك لكي يحمي أمواله ويهرّبها من المصارف".

وكشف أن قيمة المبيعات العقارية بلغت 5 مليار دولار، منذ تاريخ 17 تشرين الأول 2019 وحتى 31 أيار 2020. وقد ارتفعت بشكل ملحوظ بالمقارنة مع السنوات الماضية، ما ساعد العديد من ​المطورين​، على تسديد ديونهم الى المصارف، والانتهاء من مشكلة يعانون منها منذ سنوات.

وأضاف لـ"الاقتصاد": "رغم ازدهار حركة المبيعات في القطاع، لم نشهد على عودة المستثمرين العرب والخليجيين، لأن الظروف السياسية لا تسمح لهم بذلك. مع العلم الأجانب الذين يمتلكون حسابات مصرفية في لبنان، عمدوا حتما الى القيام بعمليات الشراء، مثل اللبنانيين تماما، من أجل حماية أموالهم. لكن عمليات التحويل من الخارج للشراء في لبنان مفقودة بشكل كامل. وبالتالي، فإن المودعين اللبنانيين وغير اللبنانيين، هم من كانوا يشترون العقارات خلال تلك الفترة".

وأردف موسى قائلا: "منذ منتصف عام 2020 والى حد اليوم، تراجع المعروض المتاح لدى المطورين، الذين تمكنوا من دفع قسم كبير من قروضهم، وبالتالي، لم يعد هناك أي سبب يدفع المطور غير المديون، الى بيع عقاراته، إلا من خلال رفع أسعارها. ومن هنا، بدأت الأسعار بالارتفاع، وبات ثمن العقار يشمل فرق العملة؛ حيث اعتبروا أنهم ليسوا مضطرين للبيع على سعر منخفض، وتكبّد خسائر ضخمة، لدى صرف الأموال الى العملة الأجنبية. وبالتالي، دخلنا في اعتبارات مختلفة، أدت الى تراجع نمط المبيعات من قبل المطورين أو حتى المالكين".

كما لفت الى أنه "منذ بداية شهر أيلول الماضي، باتت المبيعات مختلفة أيضا، حيث أصبحت طريقة الطلب على العقارات تتبدل من فترة الى أخرى، بحسب الظروف القائمة في البلاد. فالبائع يطلب اليوم تسديد قسم من قيمة العقار نقدا، وقسم آخر بشيك مصرفي، ما يؤدي الى فقدان العديد من المستثمرين للسيولة، بسبب احتجاز أموالهم في المصارف، بالتالي فقدان قدرتهم على القيام بعمليات الشراء، ما أدى حتما الى تراجع نسبة البيع".

من جهة أخرى، أشار موسى، الى أنه بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، لم تعد المنازل والمكاتب الموجودة في المنطقة المنكوبة، قابلة للبيع أو للإيجار، الى حين إعادة ترميمها أو بنائها. كما تم منع بيع أي عقار دون موافقة مديرية الآثار و​وزارة المالية​، ما أدى الى نوع من الشلل في هذه المناطق المتضررة. كما أن العديد من الأشخاص الذين تضررت مكاتبهم، قرروا الانتقال الى مناطق أخرى، بشكل مؤقت أو دائم؛ ومن هذه المناطق، النهر، المكلس، سن الفيل، الزلقا، حرش تابت...

أما بالنسبة الى موضوع الإيجار التملكي الذي كثر الحديث عنه خلال العام الماضي، فأوضح موسى لـ"الاقتصاد"، أنه لم يعد مطروحا في الوقت الحاضر، بسبب التخبط القائم في سعر صرف ​الليرة اللبنانية​ مقابل ​الدولار​، وبالتالي، فإن هذا الإجراء فقد قدرته على تحقيق الاستدامة المطلوبة، لعدم استقرار الليرة، وغياب إمكانية تثبيت سعر العملة المتداولة، في ظل وجود أسعار صرف عدة في السوق.

وحول التوقعات في ما يتعلق بأداء القطاع العقاري خلال الشهرين الأخيرين من عام 2020، توقع أن تستمر الأمور بالسير على ما هي عليه اليوم. وقال: "من المؤكد أن الوضع مرتبط بشكل كامل بالحالة الاقتصادية وبتشكيل الحكومة، وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، و​المساعدات​ الخارجية، واستقرار العملة الوطنية،... ولكن في ظل حالة عدم الاستقرار التي تخيم على البلاد، يبقى العقار ملاذا آمنا".

وتوجه موسى الى الراغبين بالشراء بالقول: "أود تنبيه الأشخاص الراغبين بالشراء، وحثهم على شراء العقارات بالسعر المعقول. اذ نتفهم أن ترتفع الأسعار بين 20% و30%، ولكن من غير المقبول أن تتضاعف. ولهذا السبب، نطلب من الشاري أن يتحلى بالوعي، ولا يعمد الى شراء عقارات بأسعار مبالغ فيها".