عقدت نقابات وجمعيات تجارية ولجان أسواق من المناطق اللبنانية كافة اجتماعا استثنائيا طارئا، بدعوة من ​رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس​، بحث في تداعيات القيود المصرفية على السحوبات بالعملة الوطنية.

وأصدر المجتمعون بيانا، اشاروا فيه الى "ان المجتمع ​التجار​ي كان قد حذر مرارا وتكرارا من الوصول الحتمي إلى المهالك الراهنة، وذلك على أثر التخلف عن سداد اليوروبوندز وإعلان إفلاس الدولة في 7 آذار الماضي، مرورا بالحرب الشعواء التي شنتها الحكومة المستقيلة على المصرف المركزي، ضاربة هيبة الدولة في مختلف مفاصلها، وصولا إلى ما سمي بخطة الإنعاش المالي في 30 نيسان الماضي، والتي كانت أقرب إلى خطة إفلاسية، أحبطها في حينه المجلس النيابي و​مصرف لبنان​ و​الهيئات الإقتصادية​، بالإضافة طبعا إلى الخلافات السياسية المستفحلة وتعثر المبادرة الإنقاذية الفرنسية".

وتابع البيان: "اما الأسباب الموجبة التي يمكن إستخلاصها لتبرير القيود النقدية الجديدة المفروضة، فهي كالتالي: ضبط إنتفاخ ​الكتلة النقدية​ بالليرة اللبنانية لجما للتضخم، الدفاع عن سعر الصرف الآيل إلى الإرتفاع، إحتواء ظاهرة الـ"Cash Economy" تفاديا للوقوع في مطبات غير محبذة، حث الأسر على تفريغ مقتنياتها بالعملة الورقية بقوة الأمر الواقع. وإذا ثمة صوابية في الأهداف المبينة أعلاه، إلا أن طريق "جهنم" هي في أحيان كثيرة معبدة بنوايا حسنة".

واكد المجتمعون ان "الثقة وحدها هي حلالة المشاكل الإقتصادية والنقدية، وهي غائبة في الداخل قبل الخارج، وهذا مؤسف لأن توافرها كان ليؤدي إلى إنتظام مالي تلقائي، يغنينا عن إتخاذ قرارات تعسفية خطيرة. فلا إكراه في الإقتصاد، كونه يؤدي حتما إلى نتائج عكسية".

واعتبروا "ان حرمان ​المصارف​ من سيولتها المتوفرة في حساباتها الجارية لدى مصرف لبنان، وتقييدها إلى أقل من 50 أو حتى 30% من إحتياجاتها المعهودة، لهو أمر مستغرب، غير منطقي، ويتعارض مع الأصول المصرفية. فالأمر مفهوم مثلا في حال لا يملك مصرف تجاري معين ما يكفيه في حساباته المحررة، ساعة ذاك يكون مشروعا تكبيده أعباء مالية إضافية. أما كسر الحسابات المجمدة في شهادات إيداع وحسابات لأجل بشكل قسري، فترتب أكلاف باهظة، وبالنظر إلى فائدة الأدوات المالية، ومدتها المتبقية قبل إستحقاقها، قد تبلغ تلك الأكلاف 50% أو حتى 80% من قيمة الأموال المودعة. فإن الكلفة الإضافية الباهظة وغير المبررة الناتجة عن هذا التشاطر الإداري، لن تتكبدها المصارف كونها تتحمل مسؤولية إئتمانية، ولن يتحملها العملاء بالتأكيد".

واستغربوا "أن تتحول ​السياسة النقدية​ الرسمية من التوسع المفرط إلى الإنكماش الخانق دون سابق إنذار أو فترة إنتقالية. وفي حال تم الإصرار على هذا التضييق في السحوبات النقدية، فستترتب النتائج التالية:

1. حياة يومية كارثية ومذلة للمواطنين، وخصوصا لغير المتعاملين مع المصارف، والذين لا يملكون وسيلة دفع بديلة عن الأموال النقدية.

2. توقف محتمل لتوطين ​الأجور​ والرواتب في المصارف، نظرا لكلفة هذه الخدمة الرادعة غي حال شح ​السيولة​، ونظرا لإحتجاز أموال الرواتب الفائضة عن "كوتا" السحب الشهرية.

3. مواجهة مستمرة وتوتر إضافي بين المصارف وعملائها نظرا لهزالة المبالغ المسحوبة، فيما الدولة هي المسؤول الأول عن بؤس المصير. فعلى سبيل المثال كيف يسدد المتضررون من إنفجار ​مرفأ بيروت​ مصاريف الترميم المتوجبة نقدا في غياب الدولة وشركات ​التأمين​؟ وكيف للتاجر والمقاول اللذين يحتاجان الى سحب مئات الملايين شهريا أن يتدبرا أمريهما؟

4. زعزعة ​النظام المصرفي​ وضرب مرتكزاته من خلال تعقيد عمليات الدفع والقبض والإيداع والسحب، وتعطيل الدورة المصرفية وتفريغها من مضمونها.

5. هبوط قيمة الشيكات بالليرة، على غرار الشيكات المحررة ب​الدولار​، وفتح سوق عكاظ جديد حول تسعيرتها.

6. فقدان الودائع المصرفية لجزء كبير من قيمتها، كونها أصبحت غير قابلة للتسييل.

7. تسجيل لبنان رقما قياسيا جديدا من حيث تداول دولة مركزية واحدة بأربع عملات مختلفة، وهي الدولار اللبناني، و​الدولار الأميركي​، والليرة المحررة، والليرة المقيدة، وهذه فضيحة موصوفة لبلد كان معروفا بـ "مصرف العرب".

8. دخول لبنان في إقتصاد الندرة والقلة، وفي حلزون إنحداري وإنكماشي، سيشطب سنوات من النمو الإقتصادي المتراكم.

9. أخيرا وليس آخرا، سيمثل القطاع التجاري، كالعادة، الضحية الأبرز لهذا التشدد المالي، وهو الذي شهد أصلا إنخفاضا سحيقا لحجم أعماله بلغ أكثر من 80%. وسيكون التجار في حيرة من أمرهم: فهل سيقبلون بوسائل ​الدفع الإلكتروني​، التي لا تصرف في أي مصرف اللهم إلا بحسم كبير، وبالتالي يخسرون مالهم، أو أنهم لا يبيعون ويخرجون هم وموظفوهم من السوق ويخسرون رأس مالهم.

والطامة الكبرى ستقع على كاهل المستوردين وعملائهم الملزمين بتوفير العملة النقدية (Bank Notes). فإن السوبرماركت الذ يقبض نصف مبيعاته بالبطاقات المصرفية سوف يرفضها كليا لتأمين السيولة المطلوبة.

وأكد المجتمعون "ان الضرر الكبير لن يقتصر على تجار المواد المدعومة، وخصوصا الأساسية منها وحسب، بل إن جميع التجار الآخرين مطالبون بالإتيان بـ100% من الأموال النقدية.

وغاب عن بال المسؤولين عن هذه التدابير أن ثمة رابطا عضويا بين الدورة التجارية الداخلية والدورة التجارية الخارجية. وإذا كان من الممكن حصر المداولات الداخلية بوسائل الدفع الإلكترونية في إقتصاد مغلق على نفسه، فإن هذا الأمر مستحيل في ​الإقتصاد اللبناني​ المنفتح على الخارج، وإن صلة الوصل الوحيدة بين الداخل والخارج في وضع لبنان الراهن هي العملة الأميركية الورقية فقط".

وأعلنوا، انه "بناء على ما تقدم،

- ينبغي على المسؤولين الإتعاظ من دروس التاريخ القاسية، والتي تفيد بأن إنكماش الكتلة النقدية يؤدي حتما إلى الإنكماش الإقتصادي، فكم بالحري عندما يحرم اللبنانيون من التداول بالعملة الأميركية ومن ثم بالليرة اللبنانية على التوالي. فإن حماية سعر الصرف هدف مشروع، إنما حماية مجتمع لبنان وإقتصاده هدفا أسمى".

- يسجل القطاع التجاري إعتراضه المطلق على القيود الجديدة المفروضة على السحوبات بالعملة الوطنية، ويناشد السلطات النقدية على وقف العمل بها فورا، وذلك لأن إيجابياتها غير مضمونة فيما سلبياتها أكيدة.

- الإتاحة للمصارف بالتصرف بأموالها المودعة بحساباتها الجارية دون قيد أو شرط، حفاظا على سيولة الإقتصاد.

- تيسير عمليات الصيرفة داخل المصارف، بناء على سعر الصرف الحقيقي فيما يتعلق بالعمليات التجارية.

- استثناء القطاع التجاري، وخصوصا المكون الإستيرادي منه، من أي تدبير من شأنه أن يعيق نشاطه الخارجي.

- التشاور مع المعنيين، وعلى رأسهم الهيئات الإقتصادية والمجتمع التجاري، قبل إتخاذ قرارات مصيرية بحقهم.

- وأخيرا دعوة الطبقة السياسية للمرة الألف إلى تحمل مسؤولياتها بتفعيل العمل المؤسساتي المنتظم وإستعادة الثقة، تفاديا لللجوء إلى تدابير متسرعة وظرفية قد تؤذي الإقتصاد أكثر مما تفيده، وتجنبا لسقوط لبنان في المحظور الأكبر".