هي سيدة لبنانية طموحة، متعاونة، ومثابرة. رأت في الصعوبات دافعاً للتطور والتغيير والسير نحو الأفضل، فتأقملت مع الظروف القائمة من أجل مواصلة مسيرتها، وضمان استمرارية نشاطها المهني.

فنتلعرف معا الى القصة الملهمة والمحفزة لمؤسسة "Lizzy’s Little Oven Secrets"، إليز بو ملهم، في هذه المقابلة الخاصة مع موقع "الاقتصاد":

- من هي إليز بو ملهم؟

أمارس مهنة الطهي منذ حوالي خمس سنوات، حيث كنت أحضر الكعك وأزينه، كما أقدم للزبائن المأكولات المعدة في المنزل. وهذا الأمر كان بالنسبة لي، بمثابة ترفيه وتسلية.

ولكن عندما بدأ ​الوضع الاقتصادي​ بالتدهور، شعرت أن الوقت قد حان لكي أنقل مشروعي الى مكان آخر. فهناك بعض المنتجات التي لم يعد المواطن اللبناني قادرا على شرائها، بسبب الارتفاع الجنوني في ​أسعار المواد الغذائية​. وانطلاقا من هذا الواقع، قررت تقديم وصفات هذه المنتجات، لكي تتعلم كل أم وربة منزل، كيف تحضرها بكل سهولة.

فمنذ بداية الحجر المنزلي، ركزت بشكل أساس على صفحاتي عبر ​مواقع التواصل الاجتماعي​ "​فيسبوك​" و"​انستغرام​"، بسبب أوقات الفراغ الطويلة التي عايشناها، وذلك بهدف الاستفادة من وقتي بطريقة بناءة أكثر!

وبعد ارتفاع أسعار البضائع بشكل خيالي، رفضت التعامل بالدولار مع الموردين من جهة، وتغيير الأسعار مع الزبائن من جهة أخرى. ومن هنا، فكرت في طريقة تتيح لي الوصول الى هذا الهدف، ووجدت أنه بدلا من شراء البضائع المستوردة، يمكننا تشجيع المزارع المحلي والإنتاج اللبناني. ولتحقيق هذه الغاية، أزور شهريا مسقط رأسي الشوف، للحصول على المنتجات من الموردين المحليين.

وبهذه الطريقة، أحصل على المنتجات بسعر أقل من السوق والسوبرماركت، وفي الوقت ذاته، أشجع العجلة الاقتصادية في هذه البلدات الصغيرة، وأدعم أصحاب الأعمال الصغيرة، الذين يؤمنون لقمة عيشهم من خلالها. كما أنجح أيضا، في عدم رفع الأسعار لزبائني.

لقد علمت نفسي في المنزل، كيفية صنع المنتجات التي كنت أشتريها. كما بنينا قن للدجاج، من أجل الحصول على البيض البلدي الطازج، وعمدنا الى زرع العديد من المنتجات التي نستخدمها في مأكولاتنا. وبالتالي، خففنا التكاليف علينا وعلى زبائننا أيضا.

- هل تلاقي صفحات "Lizzy’s Little Oven Secrets" التفاعل المتوقع من الناس؟

التفاعل معنا كبير، مع العلم أن اهتمامي بالصفحة وبمنشوراتي عليها، لم يكن يوما لغاية زيادة عدد المتابعين، بل كنت أمارس هوايتي وشغفي، وأشاركها عبر "فيسبوك" و"انستغرام"، ولاقيت اهتمام واسعا من الناس، الذين بدأوا يتفاعلون ويشاركون ويسألون، ويقدمون الأفكار الخلاقة، ويطالبون بوصفات جديدة.

- أين ترين نفسك في المستقبل على الصعيد المهني، وخاصة بعد أن تغيّر العالم بسبب "كورونا" و​الأزمة الاقتصادية​؟

كنت أتناقش مع زوجي حول إمكانية إعادة النظر بمفهوم "الطبيعي" و"الاعتيادي" بالنسبة لنا.

فالفترة التي مررنا بها خلال الحجر المنزلي بسبب "كورونا"، إضافة الى الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد، حثتنا على التركيز أكثر على إعادة بلورة أسلوب حياتنا. فهل كانت طريقة عيشنا في السابق صحيحة وصحية؟ أعتقد أن إجابة العدد الأكبر من اللبنانيين ستكون "كلا"!

فـ"العادي" الذي كنا نعيشه لا نريد العودة اليه، ولهذا السبب، بدأنا بزراعة مأكولاتنا، وإنتاج الطعام لعائلاتنا. كما عمدنا الى تحضير المواد الأولية في المنزل، مثل ​الطحين​، ​السكر​ الأسمر، المربيات، الكبيس، وغيرها...

فنحن قادرون حتما على تحقيق الاستدامة في حياتنا، وعلى تشجيع الزراعة المستدامة، والابتعاد عن الاستهلاك غير الصحي، الذي كنا قد اعتدنا عليه.

بطبيعة الحال، بعد "كورونا" لن نعود الى الوراء، بل سنكمل هذه المسيرة الجديدة وبزخم أكبر.

- المنافسة واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ما الذي يميز صفحة "Lizzy’s Little Oven Secrets" ويدفع الناس الى متابعتها؟

أتميز في عاملين بارزين:

أولا، لقد أطلقت "هاشتاغ" خاص بصفحتي وهو "#saynotofoodwaste"، لرفض إهدار الطعام. فهناك العديد من السلع والمنتجات التي نشتريها، ومن ثم نرمي أكثر من نصفها؛ على سبيل المثال، عندما يشتري معظم الناس الفجل، يستخدمون الثمرة فقط، ويرمون الأوراق. ولهذا السبب، شاركت منذ فترة منشورا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لشرح أهمية ورق الفجل، ولتعليم الناس كيفية استخدامه لصنع صلصة "البيستو"، بطريقة سهلة، وزهيدة الثمن، وبدون أي مواد حافظة.

ثانيا، لم نعد نشتري المنتجات المستوردة، وقررنا تعليم الناس كيفية صنع المنتجات التي اعتدنا على شرائها، بسهولة في المنزل، وبدون كلفة كبيرة.

- كيف يمكن لمشروعك الصمود وتخطي الأزمة الاقتصادية وضعف القدرة الشرائية لدى اللبنانيين؟

نحن لم نرفع أسعارنا على الإطلاق، بل على العكس، عمدنا الى تغيير مفهومنا بالكامل، لتحقيق هذه الغاية. وبالتالي، ما زلنا قادرين على تلبية عدد لا بأس به من الزبائن ضمن قدراتهم الشرائية. مع العلم أن الطلبيات على الكعك والمأكولات الخاصة بالأعياد والمناسبات، باتت شبه مفقودة اليوم.

ومن هنا، تجدر الاشارة الى أن أسلوب حياتنا سوف يتغير حتما، بسبب "كورونا" والضائقة الاقتصادية، وأعتقد أن بعض المواد والمنتجات الاستهلاكية سوف تصبح تدريجيا غير موجودة. ولهذا السبب، طويت صفحة الماضي، واتجهت في طريق مختلف.

علينا التأقلم مع الظروف القائمة، وذلك من خلال تغيير طريقة تفكيرنا، وتبديل مفاهيمنا ونظرتنا الى الأمور الحياتية. فعلى كل شخص - حتى ولو لم يكن صاحب عمل أو مشروع معين – أن يغير أسلوبه من أجل الصمود في المرحلة المقبلة. فالمستقبل قد يحمل معه للأسف، أياما صعبة على الجميع.

- من خلال نشاطك العملي، ما هي الرسالة التي تودين إيصالها الى الناس؟

أشجع الجميع على متابعة صفحتي "Lizzy’s Little Oven Secrets"، لكي يتعلموا كيفية صنع المنتجات بسهولة. فكل واحد منا قادر، من منزله، على المساهمة في ضبط الاستهلاك العشوائي الذي اعتاد عليه مجتمعنا، وعلى القيام ببعض المجهود للسير نحو مستقبل أفضل. فلنتسلى بالمعرفة، ولنتعلم كيفية تحضير كل ما يلزمنا، بأنفسنا!

- ما هي نصيحة إليز بو ملهم الى أصحاب المشاريع والأعمال اللبنانيين؟

أنصح جميع ​التجار​ وأصحاب الأعمال، أن يغيروا مفهومهم حول طريقة الاستهلاك. اذ لا أعتقد أنه باستطاعتنا اليوم العودة الى الوراء، ومواصلة حياتنا بالطريقة التي كنا نعيشها في الماضي.

نريد التغيير والتأقلم مع الأوضاع التي نمر بها. نريد أن نشعر مع الناس ونشاركهم معاناتهم. فالمواطن اللبناني لم يعد قادرا على الشراء والاستهلاك كما كان يفعل في السابق، وبالتكاتف والتعاون، نستطيع تغيير مفهومنا للصمود في المرحلة الصعبة، وللعبور نحو غد أفضل.