الهندسة المدنية، الهندسة المعمارية، و​علم​ الآثار... ثلاثة اختصاصات اجتمعت في ثلاثة أشخاص، يوحّدهم شغفهم بالمأكولات التقليدية. قرروا معا دعم المونة ال​لبنان​ية عبر مشروعهم "Wassouna"، فأطلقوا صفحة على "​فيسبوك​" و"انستغرام"، اكتسبت خلال فترة قصيرة شهرة واسعة بين المتابعين.

تجمع مبادرة "Wassouna" محبي المونة اللبنانية، بأفضل المنتجات من مختلف القرى والبلدات، كما تهدف الى ​دعم المزارعين​ المحليين، ومساعدتهم على زيادة مداخيلهم. وتقدم أكثر من 50 منتجا، منها العسل، الطحينة، جميع أنواع المربى، خل التفاح، الزعتر، الزيت، ​الزيتون​، السماق، المكدوس، اللبنة، الكشك، وغيرها.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع الشريكة المؤسسة لـ"Wassouna"، نتالي يونس، للحديث أكثر عن هذا المشروع، وعن سبل تطويره، وكيفية المحافظة على سير عمله في ظل الأوضاع الصعبة.

ما هي قصة "Wassouna"؟ ومن أين جاءت الفكرة؟

بدأت قصتنا عندما قمنا بزيارة العديد من القرى، والتقينا بأهلها وسكانها الذين دعونا بسخاء، لتذوق منتجاتهم المحلية. ولكن القرويين اللبنانيون، يواجهون مشاكل عدة، من أجل تجاوز أسواقهم المحلية، وبيع إنتاجهم في جميع أنحاء البلاد. ومن ناحية أخرى، قد يجد محبو المونة، بعض الصعوبة أحيانا، في الوصول إلى قرانا وبلداتنا، للحصول على هذه المنتجات اللذيذة.

ومن هنا، ولدت "Wassouna"، التي تهدف الى ربط الزبائن بالقرى اللبنانية، من خلال بيع منتجات المونة الأصلية، ومساعدة القرويين على زيادة مداخيلهم.

متى تأسست "Wassouna"؟

عملت مع صديقيّ ميرنا وشوقي في شركة متخصصة في ​قطاع البناء​، قبل إطلاق مشروعنا. وبعد ثورة 17 تشرين، رأينا أن الأزمة قد تدوم لوقت طويل، لأن الأوضاع تسير يوميا نحو المزيد من التأزم. ومن هنا، فكرنا في إطلاق هذه المبادرة، من أجل مساعدة سكان القرى والأرياف على اجتياز هذه المرحلة الصعبة، وتأمين لقمة العيش، عبر جني الأرباح من الأعمال التي يتميزون بها.

فكرنا حينها في البيع الى الخارج قبل التركيز على الداخل، ولكن بعد جائحة فيروس كورونا، بدأت صفحتنا على "فيسبوك" بالتوسع والتطور على الصعيد المحلي.

ولا بد من الاشارة، الى أن هذا المشروع يدعم في الوقت الحاضر، 10 إلى 12 عائلة مختلفة، من البقاع، الشوف، المتن، عاليه، راشيا، و​صور​. كما أننا نبحث دائمًا عن عائلات جديدة، تنتج سلعًا معينة، من أجل بيع منتجاتها. وبهذه الطريقة، يمكننا المساهمة في نمو الأعمال الريفية وازدهارها، وفي تعزيز الاقتصاد الريفي في لبنان.

كيف تصفين إقبال الناس على صفحتكم ومنتجاتكم؟

الإقبال جيد جدا، فهناك عدد كبير من الأشخاص الذين يفضلون تجربة منتج معين في البداية، ومن ثم يعودون لشراء المزيد. فهناك العديد من الميزات التي تشجع الناس على الشراء من منتجاتنا وأبرزها:

أولا، كل منتج من "Wassouna"، قد صنع بطريقة متقنة ومحترفة ونظيفة.

ثانيا، نحن نشتري المنتجات في البداية، للتأكد من مذاقها وجودتها، قبل بيعها للزبائن.

ثالثا، كل منتج يحمل معه قصة صغيرة عن الشخص الذي يحضره، مثل اسمه، المنطقة التي يسكن فيها، البلد الذي يحب زيارته (وذلك من أجل المرحلة المقبلة من العمل، أي عندما نبدأ بالبيع الى الخارج، بهدف الإضاءة على العلاقة بين اللبناني المقيم واللبناني المغترب)، المثل المفضل لديه،...

رابعا، منتجاتنا خالية من المواد الحافظة، ونابعة من قلوب صانعيها؛ فموردينا هم أشخاص يصنعون المونة لمنازلهم وعائلاتهم، ويبيعون قسما منها لنا.

خامسا، أسعارنا مدروسة للغاية، فنحن لم نرفع تسعيرة منتجاتنا بشكل ​جنوني​ كما يحصل حاليا في الأسواق والسوبرماركت.

سادسا، تجمع "Wassouna" المنتجات من جميع المناطق اللبنانية؛ فعلى سبيل المثال، نحصل على ماء الزهر من مصدره الأساسي، أي من مكان زراعة الزهر وصنعه. وبالتالي نحاول دائما الوصول الى مصدر كل منتج، من أجل الحصول على الجودة الأفضل.

في ظل جائحة كورونا والأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمر بها لبنان، كيف ستنجح "Wassouna" في الصمود وتخطي هذه الأزمات؟

نحن نحاول قدر الإمكان البقاء والصمود ومساعدة الآخرين، فالجميع متخوف من الآتي، ولا أحد يعرف ما سيحمله لنا المستقبل، ولكنني متأكدة من أن الوقت قد حان لكي نبني اقتصادا حقيقيا وغير مزيف، كالذي كنا نعايشه في الفترة الماضية، أي حين كنا مثقلين ب​الديون​ ومهووسين بالاستهلاك والشراء. اذ كنا نفكر أننا على قيد الحياة، في حين أن الواقع كان مختلفا كليا عن ذلك!

فالحياة هي ما نلتمسه اليوم، حيث نعيش "على قدنا"، ونصرف من ما نجنيه، ولو كان متواضعا...

هل ستعمدون في المستقبل الى تطوير هذا المشروع وتوسيعه؟

نحن نعلم جميعا أن مجال البناء – أي مجال عملي الأساس - سوف يعاني من الركود، على مدى ثلاث سنوات على الأقل. ومن جهة أخرى، يتعلق دائما الأجانب الذين يزورون لبنان، بمأكولاتنا، التي تبقى في ذاكرتهم وتحثهم على العودة. وبالتالي، علينا التركيز على هذه النقطة بالتحديد، لأن هذا القطاع يشكل نقطة قوتنا في لبنان!

ومن هنا، علينا استثمار هذا الجانب، من أجل الاستفادة منه في ظل الأوضاع الصعبة القائمة. فقد فكرنا، وخططنا، ونفذنا، بشكل سريع جدا من أجل إطلاق "Wassouna"، وفي المرحلة المقبلة، سوف نركز اهتمامنا على تطوير هذا المشروع، وتوسيع نطاق عمله.

ما هي الرسالة الإيجابية التي تودين إيصالها الى المجتمع اللبناني في زمن كورونا والضائقة المادية؟

هذه الفترة سوف تمر حتما، لكنها ليست سيئة بقدر ما يراها البعض، بل على العكس.

وبرأيي، هذه المرحلة هي الصحيحة والجيدة والمفيدة، في حين أن ما كنا نعيشه في السابق، كان السيء والسلبي والمضر.

كنا نعيش في كذبة كبيرة جدا، وكانت الديون تسيطر على جوانب حياتنا كافة. وانطلاقا من هذا الواقع، يمكن القول أن قدرتنا الشرائية لم تتراجع، لأنها بالأساس كانت مزيفة؛ فكنا نصرف أكثر من ما نملك، ونلجأ دائما الى الاستدانة لتلبية رغباتنا، وهذا الواقع غير صحي على الإطلاق!

فاذا تساعد الناس، وتواضعوا، وتعايشوا مع الواقع، سيكتشفون أن فيروس كورونا أسهم في تنمية الطبيعة، وازدهارها، وأظهر مدى قدرتها على العطاء، وعلى رد المجهود!

لذلك أتوجه للجميع بالقول: "تعلموا الكرم من الأرض، لأنها قادرة على تأمين عيش كريم للإنسان. أحبوا حياتكم بلدكم، فنحن ولدنا هنا، ولسنا مجرد رقم. فلتكن جهودنا واضحة وشفافة ومراعية، بعيدا عن التزييف الذي كان يسيطر علينا. فقد "أكلنا كفّ قوي"، ومن الجيد أن نتعلم منه للأيام المقبلة".