بعد غياب دام لأشهر، عدنا اليكم مجددا مع شخصية جديدة. فرغم الظروف الصعبة المحيطة بنا وبالعالم، بسبب وباء كورونا من جهة، والأزمة الاقتصادية والمعيشية من جهة أخرى، يجد ال​لبنان​ي دائماً فسحة من الأمل والفرح. فها نحن قد اعتدنا على إجراءات الوقاية، والحجر المنزلي، والتباعد الاجتماعي. وكما مرت من قبل الأزمات، ستمر هذه الأزمة أيضا، بإذن الله.

وبانتظار جلاء الصورة، وعودة الأمور الى طبيعتها، فلننظر الى الناحية الإيجابية من الحياة، التي تتمثل بنجاحات اللبنانيين، وإنجازاتهم الكثيرة.

وضيفنا اليوم هو صاحب شركة "Fiber Waves"، والخبير الدولي المحلف في شبكات الاتصالات والألياف البصرية، والعضو في الهيئة الدولية للألياف البصرية، سليمان فرح.

فلنتعرف أكثر الى مسيرته المهنية وطموحاته المستقبلية، في هذه المقابلة التي خصّ بها موقع "الاقتصاد":

- من هو سليمان فرح؟

تخصصت في هندسة الاتصالات في "​الجامعة اللبنانية​"، اذ أن إمكاناتي المادية في ذلك الوقت، لم تكن تسمح لي بالدخول الى جامعة خاصة. ولكن رغم جميع الصعوبات التي مررت بها، كنت بين الطلاب الأوائل.

ومنذ بداية الطريق، آمنت بفلسفة وحيدة؛ ألا وهي تقديم خدمة ذات قيمة مضافة، من أجل تحقيق النجاح والسير نحو الأمام. فلطالما كان همي الوحيد هو إيجاد الأفكار المميزة والمفيدة أيضا.

عملت لمدة أربع سنوات في مجال الطب الحيوي، وفي تلك الفترة، كانت شبكات كابلات الدش قد بدأت بالظهور، ولكن بشكل ضعيف وغير محترف. ومن هنا، عملت على تقديم أول ​تكنولوجيا​ لمضاعفة "الكفاءة الطيفية" (efficacité spectrale)؛ أي أن المشترك الذي كان يحصل على 20 قناة، بات يصل الى 40.

وهذه القيمة المضافة الأولى التي قدمتها، أدت الى حدوث صدمة إيجابية في السوق، فبدأت بجني الأرباح.

في بداية التسعينات، لاحظت أن عملية التوزيع على الأرض، لا تتم بشكل صحيح، من ناحية ​الكابلات​. ولهذا السبب، عملت على الاستعانة بالألياف البصرية (fiber optics)؛ وكانت حينها "​أوجيرو​"، في بداية انطلاقتها في هذا المجال.

فبدأت بتركيب الألياف للشبكات، وأصبحت بمثابة مرجع في هذا النطاق. فأطلق علي اسم "Fiber Guy" أي "شاب الألياف".

واستمريت بنشاطي العملي في مجال الألياف البصرية، بالتوازي مع وظيفتي في الطب الحيوي. ولكن بعد فترة، قررت الاستقالة، من أجل تخصيص كامل وقتي لمهمتي الرئيسية. فأسست شركة "Fiber Waves"، عام 1996، أي منذ حوالي 24 عاما.

عندما أطلقت خدمة الـ"fiber optics"، كانت أسعارها لا تزال مرتفعة، وكذلك الأمر بالنسبة الى كلفة صيانتها. ومن هنا، بحثت عن منتج آخر، فقدمت خدمة الـ"Wise" للانترنت السريع، لكنني لم أتمكن من الحصول على رخصة لمزاولة هذا النشاط في لبنان، بسبب افتقادي الى "الواسطة". ولهذا السبب، تعاونت مع شركة "Pesco Telecom"، لطرح هذا المنتج؛ فاستملت هذه الأخيرة الإدارة والعمولة. كما استعنت بمستثمر لدفع ثمن البضائع، فحصلت في نهاية المطاف، على نسبة 11% فقط من "Wise". ومنذ عام 2000 حتى عام 2010، كانت الشركة الوحيدة التي تقدم ​الإنترنت​ اللاسلكي المحمول (wireless internet mobile) في لبنان.

عام 2005، عملت على منتج مميز للغاية، وهو جهاز استقبال الدش "Platinum". فشركات الكابلات كانت تستعين بأجهزة الاستقبال العادية، القائمة على الإشارة التناظرية (signal analogue)، وبالتالي، ترسل الصورة السيئة والمشوشة وغير الواضحة. وانطلاقا من هذا الواقع، عملت على تخفيض عتبة جهاز الاستقبال، ليصبح قادرا على تحمل إشارة أضعف بـ16 مرة من الجهاز العادي. وحصلت بسبب هذا الإنجاز على جائزة عالمية في ​البحرين​. ولدي الى حد اليوم، خمس براءات اختراع مسجلة، وهذه واحدة منها!

وبالإضافة الى ذلك، نشرت كتابا بعنوان "المفتاح المفقود للنجاح"، يتحدث عن الحلقة المفقودة عندما نفعل كل شيء بطريقة عملية ومحتسبة، ولا ينجح المشروع أو الأمر الذي نريده. وكأن الكون لا يريد لنا أن ينجح هذا الأمر. هذا الكتاب يجيب عن هذه الحلقة بالتحديد، وهل من الممكن أن يتحكم الانسان بقدره، أو بحظه، أو بهذه الحلقة المفقودة. كما يتوجه الى الفئة العمرية المثقفة نسبيا، وأي شخص قادر على استيعاب معادلات علمية، ابتداء من عمر السادسة عشر أم الثامنة عشر وما فوق.

- كيف تمكنت من التوسع الى خارج لبنان؟

عندما قدمت جهاز الاستقبال "Platinum"، أسست شركة "UCL" (United Cable Lebanon). وضميت اليها مساهمين من الطوائف والمناطق كافة، وبالتالي، أجبرت الدولة على إعطائي ترخيص لها!

وفي ذلك الوقت، تمكنا من توزيع حوالي 120 ألف جهاز في السوق، في حين كانت الشركات المنافسة لنا، تبيع 20 ألف فقط.

عام 2010، عندما فزت بجائزة "أفضل منتج الكتروني في منطقة ​الشرق الأوسط​ وشمال إفريقيا"، في البحرين، فُتحت أمامي فرص عدة، للتعرف الى مشغلين مهتمين بهذا النوع من الخدمات، فعملت في مجال دمج وتكامل الأنظمة (system integrator)، لتنفيذ المشاريع من الألف الى الياء. فوصلت من خلال نشاطاتي المتنوعة، الى ​باكستان​، ​العراق​، ​الغابون​، ​مالي​، بوركينا فاسو، وغيرها من البلدان،...

- كيف تقيم وضع لبنان اليوم من ناحية الاتصالات والكابلات؟

من الناحية العملية، قدمنا الكثير من العروضات للدولة اللبنانية. وعام 2005، عملت على تنفيذ مشروع "Fiber to the home" من "مايكروسوفت" في لبنان، لكنه للأسف أجهض سياسيا؛ مع العلم أن هذا المشروع لا يكلف أكثر من 300 مليون دولار، وفترة تنفيذه لا تتجاوز السنة، في حين أن الدولة دفعت مؤخرا 650 مليون دولار على مشروع مشابه، الى حد ما، دون تحقيق 20% حتى من الأهداف. وهذا الأمر مؤسف ومبكي!

- ما هي أبرز الصعوبات التي تواجهك خلال عملك؟

لقد قضيت 25 عاما من حياتي، أحلم بالحصول على رخصة للعمل في لبنان، ولكن للأسف هذا الأمر لم يتحقق بعد...

من جهة أخرى، يفتقد قطاع الاتصالات في لبنان، الى التخصص، ويتم التعاطي معه بشكل استنسابي، وعلى مبدأ "البقرة الحلوب". كما أنه يعاني من غياب الهيئة الناظمة، التي من شأنها تنظيمه وتحسين وضعه.

وبالتالي، لو تم تعييني وزيرا للاتصالات، لكنت ركزت بالدرجة الأولى على تفعيل دور الهيئة الناظمة للاتصالات، التي من شأنها تجريدي من صلاحياتي ومهماتي كافة. فهذا القطاع تقني بحت، ومن هنا، على الهيئة أن تكون مرجعية مستقلة، كما أن تعيين الأعضاء يجب أن يخضع أيضا لآلية مستقلة عن التجاذب السياسي، مع إشراك النقابات وأهل الاختصاص.

ولكن للأسف، لن يتغير الوضع في لبنان، الا عبر تغيير النظام السياسي القائم، الذي يعتبر أساس المشكلة. فلا حلم، ولا حل، ولا أمل، ولا بوادر إيجابية، بدون تحقيق هذا التغيير المنتظر!

- ما هي مشاريعك وتطلعاتك المستقبلية؟

طموحي الأكبر هو تحقيق ما هو أفضل لبلدي لبنان. فكلما تم تعيين وزير جديد للاتصالات، أزوره بهدف شرح مشاريعي المفيدة لهذا القطاع. وفي كل مرة، يبدي الوزير إعجابه، ولكن في نهاية المطاف، نرى على أرض الواقع، أشخاصا يحصلون على التراخيص، وينفذون مشاريعهم، في حين أننا نبقى مجرد مقاولين فرعيين.

في الفترة الأولى كنت أشعر بالحزن والخيبة، ولكن بعد ذلك، اعتدت على هذا الأمر، وأصبحت أستغرب عدم حصوله!

- ما الذي دفعك الى التمسك بلبنان رغم كل الظروف الصعبة؟

اذا ركزت اهتمامي على العمل خارج لبنان، بشكل دائم، فلن أعود الى بلدي الأم، إلا نادرا. وبالتالي، سينتهي العمر بالغربة، وسأفقد اللحظات المميزة مع أفراد العائلة، ولن أتقدم بالعمر الى جانبهم.

وانطلاقا من هذا الواقع، وبسبب قدرتي على تحقيق النجاح في لبنان، فضلت أن أكسب عائلتي بأرباح مادية أقل، بدلا من الحصول على كل أموال الدنيا!

- من الناحية الشخصية، ما هي صفات التي ساعدتك على تحقيق التقدم والنجاح؟

أنا أؤمن بقدري الى أقصى الحدود. وكل ما يحصل في حياتي، يكون بمثابة بداية لما هو أفضل.

لهذا السبب، لا أسمح لشيء بالوقوف في وجهي، ومنعي من التقدم.

- ما هي النصيحة التي تقدمها الى جيل ​الشباب​، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي نمر بها حاليا؟

أنصح كل شخص، أن يلاحق أي فرصة تظهر أمامه، وأينما وجدت. فبالنهاية، وبوجود العولمة، بات منزلنا بمثابة الكوكب، ولم تعد الحدود الجغرافية تحدّنا!

وبقدر ما يكون الشخص كريما ولطيفا وإيجابيا مع الكون، بقدر ما سيرد له هذا الكون أضعاف وأضعاف؛ وهذه الفلسفة الشخصية لم تخطئ معي يوما!

افعل خيرا ولا تنظر الى الخلف، فالعالم سيرده لك بطريقة ما...