بعد التخصص الجامعي والانخراط في سوق العمل، قد تشعر أن الأوان قد فات لكي تتبع شغفك أو هوايتك، وتسعى لتحقيق طموحاتك، ولهذا، تضع حلمك في طيات الماضي، وتقفل عليه الباب؛ فتستسلم لقدرك، وتتقبل مصيرك، وتترك الحياة تسير بحسب أهوائها!

لكن انتظر ولا تفقد الأمل... فهناك بعض الأشخاص الذي يرسلون الروح الإيجابية والمناضلة باتجاهك، عبر تجاربهم المهنية الملهمة، ليخبروك بأن الوقت لا يتأخر أبدا، على الازدهار والإنجاز.

سيدة الأعمال​ ال​لبنان​ية مايا بخعازي نون، هي خير مثال على ذلك، حيث أن تجاربها المهنية، ومهاراتها المتنوعة، وخبراتها الطويلة، جعلت قصتها تستحق المشاركة.

دخلت مايا الى عالم الأغذية والمشروبات عام 2000، وهي هواية سرعان ما تحولت إلى نجاح، حيث أطلقت وطورت أكثر من 27 مفهومًا الى حد اليوم، وآخرها شركة "The Food Studio" لتقديم الطعام (catering). وبالاضافة الى ذلك، هي مستشارة في مجال تطوير الأعمال للعديد من ​الشركات العالمية​ المعروفة في منطقة ​الشرق الأوسط​ والخليج. كما أنها مدافعة نشطة للغاية، عن تشجيع ​ريادة الأعمال​، والتمكين الاقتصادي للمرأة في المنطقة.

فازت بالعديد من الجوائز، من بينها جائزة "أفضل ​امرأة ناجحة​ في مجال الضيافة"، في عام 2010.

وبالتالي، خطوة بخطوة، بدأت بتحقيق ما يتمناه قلبها، لتثبت أن الحياة مخاطرة، وعدم المخاطرة هو مخاطرة بحد ذاته!

فلنتعرف أكثر الى مايا بخعازي نون، في هذه المقابلة الحصرية، التي خصّت بها موقع "الاقتصاد":

- باختصار، من هي مايا بخعازي نون؟ وأين كانت نقطة التحول في حياتك؟

تخصصت في العلوم المالية والمصرفية، وعملت على بناء مسيرتي المهنية، في ​القطاع المصرفي​، لسنوات عدة.

وبسبب شغفي في مجال الأغذية والمشروبات، أسست مع ثلاثة من أصدقائي، مفهوم المطعم الأولى، برأسمال خجول للغاية. ولكن بعد حوالي سنة، تطور هذا المشروع، وأصبح لدينا أربعة مراكز للبيع، فقمنا ببيع حصصنا، على أساس ربحيّ، وعاد كل منا لاستكمال عمله الأساس.

ومن هنا كانت الانطلاقة، نحو نشاط مهني جانبي، في استثمار المطاعم وإدارتها، حتى وصلت الى المرحلة الانتقالية؛ فبين عملي المصرفي، وتقديم الاستشارات في الأغذية والمشروبات، وإدارة عدد من المطاعم ومراكز البيع، قررت التخلي عن مسيرتي الرئيسية، لتكريس كامل وقتي لهذا المجال.

فالشغف كان محركي الأول، حيث أنني أحب القيام بهذا النشاط المهني، وقد نجحت فيه بالفعل، ما أعطاني دفعة إيجابية لمواصلة هذه المسيرة. وكان هذا الأمر بمثابة هواية أمارسها في أوقات الفراغ، ولكن مع مرور الوقت، توسع نطاق هذه الهواية، وتطورت الى حد كبير، حتى وصلت الى مرحلة قياسية، تستوجب مني كامل الوقت والجهد، إضافة الى إيجاد فريق العمل المناسب، والمعدات اللازمة.

- ما الذي ضمن استمراريتك في هذا المجال لأكثر من 18 عاما؟

أولا، الإصرار والشغف، هما العاملان الأهم في مسيرتي.

ثانيا، الرغبة الدائمة في التطور، وتقديم المفاهيم الجديدة؛ فهذا المجال غني بالجوانب الخلاقة، كما أنه دائم التجدد، وبالتالي، مهما كثرت الأفكار، وتنوعت، لا يتوقف الإبداع والابتكار، على الإطلاق.

ثالثا، الصعوبات موجودة حتما، بسبب ضرورة الملاحقة اليومية للأعمال، والتواجد الدائم لمتابعة أدق التفاصيل، الا أن هذا الجهد يعود الينا، عبر الإنجازات المحققة؛ فعندما نرى النتيجة النهائية لأي مشروع أو فكرة، ننسى كل التعب والضغوط.

- ما هو الإنجاز الأكبر الذي حققته الى حد اليوم؟

شركة "The Food Studio"، تشمل كل المراحل التي مررت بها في حياتي، وكل الأفكار والمفاهيم التي قدمتها طوال مسيرتي. فقد افتتحنا حوالي 27 مفهوما، وما زلنا الى حد اليوم، نبتكر الأعمال في مجال الأغذية والمشروبات، ونسعى الى توسيعها؛ فنحن نخلق المشاريع، نعمل على تطويرها، كما نهتم بإدراتها!

وبالاضافة الى ذلك، لدينا معايير وفئات مختلفة في عملنا، تتيح لنا التعامل مع جميع متطلبات المجال.

- كيف تواجهين حالة عدم الاستقرار السائدة في البلاد؟ والى أي مدى استفدت من الانفتاح نحو الأسواق الخارجية، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة؟

لقد توسعنا، بالأساس، الى خارج لبنان، وعملنا على تطوير المشاريع في الخليج، والولايات المتحدة، و​أوروبا​. لكننا أسسنا في لبنان، العدد الأكبر من المفاهيم، وتأتي دبي في المرتبة الثانية، ولحسن الحظ، قمنا ببيع غالبية الحصص في المشاريع التي أسسناها.

ولدينا اليوم "Curli-Q"، الذي تطور عام 2019، رغم الأوضاع الصعبة، وأصبح موجودا مؤخرا في منطقة الأشرفية، حيث افتتحنا نقطة للبيع، في الأول من كانون الأول الماضي. بالاضافة طبعا الى "The Food Studio"، و"Go Bites"، وهو عبارة عن مطعم للوجبات السريعة؛ اذ نحضر يوميا السندويشات، السطات، الصحن اليومي، وغيرها من المنتجات، في مطابخنا، ونوزعها على نقاط البيع، ومن ثم نعود في المساء، لسحب كل المنتجات المتبقية.

وبالتالي، أطلق على هذه المفاهيم، تسمية "recession proof"، أي "صامد في وجه الركود"، ما يعني أنها قادرة على الاستمرار والبقاء، رغم الأوضاع الصعبة.

وتجدر الاشارة الى أنه، لا يمكن الجزم أن كانون الأول 2019، جاء مشابها لشهر كانون الأول 2018، ولكن بفضل الجهود الإضافية التي قمنا بها، تمكنا من الحد، نسبيا، من خسائرنا.

- من خلال منصبك كأمينة سر في نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان، كيف تقيمين وضع القطاع اليوم؟ وكم بلغ عدد المطاعم التي أقفلت أبوابها في غضون الشهرين الماضيين؟

هناك العديد من المطاعم التي تضررت من جراء الانتفاضة الحاصلة في لبنان، ولكن يجب أن نوضح هنا، أن المعاناة لم تبدأ مع الحراك، بل هي ممتدة منذ سنوات عدة؛ حيث ننتظر سنويا، أن يكون الموسم أفضل من سابقيه، لكن في ظل تراجع عدد السياح القادمين الى لبنان، وانخفاض القدرة الشرائية والاستهلاكية للمواطنين اللبنانيين، و​الوضع الاقتصادي​ الصعب، تتدهور حالة المطاعم سنة بعد سنة.

فقطاع الأغذية والمشروبات، يواجه غلاء الأسعار والنفقات التشغيلية المرتفعة جدا؛ اذ أنه يدفع متوجبات هائلة للدولة اللبنانية، من كهرباء وماء وضرائب عشوائية – وهذه التكاليف تعتبر مرتفعة جدا بالمقارنة مع دول أخرى - لكنه لا يجد شيئا في المقابل، لمساعدته على الازدهار والاستمرار. وهذا الأمر محزن ومؤسف للغاية، لأن القطاع يوظف حوالي 150 ألف عائلة لبنانية، أي نحو 400 ألف شخص.

ومن هنا، نتوقع أن نشهد على العديد من الإقفالات في المرحلة المقبلة، فبالاضافة الى المشاكل الذي ذكرتها سابقا، أصبحنا مؤخرا نواجه أيضا تقلبات سعر الدولار مقابل ​الليرة اللبنانية​، بالاضافة الى جشع بعض الموردين، الذين لا يرضون الا بالدفع نقدا وبالعملة الأجنبية، أو بحسب سعر الصرف في السوق الموازي، في حين أن أسعار المطاعم ما زالت تتبع سعر صرف الرسمي؛ أي نبيع منتجاتنا على الـ1500، بينما نشتري المواد المستخدمة في صناعة هذه المنتجات، على سعر الـ2200 أو أكثر.

ولكن في المقابل، يواجه الموردون اليوم، العديد من المشاكل، في ما يتعلق باستيراد البضائع وتحويل الأموال؛ ونحن كمطاعم، نتفهم وضعهم، بسبب التزاماتهم مع الخارج، وعدم القدرة على الحصول على السيولة من المصارف.

- في ظل الضبابية المسيطرة على المستقبل، هل لديك أي مشاريع أو أهداف ستسعين الى تحقيقها؟

يمكن توصيف الوضع في لبنان بعبارة "wait and see" أي "انتظر وانظر"، وبالتالي علينا الانتظار الآن، لنرى ما يحمله لنا المستقبل، لكي نحدد حينها الاجراءات التي سنتخذها. ولكن اليوم، لا توجد أي توقعات على الإطلاق، بل نعيش كل يوم بيومه!

نتمى أن تكون المرحلة القادمة إيجابية، لكي نواصل مسار التطور الذي كنا نتبعه.

- هل تشعرين بالتقصير تجاه أي جانب من حياتك بسبب العمل، أم أنك تنجحين في تحقيق التوازن؟

بإمكان المرأة تحقيق التوازن بين العائلة والعمل، من خلال تنظيم الوقت وتقسيمه، بطريقة مدروسة ومفيدة.

ولا شك أن المرأة غير العاملة، تخصص المزيد من الوقت لأولادها ومنزلها، في حين أن المرأة العاملة قد تعاني من القليل من التقصير في مكان معين، ولكن معظم الدراسات قد أثبتت، أن أولاد الأمهات العاملات، يتحلون بالمزيد من الاستقلالية والثقة.

بالنسبة لي، أولويتي لأولادي طبعا، لكنني أعمل دائما على تقسيم الوقت قدر الإمكان، ولهذا السبب، أتمنى أحيانا أن يكون نهاري أطول من 24 ساعة فقط، لكي أتمكن من إنهاء كامل واجباتي والاهتمام بمسؤولياتي كافة.

نحن لسنا "المرأة الخارقة"، ولا نستطيع دائما القيام بكل شيء في آن واحد، وبشكل ممتاز، لكننا نحاول حتما إيجاد الوقت الكافي للاهتمام بجوانب حياتنا المختلفة، كي نبتعد قدر الإمكان عن التقصير.

- نصيحة الى النساء.

المرأة اللبنانية​ ليست بحاجة الى نصيحة من أحد، فقد برهنت قوتها في مختلف المجالات، وأثبتت أنها تتحلى بصفات القائدة، وأنها قادرة على الوصول الى كل الأهداف والأحلام التي تؤمن بها.

أنا أشجع بناتي دائما على متابعة الدراسة، والعمل بجدية، والتحلي بالاستقلالية، وإحاطة أنفسهنّ بأشخاص داعمين، يدفعون بهنّ نحو الأمام، وذلك لكي يحققن أبعد الطموحات!