​​​​​​​

أن تصل إلى نجاح مشروعك النّاشئ يعدُ أمراً مميزاً، لكن أن تجمع هذا النجاح بالعمل الإجتماعي فهذا إستثنائي، أما إذا ما استعطت أن تضيف إلى نجاحك وتطوعك الإجتماعي إنجازاً بيئياً فهذا يعدُّ سابقة وغير مألوف.

هذا ما استطاع الشاب عمر عيتاني البالغ من العمر 24 عاما تحقيقه من خلال شركة "Fabric Aid"، التي أسهها قبل عامين.

ويتمثل ابتكار عيتاني من خلال مؤسسته، في جمع وفرز وإعادة توزيع الملابس للمجتمعات المحرومة، بما في ذلك اللاجئين من ​سوريا​ و​فلسطين​، بأسعار لا تزيد عن دولارين، ما يضفي حياة جديدة على القماش الذي تم حرقه أو إلقاؤه سابقا في حاويات القمامة.​​​​​​​

وفي مقابلة خاصة مع "الاقتصاد" شرح لنا عيتاني فكرته ونجاحه الذي أوصله إلى العالمية:

كيف بدأت الفكرة ؟

​​​​​​​

"أسست مشروعاً مدرسياً في آخر سنتين دراسيتين يختص بالمجال الإجتماعي، ومن هنا إنطلقت في مشروعي الناشئ، بهدف خلق فرص عمل، وحل مشكلة إجتماعية موجودة بالفعل.

خلال سنتي الدراسية الرابعة في الجامعة، نزلت إلى حي فقير في بيروت وبدأت بسؤال السكّان عن احتياجاتهم من الثياب والأحجام، لأربط بين الثياب الموجودة لدي واحتياجات الناس، وعندها بادرت إلى تجميع الثياب من أصدقائي ومعارفي، لتنتشر هذه الظاهرة عندنا.

وأول نجاح حققناه، كان بكمية الثياب المستعملة الكبيرة التي استطعنا الحصول عليها، حيث لم يعد بمقدورنا تجميعها في منزل وذلك بعد 3 أشهر من انطلاق هذا العمل وهذه الفكرة."

ما هي أول عقبة واجهتك في هذا المشروع ؟

"عندما حققت نجاحاً وبات حجم الثياب لدي كبيراً وبت غير قادر على إدارة هذا العمل وحدي، ذهبت لكي أبحث عن ​جمعية خيرية​ تستطيع أن تقوم بهذا العمل وتكمل هذه المهمة عني.

ولكني توصلت إلى إن العمل الذي نقوم به يحتاج إلى خطوات، تبدأ من الحصول على الثياب ثم القيام بفرزها وبعدها تنظيفها وعرضها بشكل لائق، فيما كل الجمعيات في ​لبنان​ لا تمتلك القدرة على القيام بهذه الآلية نظراً لكمية الثياب التي باتت موجودة لدينا.

ما حصل، أن جمعيات كانت تقول أنّها لا تعمل في مجال الثياب، ولا تستقبل هذا النوع من ​التبرعات​ ويكون عملها محصوراً بتقديمات أخرى.

ومشكلة أخرى سيئة واجهناها مع بعض الجمعيات، هي قيامها بوضع الثياب في غرف كبيرة دون فرز وتنظيم ما يعطي صورة سيئة للمحتاج.

أما ما اعتمَدَته بعض الجمعيات، هو القيام بتنظيم الثياب وتوزيعها بشكل عشوائي على النازحين أو المحتاجين وهو ما يفشل فكرة إيصال المساعدة الأمثل للشخص الصحيح."

كيف كانت الإنطلاقة للشركة؟

"بعد فشل فكرة إعطاء الثياب لجمعيات تقوم بتوزيعها طبقاً لما ذكرناه، قمنا بدراسة أظهرت أن الجمعيات التي تقوم بتوزيع الثياب بعشوائية، لا تقوم بذلك بنية سيئة، إنما لغياب الإمكانات. فهذا العمل يحتاج متخصصين في هذا المجال، وتمويلاً كبيراً لموظفين ولامتلاك أماكن واسعة.

فيما الجمعيات تصارع بسبب شح التّمويل، والرقم الصادم هو أنه في لبنان 2.2 مليون شخص بينهم مليون لبناني يعيشون تحت خط ​الفقر​، ولا يستطيعون الحصول على ثياب مرتّبة ولا أي مقوّمات حياة، وهذا وفقاً لإحصاء رسمي صادر عن وزارة الشؤون الإجتماعية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وبسبب غياب الآلية الصحيحة، لا يتم إيصال الثياب من الأشخاص الأغنياء أو المقتدرين إلى المحتاجين، فيقوم المحتاجون بالذهاب إلى محلاب بيع الثياب المستعملة حيث الأسعار ليست رخيصة، والعرض سيئ، فيما يتم ​استيراد​ الثياب من الخارج بالدولار بينما هناك ثياب مستعملة في لبنان لا يتم توزيعها أو بيعها.

​​​​​​​

الفكرة أتت من هذه النقطة ووضعنا خطة بالتالي:​​​​​​​

نجمع الثياب من خلال حاوياتنا، وهذه الحاويات نقوم بوضعها نحن، ونعمل بأخذ هذه الثياب وفرزها وتنظيفها وتوزيعها من خلال محلات نعمل على إنشائها، والثياب تتراوح كلفتها بين 500 ليرة و 3000 ليرة كحدٍ أقصى.

وهذه المحلات تعمل على ديمومة الشّركة، الناس عندما يدخلون إلى المحل يشعرون بـ "عزّة النفس" لأن لا شيء يشير إلى عمل خير، بل الدّخول إلى المحل يشبه أي محل ثياب تجاري آخر، بثياب مرتبة معلّقة مع ورقة للسعر على كل قطعة، وغرفة للقياس، ومساعدة شخصية من موظفين، دون أن يشعر المحتاج بأي شفقة ومِنَّةٍ من أحد."

من أين جاء التمويل لاستئجار محلات للعرض ومستودعات للفرز ؟

"كما كل شيء في الحياة، هناك خطوات أوّلية واعتماد على الذّات، وقمنا في البداية باستعارة مستودع لأحد الأقارب، عملنا فيه على فرز الثياب، كما قمنا بالعمل مع جمعيات وبلديات تعطينا أماكن لأيام قليلة تساعدنا على تجميع الثياب والفرز."

أي سنة بدأ المشروع ؟ وهل توسّعت أعمال الشّركة ؟

​​​​​​​

"بدأنا العمل على المؤسسة منذ بداية الفكرة في منتصف 2017، وبدأ العمل على الأرض منذ بداية 2018، أي أننا أصبحنا نعمل منذ عامين.

وخلال هذه الفترة أصبحت شركتنا رسمية، فيها 20 موظفاً مسجلين ورسميين، لدينا مستودعين اثنين، وثلاثة محلّات.

المكتب الرئيسي يقع ضمن بيروت، والمستودعات في منطقة رومية والأساسي قرب ​صيدا​.

أما المحلّات فهي موجودة في وادي الزينة، و​طرابلس​، ونعمل على افتتاح محلّين جديدين في عكار وفي بعلبك."

​​​​​​​

ما رمزية التسمية التي أطلقتموها على الشركة والمحلات ؟​​​​​​​

"إسم المؤسسة الأساسي المعتمد كاسم الشركة الرسمي هو "Fabric Aid"، أما اسم المحلات فهو "سوق الخلنج"، والرمزية هنا أفسّرها بالمثال (عندما تشتري سيارة يقول لك البائع سيّارة خلنج أي أنها "غير شكل")، بحيث أن الهدف من المحل أن لا يحمل إسم جمعية أو إسماً للعطاء، نريد للمحلات أن تحمل إسماً عادياً كأي محل تجاري آخر، لا نريده محلّاً خيرياً بل محلّاً يحفظ ماء وجه المحتاج."

​​​​​​​

كيف تحصلون اليوم​​​​​​​على التمويل ؟

"من خلال المسابقات التي ربحناها اكتسبنا تمويلاً كبيراً، وهنا أتكلم عن أكثر من 15 مسابقة على المستوى العربي والدّولي، ساهمت بتمويل يقارب 400 ألف دولار، كانت أساس رأس المال الذي بدأنا العمل به.

ومؤخراً بدأ عدد من المستثمرين اللبنانيين بالاستثمار ضمن الشّركة."

ما إنجازاتكم اليوم والأهداف المستقبلية ؟

"توصلنا اليوم إلى شركة إستثمارية هدفها إجتماعي تحقق أرباحاً وأهدافاً إجتماعية، وتعمل على توظيف الشباب ومساعدة عشرات الآلاف من المحتاجين.

في العام 2018 تمكنّا من بيع 40 ألف قطعة ثياب

وفي العام 2019 الجاري، استطعنا تجاوز الـ 100 ألف قطعة ثياب

أما الهدف المستقبلي للشركة فإننا في العام 2020 المقبل، نخطط عبر افتتاح المحلين الجديدن ليصبح عدد محلّاتنا 6 محلات، وهدفنا العام المقبل بيع أكثر من 300 ألف قطعة ثياب.

كيف يقسّم عمل الشّركة اليوم؟

​​​​​​​

"الشركة لديها 3 أقسام مختلفة في عملها:

القسم الأول، هو المالي أي استثماري كأي شركة أخرى.

القسم الثاني، يختص بالمجال البيئي.

أما القسم الثالث، فهو ما يختص بالقسم الإجتماعي.

وفي الشهر الماضي ربحنا جائزة في ​نيويورك​ في المجال البيئي الذي نقوم به، حيث أن قسماً كبيراً من ​النفايات​ في لبنان الموجودة في المطامر، هي نفايات نسجيّة تتألف من الثياب والفرش.

نحن نقوم بجمع هذه النفايات، وخلال مدّة عملنا استطعنا أن نجمع أكثر من 100 طن من الثياب، وتوقعاتنا أن ننهي العام عند 120 إلى 125 طن من النفايات النسجيّة التي نكون قد جمعناها.

وفي نيويورك كُرّمنا لأن هذه 125 طن التي نقوم بجمعها لا يتم رمي أي كمية صغيرة منها، حتى إذا كانت غير صالحة للإستعمال.

نحن نقوم بفرم قطع الثياب هذه، ونقوم بإعادة تصنيعها لثياب جديدة وأغطية وأمور نسجية أخرى، ونقوم ببيعها. وبعنا منها في لبنان و​فرنسا​ و​سنغافورة​ أيضاً.

كل التصنيع يحصل في لبنان والعاملون في الخياطة هم ضمن لبنان، ولكن نتيجة صغر السوق اللبناني، فإننا نعمل للبيع والتصدير إلى الخارج.

ومن خلال هذا العمل استطعنا تشغيل 80 شخصاً غالبيتهم من ​النساء​ يعملون في مجال الخياطة وتصليح الثّياب.

ومشروعنا الجديد هو إعادة تدوير 10 أطنان من الثياب مع 80 امرأة موجودة في الشمال."

حل حصل أي تواصل أو دعم رسمي للشركة ؟

"خلال عامين منذ بداية المشروع تواصلت معنا وزارة الشؤون الإجتماعية وزارت مستودعنا، وأثنوا على عملنا، واقتصر ذلك على التشجيع من دون إقامة ​خطة عمل​ مشتركة أو دعم لنا، وذلك نتيجة الإمكانات المحدودة، لوزارة الشؤون الإجتماعية."