بدأ العد العكسي في لبنان، أولا لتصنيف لبنان السيادي الذي من المتوقع أن تصدره "ستاندرد أند بورز" يوم الجمعة المقبل، وثانيا لجلسة ​مجلس الوزراء​ المقرر انعقادها الخميس في المقر الرئاسي ​الصيفي​ في ​بيت الدين،​ وعلى جدول أعمالها 46 بندا.

وفي ظل حالة الترقب في الأسواق المحلية، أكد وزير المال ​​​علي حسن خليل​​​ أن الوضع الإقتصادي يتطلب جرعات إنقاذية متتالية وبشكل فوري، لافتا الى أن المسؤولية تقع على القوى السياسية وعلى الحكومة بالدرجة الأولى لخوض هذا التحدّي، ومن الضروري إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية من أجل رسم العلاجات المطلوبة، وتدارك أي مخاطر أو منزلقات يمكن أن ينحدر إليها الوضع الإقتصادي.

فما هي تداعيات خفض التنصيف على الوضع الاقتصادي في لبنان وعلى ​المصارف​ المحلية؟ أين تكمن التحديات الكبرى التي يجب على الحكومة معالجتها بشكل فوري؟ وما هي متطلبات المرحلة الراهنة؟

أجاب على هذه الأسئلة وغيرها، أمين عام المؤتمر الدائم للفيدرالية، د. ​ألفرد رياشي​، في هذه المقابلة الخاصة مع "الاقتصاد":

يعزز جو زيارات بيت الدين مناخا سليما، والأنظار متجهة حاليا نحو جلسة مجلس الوزراء المقبلة المقرر انعقادها يوم الخميس في المقر الصيفي للرئيس عون. ما هي أهم المواضيع التي يجب التركيز عليها خلال المرحلة الراهنة؟

يواجه لبنان تحديات كثيرة في السنوات القليلة الماضية، وذلك لأسباب عدة، تتخذ أهمها طابعا نظاميا، يتعلق بتركيبة النظام وسلبياته؛ وهذه السلبيات تتيح لبعض الأطراف الدخول بمحاور إقليمية وأحيانا دولية.

وقد لاحظنا مؤخرا البدء بالعمل على الخلافات السياسية التي أدت الى إيقاف العمل الحكومي لمدة حوالي شهر ونصف، ما أثر سلبا على الاقتصاد. لكن مشاكلنا الأساسية منقسمة الى جزأين: الأول داخلي والثاني خارجي.

ومن هنا، فإن جلسة يوم الخميس تواجه تحديات أساسية:

التحدي الأول، يرتكز على الجمود الحاصل في لبنان والذي يتحول من تباطؤ اقتصادي، دخلنا فيه بالفعل، الى نمو سلبي وانخفاض في ​الناتج المحلي​. وبالتالي بات الخوف موجود اليوم من الوصول الى تراجع حاد أو انهيار.

التحدي الثاني، يكمن في ​سندات الخزينة​ التي لم يعد من السهل تسويقها في ظل تراجع الطلب عليها.

أما التحدي الثالث، فيتمثل في التصنيفات والأموال التي كانت منتظرة من مؤتمر "سيدر".

وانطلاقا من هذا الواقع، لا نعرف الى أي مدى من الممكن أن تتحسن الأوضاع العامة في ظل غياب الرؤية الواضحة والاستراتيجية الفاعلة وآليات العمل.

أكد وزير المال علي حسن خليل أمس على ضرورة إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية. ما رأيك بهذا التصريح وهل تؤيده؟

المطلوب وضع ​خطة عمل​ واضحة، وخلق لجنة طوارئ اقتصادية مؤلفة من اختصاصيين وسياسيين. وبالتالي أؤيد كلام الوزير خليل، مع العلم أنه كان من المفترض القيام بهذا الإجراء منذ فترة طويلة، وقد طالبنا بذلك مرات عدة منذ سنوات. ولكن أن تأتي الخطوة متأخرة أفضل من أن لا تأتي أبدا.

ونتمنى أن لا تكون "الطوارئ الاقتصادية" مجرد شعار، بل أن تتمتع لجنة الطوارئ بالقدرة على الدخول في الحلول السياسية، والتفكير في كيفية التخفيف من مفاعيل التوترات الحاصلة والعقوبات المفروضة، من أجل الضغط على القوى المحلية.

مع الاقتراب أكثر فأكثر من صدور تقييم "ستاندرد أند بورز"، يتزايد التخوف من خفض تصنيف لبنان، وتداعياته على الاقتصاد المحلي. ما هي أسباب هذا الخوف؟ وكيف سيتأثر لبنان بعد صدور التقييم؟

في الماضي، كان ​الوضع النقدي​ والناتج المحلي والاقتصادي أفضل من ما هو عليه اليوم، وبالتالي لن يتأثر كثيرا بأي هزة أو تراجع.

لكن اليوم، باتت الوضعية المالية للسوق في لبنان في حالة من الترقب، وخاصة بالنسبة الى المستثمرين وأصحاب المعامل والشركات، الذين يعيشون في توتر وضغط نفسي.

وبالتالي، فإن أي خبر من هذا النوع يخلق نوعا من المفاعيل السلبية التي لها تأثيرات أكثر من الماضي. فالتوقعات تسهم في تحديد المسار الاقتصادي للبلاد، وأي مؤشر أو اشارة سلبية تؤثر اليوم أكثر من الماضي، ويكون صداها مضاعفا عن ما كان عليه منذ سنتين أو أكثر، وذلك لأن الوضع حينها كان أفضل، والتراجع البسيط لم يكن ليتسبب بخراب. 

هل تتمتع ​المصارف اللبنانية​ بالقدرة على التعاطي مع التقييم الجديد المنتظر والحفاظ على ملاءتها وسيولتها؟

قدرة المصارف لم تعد كما كانت عليه في الماضي، وملاءتها ستكون في حالة جمود خاصة أن جزءا كبيرا من ​استثمارات​ المصارف قد وضع في السندات، التي تعاني بالأساس من غياب الطلب على الاستثمار فيها.

والخبر السار، أن جزءا كبيرا من الاقتصاد بات "مدولر"، ومن هنا، فإن التأثير على العملة لا يشكل أي خطرا، ولن نشهد على انهيارها كما حصل في الثمانينات. لكن الخطر الأساسي يكمن في الاقتصاد ككل. فالحركة شبه غائبة في مختلف القطاعات، مثل القطاع التكنولوجي، الصناعة، الزراعة، الإعمار والبناء بسبب جمود القروض ​الإسكان​... كما هناك شركات أقفلت أبوابها وأخرى قلصت من جحمها... لكن القطاع ​السياح​ي تحرك الى حد ما في الآونة الأخيرة، بسبب قدوم الزوار المغتربين وبعض السياح.

فجرس الخطر قد قرع منذ مدة طويلة، والسفينة بدأت تمتلئ بالماء، والاستراتيجيات غائبة في ظل توارد الاقتراحات العشوائية. ولهذا السبب، نحن بحاجة الى اقتراحات وحلول جذرية طويلة الأمد، ومنها:

أولا، التوصل الى حلول سياسية تحاكي الفيدرالية وتعتمد عليها، بالإضافة الى التوافق على اعتماد الحياد الإيجابي.

ثانيا، خلق لجنة تضم خبراء اقتصاديين وفعاليات سياسية أساسية مثل رئيس الجمهورية، ورئيس ​مجلس النواب​، ورئيس الحكومة، و​حاكم مصرف لبنان​، والوزراء المعنيين بالسياسة والاقتصاد، والخبراء والاستشاريين.

الاقتراح الثالث، والذي يعدّ صعبا، يكمن في حلّ الحكومة وتأليف حكومة تكنوقراط.

أما الاقتراح الرابع والأصعب، فيتمثل في الوصول الى تغيير النظام ليحاكي التعددية، ويكون شعاره "الفيدرالية والحياد الإيجابي".

ففي ظل غياب التغييرات الجذرية، ستكون الخطوات مجرد "ترقيع"، وسوف نكذب على أنفسنا وعلى غيرنا.