تسلّحت بالطاقة والديناميكية، فشقت طريقها بثبات، وثابرت على تحقيق أهدافها وتطوير أعمالها. كما سعت بكل جهدها لوضع الأهداف الصائبة التي تسهم في تطوير القطاع الزراعي في لبنان، فلم تتوارَ أبداً عن بذل كل ما بوسعها من أجل تحسين التقنيات المستخدمة والوصول الى الابتكار المستدام.

شخصيتها قيادية بامتياز، وتاريخها ناصع في سعيها الحثيث للوصول دائما الى ما يعدّ الأفضل للمزارع و​المستهلك​، على حد سواء. ومن خلال طموحاتها اللامتناهية، وتجاربها العملية الغنية، وخبراتها الطويلة، توّجت مسيرتها بإنجازات رائعة، وسطّرت قصة نجاح مبهرة.

نادين الخوري قاضي هي الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة "Robinson Agri"، والمدير العام لشركة "Elysée WISE"، وعضو في المجلس اللبناني للسيدات القياديات، "WLC"، وفي مركز "Agrytech" المتخصص بالابتكار الزراعي الغذائي.

فلنتعرف اليها أكثر في هذه المقابلة الحصرية لموقع "الاقتصاد":

- من هي نادين الخوري قاضي؟

تخصصت في الهندسة الزراعية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، وحصلت مؤخرا، أي بعد 25 سنة على التخرج، على شهادة الماجستير "Cercle des Dirigeants"، أي "دائرة القادة" الخاصة بالشركات العائلية والمدراء التنفيذيين، من "الكلية العالية لإدارة الأعمال"، "ESA".

فكلما تقدمنا في العمل وغصنا في أعماقه، كلما شعرنا بضرورة التعلم أكثر من أجل البقاء على اطلاع بأحدث التقنيات؛ وذلك بهدف تعليم الذات أولا، ونقل المعرفة الى فريق العمل بالدرجة الثانية.

وبالنسبة الى "Robinson Agri" فهي شركة زراعية أسسها والدي عام 1971، وقد سلماها الينا، أختي وأنا، بشكل كامل عام 2000. فقد تخصصت في الهندسة الزراعية، أما أختي فاختارت مجال إدارة التسويق؛ وتجدر الاشارة هنا، الى وجود إخوة شبان في العائلة، لكنهم لم يحبذوا العمل في هذا المجال.

ومن هنا، يمكن القول أن أساس الشركة كان موجودا، وقد تقدم لنا هذا المشروع "على طبق من فضة"، اذا صح التعبير. لكن التحديات الأكبر تكمن في أننا شقيقتان تعملان معا على إدارة الشركة. فنحن نتعامل مع المزارعين والمهندسين الزراعيين، وبالتالي فإن 99% من زبائننا هم من الرجال، والتحدي الأكبر كان يكمن في القدرة على إيصال الرسالة وإبراز قدراتنا وإدخال التقنيات الجديدة في الزراعة من أجل الوصول الى الابتكار المستدام.

اذ شاءت الظروف أن ننخرط في القطاع الزراعي في لبنان، ونحن نؤمن بأن أساس ​الاقتصاد اللبناني​ هو الزراعة، لأنه يسهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة، في تأمين فرص العمل لحوالي 23% من الشعب. وبالتالي شعرنا أننا كقطاع خاص، نحمل مهمة أو قضية معينة؛ فأنا يهمني بالطبع الربح المادي، ولكن في الوقت ذاته، أسعى لإيصال رسالة تحث الناس على الوصول الى مستقبل صحي أكثر.

فبلد يتغنى ب​المياه​، وكل منطقة فيه تتمتع بمناخ مختلف يتيح لها زراعة مختلف أنواع الخضار و​الفواكه​؛ فلبنان هو تقريبا البلد الوحيد الذي ترزع فيه أشجار الموز والتفاح.

وبسبب إيماننا ببلدنا وبالطاقات الموجودة فيه أردنا تطوير الزراعة، ومن هنا نحاول إدخال مفهوم الزراعة الذكية، أي الاستعانة بالتكنولوجيا للحفاظ على ​الموارد الطبيعية​ والمياه والتربة.

فرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل قال ذات مرة: "we make a living by what we get but we make a life by what we give"، أي "نكسب لقمة العيش من خلال ما نحصل عليه، ولكننا نجني حياةً من خلال ما نقدمه".

- أخبرينا أكثر عن مشروع "QOOT" الذي تركزون عليه في الوقت الحاضر؟

أطلقنا مؤخرا مشروع "QOOT"، الأول من نوعه في لبنان، بالتعاون مع "بيريتيك" والسفارة الهولندية. وهذا المشروع يشكل أول مجموعة للابتكار في مجال الأغذية الزراعية في لبنان، وقد تعاونا من خلاله مع الشركات المتخصصة في سلسلة القيمة الغذائية (food value chain)؛ أي الشركات الزراعية، و التعبئة والتغليف، والمأكولات،...

وهذا المفهوم أساسي للغاية في لبنان، ويجب الإضاءة عليه من أجل توعية الناس على أهميته، فنحن نسعى من خلاله الى التعاون مع الجامعات - كونها الجهة التي تخرّج اليد العاملة المستقبلية - لإطلاعها على المشاكل والتحديات التي نواجهها، لكي تعرّف بدورها الطلاب الى طبيعة عملنا، وتحضّرهم للدخول الى سوق العمل.

ففي عصر اليوم، باتت الأمور تتطور بسرعة، وبالتالي إن لم نركز على التعاون والابتكار في شركاتنا، سنصل حتما الى خط النهاية. ومن هنا، فإن سر نجاحنا في "روبينسون أغري"، يكمن في الابتكار المستدام.

- هل يتقبل المزارعون بسهولة فكرة الانتقال من الزراعة التقليدية الى الذكية؟

الأمور صعبة حتما، والمزراع بحاجة الى بعض الوقت من أجل التأقلم مع التقنيات الجديدة. ولكن منذ عام 2000 الى حد اليوم، لدينا العديد من قصص النجاح اللبنانية في القطاع الزراعي، ولكن للأسف، لا يتطرق الاعلام كثيرا الى هذه المواضيع.

- هل كنت ستختارين العمل في مجال آخر لو لم تكن هذه الشركة العائلية موجودة؟

سألت نفسي هذا السؤال ذات مرة، لكنني تربيت على مفهوم الزراعة وأحببته، كما أنني كنت منخرطة في الحركة الكشفية وأعمل مع والدي في هذا المجال منذ عمر صغير. وبالاضافة الى ذلك، نحن من قرية اسمها بشعلة، في الشمال اللبناني، تحتضن أقدم زيتونة في العالم. وبالتالي لطالما تعلقت بالزراعة ورغبت في تطويرها.

- كيف نجحت نادين الخوري قاضي في تطوير العمل وتحسينه؟

أتبع استراتيجية الـ"4 Ps"، لكي أطور نفسي، وأنقل الرسالة التي أؤمن بها:

أولا، "Patience"، أي "الصبر"، وذلك لأن التغيير في الزراعة بطيء.

ثانيا، "Perseverance"، أي "المثابرة"، لكي نستمر بالمحاولة رغم الصعوبات والعوائق.

ثالثا، "People"، أي "الأشخاص"، لكي نتبادل الخبرات مع بعضنا البعض والوصول الى تغيير طريقة التفكير.

رابعا، "Passion"، أي "الشغف"، من أجل العطاء بحب وتفاؤل.

- ما هو الإنجاز الأكبر الذي حققته الى حد اليوم؟

هناك ثلاثة إنجازات حققتها منذ استلامي الشركة عام 2000:

أولا، غيرت طريقة زراعة الجزر بالكامل. ففي الماضي كانوا يزرعون يدويا جميع الأنواع الموجودة، لكننا أحضرنا الجزر الهجين والآلات المتخصصة بالزرع والحصاد والتنظيف، من أجل الحد من استخدام ​الأدوية​ الزراعية، لكي يصبح المزارع قادرا على تصدير إنتاجه الى الخارج، ويجني المزيد من الأرباح.

ثانيا، عندما سافرت الى ​هولندا​ لاحظت أنهم يطعّمون الخضار؛ فنحن بالعادة نطعّم أشجار الفواكه فقط. ولكن اكتشفت نظاما جديدا لتطعيم الخضار من أجل تخفيض استخدام الأدوية الزراعية بنسبة 90%. ويحصل بذلك المزارع على إنتاج أكثر بـ35%.

ومن هنا، أسسنا مشتلا خاصا بتطعيم الخضار، وركزنا على توظيف ​النساء​ اللواتي هن بحاجة الى العمل من أجل مساعدة عائلاتهن، وذلك ضمن إطار "المسؤولية الاجتماعية للشركات"، "CSR".

ثالثا، أدخلنا مفهوم الـ"hydroponic" أي الزراعة المائية. وبدأت هذه التقنية باستقطاب الأشخاص الذين لا يعملون بالأساس في القطاع الزراعي؛ وهذا هو هدفنا الأساسي. فنحن نريد أن يعي الناس جيدا أن الزراعة بالتكنولوجيات الجديدة، تعتبر مدرة للأرباح.

- هل تعرضت كامرأة، الى أي تمييز في إطار العمل بسبب استلامك لمركز إداري؟

لم أتعرض يوما الى هذا النوع من المشاكل، فالمرأة التي تعي تماما كيف تفرض نفسها وشخصيتها، لن تقع أبدا ضحية لهذا التمييز.

فعندما تتواجد المرأة في المناصب العليا ومراكز القرار، تكون المثال لكل الموظفين، وبالتالي عليها أن تمثّل أهم الصفات وأعلى المواصفات.

فقد واجهت صعوبة في التنسيق بين العائلة والعمل والأولاد، ولكن من ناحية العمل والتعاطي مع الناس، لطالما سارت الأمور بسلاسة. فأنا أقول دائما أن العقل البشري يجب أن يكون مثل ورقة "excel"، وإلا فلن يتمكن الانسان على الإطلاق من تنظيم مختلف جوانب حياته، لكي يحقق التوازن المطلوب؛ لكن لحسن الحظ أن المرأة بطبيعتها متعددة المهام و"بتلحق على كل شي".

- ما هي طموحاتك المستقبلية؟

أطمح للمحافظة على موارد لبنان، وإدخال التكنولوجيا الى القطاع الزراعي، بالاضافة الى تنمية ثقافة العائلة والشركة والموظفين، لكي يثقّفوا بدورهم عائلاتهم.

فثقتي كبيرة في المزروعات اللبنانية، لأن لبنان لا يزال، الى حد ما، من أكثر البلدان نظافة في القطاع الزراعي؛ اذ لا يوجد لدينا أي خضار معدل جينيا، كما أن المزارع المحلي يسعى دائما للحفاظ على الطعم اللذيذ في منتجاته كافة.

- ما هي الصفات التي تساعد الانسان على التقدم في مسيرته المهنية؟

أولا، التخلي عن العناد والاستماع الى الآخرين، وتقبل الملاحظات والانتقادات، ومعرفة كيفية التواصل مع الأشخاص من أجل التعرف الى أحدث التقنيات والاستراتيجيات في مجال عمله.

ثانيا، عدم التوقف عن التعلم وطلب المعرفة.

ثالثا، تقسيم المهام والمسؤوليات بين فريق العمل، وذلك لكي ينال ​رب العمل​ بعض الراحة، ويحصل على الإجازات. كما أن الشركة لا تتطور إلا من خلال تنمية قدرات الموظفين ومهاراتهم.

- هل تلقيت الدعم من المحيط والعائلة طوال فترة عملك؟

والدي وضع كامل ثقته بابنته وترك لها شركته؛ مع العلم أن هذا الأمر ليس سهلا على الإطلاق في مجتمعنا، وخاصة أنه لديه ولد ذكر.

كما أن زوجي تقبل مسيرتي المهنية، وسفراتي، و​ساعات العمل​ الطويلة. وبالتالي لولا دعم زوجي، ووالدي، وأولادي، وعائلتي، لما كنت وصلت الى ما أنا عليه اليوم.

- ما هي الرسالة التي تودين إيصالها الى المرأة اللبنانية من جهة، والى المزراعين المحليين من جهة أخرى؟

أنصح المرأة أن تكون شغوفة وتلاحق أحلامها؛ فالانسان الطموح يصل الى طموحاته، مهما كلف الأمر!

وطالما أن الشغف قائم والحلم موجود، لن يستطيع أي عائق أن يقف في وجهها، وستصل حتما الى أهدافها كافة.

والى المزارعين أقول:

أولا، أنصح الجميع في المحافظة على القطاع الزراعي من خلال تطوير الزراعة الذكية.

ثانيا، أسعى الى توعية المزراع والمستهلك، بهدف أن يكون الانتاج أكبر وأنظف، وقابل للتصدير.