في البداية كان لبناء القطار اهداف ملّحة، و جاء اختراعه عام 1825، على يد رجل اعمال كبير بريطاني الجنسية اسمه جورج ستيفنسون . في تلك المرحلة ، لم يكن الغرض من القطار ينطبق على ​القطارات​ المتعارف عليها في هذا العصر . ولم يكن القطار بمفهومه الحالي هو المقصود؛ فقد أوصى المخترع ستيفنسون بعمل القطار في تلك الحقبة لضرورة ايجاد وسيلة جيدة تنقل بضائعه من البلاد الأخرى إلى بلده ​المملكة المتحدة​ ، وبعد ذلك تم التأكد أنه بالامكان الاستفادة من هذه الوسيلة في أهداف أخرى مثل نقل الركاب .

وكانت اول مرة ​سار​ فيها القطار في ​انكلترا​ عام 1825. وفي نهاية القرن التاسع عشر، دخل القطار الى ​مصر​ .

في ​لبنان​، كان هناك قطار عرفته اجيال سابقة تعاودها اليوم ذكرياته . وفي القصص المتناقلة ان تسمية بلدة صوفر اتت بعدما كان اهاليها يسمعون صوته خلال مروره من بيروت صعودا الى منطقة البقاع بمرورا بها . وكانوا يقولون : " هذا هو التران يصوّفر".

في صخب هذا العالم المكتظ بالحركة ، والتنقلات اليومية بين اكثر من منطقة وما يرافقها من ازدحام سير خانق وانبعاثات تلّوث سام وخطير تبرز الحاجة الملحة الى عودة "ترامواي "بيروت الذي يشق طريقه وفق سكة واحدة مستقيمة اذا صح التعبير ، يربط المناطق اللبنانية ببعضها البعض ، ويصل لبنان بجواره وبالخارج ، مختصرا المسافات وملبيّا للحاجات.

تم انشاء اول سكّة حديد في لبنان عام 1895، بعدما افتتحت شركة "الخطوط ​الحديد​يّة العثمانيّة الاقتصاديّة "من بيروت – دمشق – حوران – بيره جك، المملوكة من الضابط الفرنسي السابق الكونت إدمون دو بيرت لويس، أول خطّ لسكة الحديد يربط بيروت بالشام ومن ثم بحوران وصولاً إلى البيرة، وذلك بعد ما حصلت على امتياز إنشاء واستثمار سكّة حديد من السلطنة العثمانيّة.

مرت اوضاع خطوط سكة الحديد بمراحل عدة من العثمانيين الى الفرنسيين . وعام 1956،في عهد الرئيس فؤاد شهاب ، استردت الدولة اللبنانيّة خطوط سكك الحديد التي تصل بيروت بدمشق، و​طرابلس​ بحمص، من الشركة الفرنسيّة ثمّ وحّدت كلّ خطوط سكك الحديد بما فيها الخطّ الذي يصل بيروت بالناقورة، تحت اسم "سكك الحديد اللبنانيّة" ، وأنشأت "مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك" في العام 1961، وأوكل إليها إدارة واستثمار الخطوط الحديديّة، والتي استمرّت بنقل الركاب حتى اندلاع الحرب اللبنانيّة في عام 1975. وظل القطار رغم ​الاحداث​ الامنية يعمل رغم الاحداث الدامية بصعوبة حتى عام 1995 .

وللاسف ، رغم ايجابيات هذه الوسيلة التي يعتمد عليها كثيرا في البلدان المتطورة ، لم تكن فكرة إحياء سكّة الحديد من أولويات الحكومات المتعاقبة، والتي استعاضت عن المشروع بتلزيمات بناء أوتوسترادت وجسور، رغم وجود عدد لا يستهان به من الدراسات .

اما اليوم فعودة "التران " يتناولها بعض المسؤولين ويندفع باتجاهها الكثير من المتطوعين الذين لم يتوقفوا عن اظهار جدوى استعمال القطارات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية ، علما ان ثمة شركات دولية تبدي اهتمامها باعادة احياء المشروع.

ماذا يجري من تحضيرات جدية لاعادة انطلاق القطار في لبنان ؟ الدراسات موجودة ولكن ماذا عن اوضاع سكك الحديد وجهوزيتها؟

نفاع

يقول رئيس جمعية " تران تران" الباحث في شؤون استراتيجيات التنمية كارلوس نفاع ان الجمعية منذ انطلقتها عام 2005 قامت بمساع جدية للمحافظة على ​عقارات​ تخص سكة الحديد في مناطق عدة في كل من مارميخائيل ، جسر الواطي ورياق وغيرها...

وكشف " للاقتصاد" ان النوايا كانت متجهة لوضع اليد على املاك سكك الحديد من قبل بعض اصحاب النفوذ . وذكر انه قبل العام 1995 كان ما يزال القطار يسير من بيروت الى ​جبيل​.

وكان ينقل الترابة من شكا الى سوليديرفي وسط بيروت. وبعدها تم تعبيد الطريق البحرية من قبل وزارة الاشغال بحجة توسعة اوتوستراد جل الديب انطلياس الطريق البحرية . وسمح ببناء عدد كبير من الابنية على طول الخط خلافا للقوانين التي تمنع ذلك .

اليوم 48 قطارا موزعا بين طرابلس ، رياق، ومارميخائيل ؛ منها 14 قطارا ذا قيمة تاريخية ، و14 بحاجة الى ترميم . عام 1895 ، تم تسيير اول قطار بخاري على خط بعبدا – عاريا – عالية والبقاع.

وهذا القطار كان ذات مواصفات تقنية خاصة بمساعدة الفرنسيين يشق طريقه ملتوياً بين الجبال والوديان رابطاً بين مدينتي بيروت ودمشق عبر بلدة رياق. ومع مرور السنوات ، توّ سعت شبكة الخطوط الحديدية وازدهرت، وامتدت لتشمل تقريباً معظم الأراضي اللبنانية شمالاً وجنوباً وبقاعاً.

ومن المعلوم انه مع انشاء ​مرفأ بيروت​ عام 1891 كان نقل البضائع منه بين بيروت ودمشق يحتاج الى 4 ايام، خصوصأ ان وسائل النقل المعتمدة كانت البغال التي تستطيع تأمين حمولة محددة . اما مع تسيير القطار فلم تعد عمليات النقل تتعدى ال 8 ساعات وذلك في العام 1895.

واللافت ارتفاع عدد سكان بيروت من 4 الآف الى 200 الف نسمة في تلك الفترة ، حيث ازدهرت التجارة وتعددت فرص العمل .

وعن الدراسات المقدمة من اجل اعادة احياء سكة الحديد من بيروت إلى طرابلس، اشار نفاع الى انها موجودة ، بدأت الشركة العمل عليها في عام 2012، بتمويل من ​بنك الاستثمار الأوروبي​ بقيمة مليوني دولار وهناك ملف جاهز في مجلس الانماء والاعمار ويشمل كل النواحي التقنية منذ العام 2014 .

ويؤكد نفاع ان تنفيذ المشروع بحاجة الى قرار سياسي ،لافتا الى عدة مساع جرت قبل اليوم لاسيما ما تقدم به من مشروع الوزير السابق الشيخ موريس الجميل في العام 1965 لجهة تسيير قطار من قناطر زبيدة الى البقاع ، ولكن للاسف نام هذا المشروع في الادراج اسوة بغيره من المشاريع التنموية .

كما ان هناك جهات عدة وضعت دراسات تفصيلية مع بعض المستثمرين المحليين . وثمة استعداد لعدة شركات دولية منها صينية، فرنسية، ايطالية لتنفيذ المشروع وتقديم كل ما يلزم على كافة المستويات الصعيد الاستشارات، والدراسات والمعدات والتمويل.

وعن الآليات المعتمدة او القابلة للاعتماد عليها في التنفيذ يقول بالامكان اللجوء الى ​آلية​ بي او تي او ​بي تي تي​ او حتى ​مناقصة​ دولية .

ويعتبر نفاع ان اهتمام الدول اليوم بهذا الملف مرتبط بشكل رئيسي بالمردود والجدوى الاقتصادية له حيث ان لبنان مؤهل لاستعادة دوره كبوابة للشرق وللخليج العربي و​سوريا​ و​العراق​ وحتى للدول الغربية .

اليوم ،الحكومات المتعاقبة تتجاهل كيفية التشجيع على الاستثمار في المشاريع التنموية وتلجأ الى التدابير المسهلّة على ​الانكماش​.

ويقول نفاع "لقد هزأ البعض من دعوتنا لاحياء ذكرى مناسبة انطلاق القطار من بيروت الى الشام منذ 124 سنة دون ان يلحظ انه حتى في عهد المتصرفية كان ثمة اهتمام باستعمال مقدرات لبنان ."

ويتابع : " في 2017، وضعنا كجمعية تضم عدد ا من ​المهندسين​ مخططا توجيهيا لسكة الحديد وهو بمتناول ​الدولة اللبنانية​.

وفي 3آب ، سيتم الاحتفال بذكرى انطلاق خط قطار بيروت – الشام في محطة القطار في رياق.

وفي 9آب ، سيعقد اجتماع في غرفة التجارة والصناعة في طرابلس والشمال للاعلان عن المخطط التوجيهي ."

ويلفت نفاع الى ان مشروع القطار في لبنان كانت اهدافه سياحية وتجارية ، ولربط لبنان بمحيطيه الاقليمي والدولي. من بيروت الى البقاع، كان الوقت يستغرق 12 دقيقة بالقطار .

وفي المرحلة الراهنة، المشروع سيطبق على عدة مراحل ؛ الاولى لربط بيروت بطرابلس و​عكار​ او بيروت بالشمال . في مرحلة ثانية لربط بيروت بالبقاع والمرحلة الثالثة لربط العاصمة بالجنوب .

سير مشروع القطار!

من شروط مؤتمر "سيدر" الذي ينتظر الجميع الافراج عن امواله المرصودة للبنان تأهيل ​قطاع النقل​ والبنى التحتية في لبنان. والتوقيت مناسب لإحياء سكك الجديد وإعادة وصل لبنان بمحيطه و ب​أوروبا​.

في الماضي ، حمل القطار الآتي الى لبنان على متنه شخصيات بارزة كالملك فيصل و​الرئيس الفرنسي​ الجنرال شارل ديغول وسواهما ...

وكان لبنان يملك أربعة خطوط ​سكك حديدية​ معروفة وعالمية المقاييس. يعرف الخط الأول بـ "بيروت - رياق – الشام" الذي أسس عام 1895. أما الثاني فيعرف بخط "رياق - حلب – أوروبا" وهو خط ازدهر في مواسم الاصطياف وكانت صوفر إحدى محطاته الشهيرة في تلك الحقبة بعد افتتاحه عام 1908. والثالث هو خط "طرابلس – حماه" انطلق عام 1911، والرابع هو "طرابلس - بيروت – حيفا" الذي كان يربط ما بين لبنان و​فلسطين​.

القطار ضرورة لدعم الاقتصاد و​السياحة​، فهل يضعه المسؤولون على سكة التنفيذ في القريب ؟