يُقال "الناجحون يبحثون دائماً عن الفرص لمساعدة الآخرين، بينما الفاشلون يسألون دائماً ماذا سوف نستفيد نحن من ذلك!".

والدكتورة سنا حمزة تجرّدت من الأنانية، وحملت معها أحلامها وآمالها من مدينة قست عليها الأيام، فأثبتت أن غدا أكثر إشراقا، وعملت على رسم الحياة بلمسات شافية للجسد والروح. فهي تساعد الآخرين بنية طبية وقلبٍ صادق، كما تصنع آمالا لأشخاص عايشوا تجاربا بشعة وقاسية.

تتميز بالالتزام والاحترام، لباقة الحضور والفكر، الى جانب الإصرار والذكاء. ورحلتها الصعبة والتي ما زالت مستمرة منذ 30 عاما، تستحق أن نقف عندها لحظات لنأخذ منها الدروس والعبر.

المستشارة الطبيّة لمركز "ريستارت" لإعادة تأهيل ضحايا ​العنف​ والتعذيب في ​لبنان​، د. سنا حمزة، خصّت "الاقتصاد" بهذه المقابلة المميزة:

أين كانت الانطلاقة ومتى؟

بدأ كل شيء في مرحلة مبكرة من ​الطفولة​، وذلك بعد انضمامي الى الحركة الكشفية، التي من خلالهابدأت مسيرتي فيالخدمة المجتمعية. إن الرغبة في مساعدة الى أي إنسان بحاجة إلى الدعم كانت دائماً موجودة في داخلي.

ولدت وتربيت في مدينة ​طرابلس​، شمال لبنان، ولطالما شعرت بانتماء قوي إلى مدينتي. وقد دفعتني الموارد الضئيلة المتاحة إلى التحرك، حيث بدأت مسيرتي الفعلية من خلال المشاركة في تأسيس عيادة خاصة بالصحة النفسية، وتطورت لاحقاً عندما أطلقت جمعية "Friends in Need Association" للصم عام 1989، وجمعية "First Step Together Association (FISTA)"، للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والذين يعانون من صعوبات في التعلمعام 1991، ومركز"Restart " لإعادة تأهيل ضحايا العنف والتعذيب عام 1996.

التقدير الذي لاقيته في سن مبكرة، كان بمثابة "دعوة للإستيقاظ" بالنسبة لي، كما وأنه طمأنني بأنني أسير على الطريق الصحيح. في نيسان 2002، حصلت على ​جائزة​ من النائب بهية الحريري، تكرّم بها عادةً ​النساء​ اللبنانيات الرائدات. و​بصراحة​، لم أكن أتوقع حينها الحصول على هذه الجائزة، ولكن بمجرد فوزي بها، علمت على الفور أنهاليست لي وحدي، بل هي لفريق العمل الذي دعمني طوال الطريق؛ فامتناني لزملائيكان وسيبقى دائماً، فائقاً للوصف!

بعد الحصول على التقدير على الصعيدالوطني في المراحل الأولى من مسيرتي المهنية، بدأت تدريجياً في بناء شبكة عالمية للتعلم من خبرات الآخرين. ومن خلال المؤتمرات والندوات والمنتديات الدولية، بدأت أخيراً أرى أن حركة مناهضة التعذيب تتوسع لتضم مئات المنظمات التي تعمل معاً يداً بيد. ونجاح هذه المبادرات ينبع من جهودها المشتركة!

وحالياً، بصفتي نائب رئيس المجلس الدولي لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب (IRCT)، وخبيرة استشارية مع أطباء من أجل حقوق الإنسان (PHR) بشأن جرائم التعذيب والعنف الجنسي، أستطيع القول أنني أنتمي إلى عائلة واسعة، تتحدث لغة واحدة.

ومن خلال تبادل المعرفة، والممارسات الفضلى، والأفكار المستقبلية، أشعر حقاً بأنه لا حدود لما يمكن أن يفعله كل واحد منا، من أجل المساهمة في تحويل هذا العالم الى مكان أفضل.

غالباً ما قد نتساءل: "هل يكفي ما نفعله؟"،وإذا كان جوابنا "لا" أو "لست متأكداً"، فلماذا لا نبدأ في إجراء بعض التغييرات؟ لم الإنتظارإذا كان بإمكاننا أن نبدأ من اليوم؟ لا يمكن الانطلاق بعملية التغيير إلا من خلال جهودنا المشتركة وصوتنا الموحد.

معنوياً، ماذا تعني لك جائزة "Barbara Chester" التي حصلت عليها مؤخراً؟

رشحتني مديرة مركزRestart" " ​سوزان جبور​، لنيل "جائزة باربرا تشستر" التي تمنحها مؤسسة "The Hopi Foundation" في ​الولايات المتحدة​ للسنة الثامنة. وكنت أتنافس مع عدد كبير من الشخصيات الناشطة في مجال العلاج النفسي. وعندما علمت للمرة الأولى بترشيحي، شعرت بأن حلمي أصبح أقرب إلى الواقع.

إن الحصول على جائزة عالمية تقدم لمعالجين نفسيين رائدين في العمل مع الناجين من التعذيب، هو بنظري أكبر مكافأة. هذه المكافأة ليست لي كفرد، بل هي للناجين من التعذيب الذين عملت معهم، ولفريق العمل الذي دعمني على طول الطريق. ولم أكن لأفوز بهذه الجائزة لولا دعمهم، والدروس التي تعلمتها من خلالهم.

فترشيحي ذكرني بأنني لست وحدي، بل لدي الى جانبي عائلة ترعاني وتدعمني في مسيرتي لحماية الناجين من التعذيب وإعادة تأهيلهم. فأنا لن أكون ما أنا عليه اليوم بدون عائلتي، وبدون فريق العمل، وبدون كل الضحايا الناجين.

سوف تقام حفلة تقديم الجائزة في 5 تشرين الأول المقبل، في ولاية أريزونا.

برأيك، ما هي العوامل التي ساعدتك على تحقيق التقدم المهني طوال هذه السنوات؟

أولاً، الجرأة فقد تعاملت منذ تأسيس مركز "ريستارت" في العام 1996، مع حوالي 20 ألف ناجٍ من ضحايا العنف والتعذيب، وزرت العديد من المناطق الخطرة. فأنا أعمل على توثيق حالات التعذيب والآثار النفسية والجسدية التي تؤثر على حياة الضحايا بشكل جذري.

ثانياً، أعمل في مجال توثيق التعذيب ومن ثم ألعب دورا في المحاكم الدولية (ففي حزيران 2018، قررت المحكمة العليا في شرق ​الدنمارك​ إدانة وزارة دفاع البلاد بتهمة التواطؤ في تعذيب عراقيين أثناء الغزو الأميركي للعراق عام 2004، حيث قضت المحكمة بتعويض 18 عراقياً من أصل 23، بمبلغ 30 ألف كرونه لكل منهم. ويعد هذا الحكم بالغ الأهمية في مجال مناهضة التعذيب، وذلك بسبب حصول المدّعين على اعتراف بالجريمة المرتكبة بحقهم وعلى تعويضيْن معنوي ومادي).

ثالثاً، لا أتوقف أبداً عن التعلم وطلب المعرفة، وبالتالي أشارك دائما في الندوات والدورات والأبحاث من أجل ابتكار العلاجات الجديدة. وقد ابتدعت مع فريق العمل في مركز "ريستارت"، "بروتوكول ​اسطنبول​" الخاص بالعلاج العائلي لضحايا التعذيب والصدمات. ولقد بدأت بالفعل دول عدة في تطبيقه، مثل جورجيا و​تونس​.

كيف تقيمين وضع لبنان اليوم من ناحية التعذيب؟ هل شهدنا على ارتفاع أو تراجع في عدد الضحايا؟

لا يزال التعذيب قائماً في لبنان، كما هو الحال في باقي دول العالم. وللأسف نسمع العديد من القصص حول الضحايا.

هل حققت كامل طموحاتك المهنية أم أن هناك المزيد من المشاريع التي تطمحين لتحقيقها في المستقبل؟

لا أقف أبداً عند حاجز معين، وكل هدف أصل اليه أعتبره بمثابة نقطة انطلاق لنشاط جديد. وجائزة " باربرا تشستر" شكلت دافعاً وحافزاً لإنجازات أخرى.

ومن هنا، أركز بشكل كبير على بناء قدرات فريق العملفي مركز "Restart"، إذ أتواصل في الوقت الحاضر مع جامعة "جونز هوبكينز" في الولايات المتحدة، للعمل على مشروع يرمي إلى إنشاء أكاديمية تؤهل الأخصائيين النفسيين على تطبيق علاج نفسي مخصّص لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب والصدمات.

الحياة المهنية مليئة بالعوائق والصعوبات، كيف عالجت هذا الأمر؟

أتبع في حياتي استراتيجية تجنّب الوقوع في حالة الـ"burn out"، أي "الاحتراق الوظيفي". فقد يتعرض العاملون في مجال التعذيب الى ما يسمى بـ"الصدمة الثانوية"، أي أنهم من الممكن أن يعانوا من العوارض ذاتها التي يصادفونها لدى معالجة ضحايا التعذيب، وقد تنتقل اليهم.

ولهذا السبب، أخضع الى العديد من جلسات الإشراف الكلينيكية، معظمها خارج لبنان. أما بالنسبة الى فريق العمل، فنركز على الإشراف الفردي والجماعي، ونقوم بما يسمى بـ"التفريغ النفسي".

وبالاضافة الى ذلك، أمارس العديد من النشاطات والهوايات التي تساعدني على الشعور بالراحة والتخفيف من الاحتراق الوظيفي، مثل صيد ​السمك​.

هل تشعرين بالتقصير تجاه الحياة الخاصة بسبب العمل لفترات طويلة أم أنك حققت التوازن بين الجانبين؟

لا أعمل خلال عطلات نهاية الأسبوع، بل أخصص هذه الأوقات للعائلة والأصدقاء. كما أنني أتوقف يومياً بشكل شبه كامل عن ممارسة أي نشاط مهني عندما أصل الى منزلي، ولهذا السبب نجحت في تحقيق التوازن بين جوانب حياتي كافة.

برأيك، أين تكمن أهمية الإضاءة على إنجازات ​المرأة اللبنانية​ بدلاً من الاهتمام بمظهرها الخارجي فقط؟

بالنسبة لي، بإمكان الجميع الحصول على الجمال الخارجي، وخاصة في أيامنا هذه. ولكن الأساس يكمن في اللباقة والاحترام، بالاضافة طبعاً الى جمال الروح والقدرة على العطاء والتفاني، والحصول على محبة الناس وثقتهم؛ ومن هنا ينبع الجمال الحقيقي.

واذا كان الانسان محظوظاً، سيتمكن من الجمع ما بين الجمالين معاً!

نصيحة الى المرأة.

أنصح المرأة أن لا تشعر أبدا باليأس والإحباط، اذا فشلت في يوم من الأيام،عليها الابتعاد عن الاستسلام والمحاولة مرة ثانية وثالثة ورابعة.

فاذا أصرّت على النجاح، وآمنت بنفسها وبقدراتها، ستصل بكل تأكيد ذات يوم الى تحقيق طموحاتها كافة.

عليها أن تبدأ بالخطوة الأولى، وتهتم بأن تكون منتجة، وتتحلى بالنشاط لكي تتمكن من تحقيق أكبر الإنجازات. فهي قادرة على أن تكون صاحبة القرار في مختلف المجالات. كما أن العمل يساعد المرأة على الانفتاح والتطور والتقدم وتحقيق الذات.