تعتبر تهديدات ​إيران​ بإغلاق مضيق هرمز، الشريان الرئيسي لنقل الطاقة في العالم ليست بالأمر الجديد، ففي كل مرة تتعرض إيران للعقوبات يتصاعد تهديد أمن ​النفط​ في ​الخليج​، حيث تأتي هذه التهديدات في اطار معادلة فحواها إذا أصرّت ​الولايات المتحدة​ والدول الأوروبية على العقوبات، فإن الخيار الوحيد المتاح أمام طهران عدم السماح بمرور أي سفينة حاملة للنفط من أي بلد آخر معتبرة ان اتخاذ خطوة عملية أولية بهذا الاتجاه سيؤدي إلى اضطراب في سوق النفط العالمية وارتفاع في أسعار الطاقة في تلك الدول، وهو ما سيدفع الولايات المتحدة والدول الأوروبية لإجراء مفاوضات فورية مع إيران تقدم خلالها بعض التنازلات استجابة لمطالب إيرانية تتعلق بتخفيف العقوبات المفروضة عليها.

إلا أن التطورات الأخيرة التي حصلت في دول الخليج والتي تحمل بصمات ايرانية نقلت مستوى اطلاق التهديدات الى الممارسات الفعلية وأشعلت فتيل التوتر في هذه المنطقة الاستراتيجية ، حيث استهدف الحوثيون بطائرات من دون طيار محطتي ضخ لخط أنابيب نفط رئيسي من المنطقة الشرقية الغنية إلى موانئ على البحر الأحمر وقبل يومين من الهجوم، تعرّضت أربع سفن بينها ثلاث ناقلات نفط إلى عمليات تخريبية قبالة سواحل الإمارات بالقرب من ميناء الفجيرة الواقع في شرق الدولة ليكون المشترك بين الحادثتين أنه يشكل استهدافا لبدائل تصدير النفط عبر هرمز، مما قد ينذر ببداية حرب إقليمية ، وأثار إرسال الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة لمجموعة حاملة طائرات توترات في منطقة الخليج وأجج مخاوف من حدوث صراع مسلح، وكشف تقرير صحفي استنادا إلى مصادر مطلعة عن موافقة السعودية وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي على طلب من الولايات المتحدة لإعادة انتشار قواتها العسكرية على أراضيها وفي مياه الخليج بهدف القيام بعمل مشترك بين واشنطن والعواصم الخليجية، لردع إيران عن أي محاولة لتصعيد الموقف عسكرياً ومهاجمة دول الخليج أو مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

وبين حرب او لا حرب تبدو جميع الاطراف وعلى رأسهم طهران راغبة في نقاش النقاط الاميريكة كل واحدة على حدة مقابل تخفيف العقوبات وكسب الوقت لفتح باب تفاوض سلس كما تعمل على دفع الأوروبيين للقيام بالمزيد من أجل مساعدة اقتصادها المتردي كما أن ترامب ليس متحمسا كثيرا للحرب، فهو معروف بمعارضته لخوض صراعات عسكرية في الخارج وبالتالي فان ما يحدث بين واشنطن وطهران اليوم على الساحة الخليجية هو تلويح عسكري لكن الضرب اقتصاديا .

وفي هذا الاطار ولمعرفة تداعيات التوترات الامنية الاخيرة في دول الخليج والتصعيد العسكري بين واشنطن وطهران وانعكاسها على اسعار النفط والاسواق المالية ولمعرفة ماذا يمكن أن يحصل إذا نفذت إيران تهديداتها، وأغلقت مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، كان لموقع "الاقتصاد" مقابلة خاصة مع الخبير الاقتصادي من الاردن الدكتور مازن مرجي.

مرجي: التصعيد الاميركي الايراني لن يصل الى مستوى المواجهة العسكرية المباشرة لان انعكاساته سيكون من الصعب قياسها وتوقع نتائجها

- بداية كيف تصف التوترات الامنية الاخيرة التي حصلت في دول الخليج، والتصعيد بين واشنطن وايران ؟

ان التوترات الامنية والتصعيد في الحرب الكلامية والتهديدات العسكرية المباشرة تأتي على خلفية تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات الاميركية على ايران والتي تهدف الى محاولة خنق الاقتصاد الايراني عبر حرمانه من فرص تصدير ما يقارب 1.3 مليون برميل من النفط يوميا والذي يشكل مع الصادرات عبر الطرق الخلفية وغير الموثقة، ما يزيد عن خمسين بالمئة من الصادرات الكلية لايران.

ولتحقيق ذلك الهدف، تعمل الولايات المتحدة ليس فقط لفرض حصار بحري على ايران وقد بدات بوارجها ومدمراتها الحربية تاخذ مواقعها في مياه الخليج العربيه في تصعيد واضح للتهديدات متذرعة بحدوث اعمال تخريب لبعض ناقلات النفط في الإمارات وانما ايضا من خلال التهديد بفرض عقوبات على الدول المستوردة للنفط الايراني مثل الصين والهند وتركيا والتي ليست بالضرورة ان تتراجع وتذعن لتهديدات الادارة الاميركية هذه.

كما وياتي التصعيد من قبل الطرفين على خلفية انعدام الثقة والتوتر بين اميركا وايران والناتج عن انسحاب أميركا من الاتفاق النووي وايضا على خلفية الدور الكبير الذي تلعبه ايران في المنطقة وحجم النفوذ الذي تتمتع فيه في الاقليم ويتعلق بالصراعات العسكرية المستمرة لاكثر من عقد من الزمان، في كل من العراق وسوريا واليمن والخلافات الخليجية مع قطر، والذي سجلت فيها ايران نجاحات واضحة قياسا مع الفشل الأميركي في تلك الملفات وبالتالي تاتي محاولة اميركا تجييش دول الخليج ودول عرببة اخرى لانشاء نوع من الحلف العسكري لمواجهة، ما تراه اميركا، بالتهديدات الايرانية لنفوذ ومصالح والولايات المتحدة والدول الحليفة والتابعة لها وعلى رأسها السعودية والإمارات.

كيف انعكست هذه التطورات على اسعار النفط واسواق المال؟ وبرأيك ان استهداف الناقلات النفطية والتوتر في مضيق هرمز هل من شأنه ان يشكك في امكانية تصدير النفط الخليجي ؟ وهل سيصل الأمر إلى تصعيد عسكري بين الطرفين ؟

قد تسببت الازمة المتصاعدة بين ايران والولايات المتحدة بارتفاع اسعار النفط الى ما يزيد عن 75 دولار للبرميل من خام برنت وذلك بسبب القلق من توقف الصادرات النفطية الايرانية بسبب الحصار الاقتصادي والتهديد العسكري وايضا في حال تجاوبت الدول المستوردة لنفط ايران مع العقوبات الاميركية، حسب ما تتمنى اميركا وكما حدثت ايضا ارتفاعات في بوالص التأمين ولكن الان عادت الاسعار لتنخفض حيث سجل برنت سعر 72 دولار للبرميل، اما الانعكاسات على المدى المنظور فتعتمد على التطورات ومدى التصعيد في التحركات العسكرية والوضع مفتوح على عدة احتمالات منها التهدئة او الاكتفاء فقط في محاصرة ايران واضعاف قدرتها على التصدير للنفط ومنع وصول نفطها الى الدول المستهلكة كما لا اعتقد بان الامور قد تصل الى المواجهة العسكرية المباشرة لانه انعكاساته سيكون من الصعب قياسها وتوقع نتائجها على وجه التحديد.

برأيك ما هي تداعيات التوتر في مضيق هرمز على المستوى الاقتصاد العالمي، وكيف ستتأثر اقتصاد دول الخليج ؟

اما في ما يتعلق باحتمالية اغلاق مضيق هرمز والذي يتدفق عبره ما يترواح بين 15-20 مليون برميل نفط يوميا قادمة من ايران ودول الخليج العربي المنتجة للنفط حيث تهدد ايران باغلاقة اما نتيجة القيام الاعمال العسكرية او عبر اجراء مناورات بالذخيرة الحية كذريعة بعيدا عن مواجهة فعلية، فاني ارى بانه اذا حدث مثل هذا الاغلاق او اذا نشبت هجمات اميركية على الاراضي الايرانية او سعت ايران الى ضرب ومهاجمة الاسطول الاميركي في مياه الخليج كما سبق وهددت قياداتها، فبالتاكيد بان امدادات النفط ستتاثر ليس فقط الايراني وانما نفط الخليج كاملا وهذا اذا ما حدث سيؤدي الى ارتفاعات كبيرة في اسعار النفط قد تتتجاوز الاسعار حينها حاجز المئة دولار.

ولن يكون بمقدور الدول النفطية تعويض كمية النقص في المعروض في الاسواق العالمية من قبل دول مثل السعودية والإمارات لذلك استبعد الوصول لتلك المرحلة لان انعكاسه سيكون كبيرا على اميركا واوروبا وستتراجع قوة الاقتصاد الاميركي على النمو والانتعاش، فلذا ارى ومن واقع التجارب السابقة وما يتسرب من اميركا وايران فان باب التفاهم والتنازلات سيبقى مفتوحا مع بقاء الضغوط والتهديدات بالعقوبات واغلاق مضيق هرمز موجود لتحقيق غايات الطرفين دون مواجهة حقيقية، ولكن بالاجمال فان الاقتصاديات العربية وخاصة دول الخليج ومعها إيران والمنطقة ستكون هي الخاسر الاكبر ماليا واقتصاديا واستقرارا امنيا وسياسيا واجتماعيا.