ارتفعت في الاونة الاخيرة وتيرة التحذيرات من أزمة مالية ، قد تضرب ​الاقتصاد العالمي​، مما أدى إلى التخوف من انهيار مالي جديد كما حدث في العام 2008، حيث يرى البعض ان مؤشرات واضحة على الأزمة بدأت تلوح في الافق ، ولعل من ابرز العوامل المؤثرة على الاقتصاد العالمي، الحرب التجارية بين ​الولايات المتحدة الأميركية​ والصين بسبب ​الرسوم الجمركية​، وسياسة التشدد المالي التي تتبعها بعض الدول، إلى جانب ​تباطؤ الاقتصاد​ الصيني، وحالة عدم اليقين حول نتيجة اتفاق "بريكست"، لتأتي المظاهرات في عدد من الدول الأوروبية لتعبر بشكل واضح عن حجم هذه المشكلات الاقتصادية .

كما حرص صندوق ​النقد الدولي​ على تقليص حجم توقعاته بشأن معدل ​النمو العالمي​ خلال عام 2019 الجاري بنحو 0.2 %، وعلى الرغم من محدودية هذا التعديل إلا أن التوقعات تشير إلى العديد من التعديلات خلال المستقبل القريب، واتخذت بعض الشركات إجراءات استباقية للحفاظ على استقرارها المالي في حال حدوث ذلك .

وبحسب تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي الذي يصدره الصندوق، فعلى الرغم من بقاء النمو العالمي عام 2018 قريباً من مستوياته المرتفعة التي أعقبت ​الأزمة المالية العالمية​، بدأ الاقتصاد يميل إلى الضعف وبمعدل أسرع إلى حد ما، مقارنة بالتوقعات السابقة.

ومن ناحيتها قالت ​المديرة العامة لصندوق النقد الدولي​ كرستين لاغارد ، إن الاقتصاد العالمي يشهد نموًا، ولكن بشكل أبطأ من المتوقع، محذرة من إمكانية مواجهة عاصفة اقتصادية محتملة، خلال الفترة القادمة.

وفي اطار هذه التوقعات والنظرة الضبابية للاقتصاد العالمي كان لموقع "الاقتصاد" حوارا خاصا مع المحلل المالي ومدير التدريب والتطوير في شركة "أمانة كابيتال" دبي الاستاذ وليد الحلو لمعرفة توقعاته للعام 2019 واسباب تزايد المخاوف من ازمة مالية عالمية وانعكاس الوضع الاقتصادي والتحديات العالمية على سوق العملات و​الذهب​ و​اسعار النفط​.

- تتزايد في الآونة الأخيرة التوقعات بتباطؤ النمو العالمي للعام 2019 : برايك ما هي أسباب هذه الضبابيية ؟ وماذا يحمل العام 2019 للاقتصاد العالمي؟

ان التخوف من التباطؤ الاقتصادي في العالم يعود الى سببين رئيسيين الاول وهو السياسات التجديدية التي بدأت بها الولايات المتحدة الاميركية وايقاف التحفيز التي قامت به بعض دول الاتحاد الاوروبي، الذي كان له تاثير سلبي على الاقتصاد من ناحية نظرا الى ان جعل المعروض من الاموال وتكلفة الحصول عليها ترتفع لينعكس بصورة سلبية ومباشرة على الشركات التي عانت في العام 2018 من تراكم الديون مع زيادة معدلات الفائدة وتراجع حجم الارباح .

اما السبب الثاني فهو الحرب التجارية، والصين تعاني من تباطؤ اقتصادي منذ العام 2017 ، ورأينا ارقام سيئة جدا في الاسواق في نهاية العام 2018 ، حيث ان الحرب التجارية زادت الضغوطات على بكين.

ومع بداية العام 2019 خف تأثير السبب الاول المسؤول عن التباطؤ الاقتصادي نظرا الى ان الفيدرالي الاميركي اشار الى انه سريع في التحفيز وبطيء التجديد وهذا اعطى ثقة بالاسواق ولكن يبقى ملف الحرب التجارية .

- وما هو اثرهذا التباطؤ الاقتصادي؟ وما هي ابرز القطاعات التي ستتأثر؟

ان ابرز المتأثرين بهذا التباطؤ العالمي ستكون الشركات، وظهر هذا واضحا لان الاخيرة ليس لديها القدرة على التوسع او الحصول على القروض وتكلفة القروض المترتبة عليها تتزايد بصورة كبيرة وهذا من شانه ان يؤثر على الانفاق الاستهلاكي نظرا الى ان الاداء السيئ للشركات سيمنعها من زيادة التوظيف والاجور وهذا من شأنه ان يضعف القوة الشرائية للمستهلك .

وسيكون قطاع التصنيع من ابرز القطاعات المتضررة حيث شهدت الاسواق تراجعا كبيرا في قطاع السيارات بالاضافة الى القطاعات الاستهلاكية ، كما ان التأثير الاكبر سيكون على الشركات المالية والشركات الخاصة وكل ما له علاقة بالسلع المعمرة .

- الحرب التجارية بين الصين واميركا : كيف انعكس هذه النزاع على الاقتصاد والنمو العالمي؟

الحرب التجارية كان لها تأثير كبير على المستجدات الاقتصادية وهي تعتبر احد ابرز المخاوف ولا تزال، كما ان هذه الحرب اثرت على الطرفين المتنازعين ولكن وقعها كان اكبرا على الاقتصاد الصيني، ولكن راينا ايضا ان الشركات الاميركية تاثرت بصورة مباشرة وكبيرة بهذه الحرب مما يعزز الفكرة الرئيسية ان هذه الحرب لا يوجد فيها رابح .

- في ما يتعلق بالقارة الاوروبية والارتباك حول "البريكسيت" وتردي الاوضاع المالية في ايطاليا كيف ستنعكس هذه الظروف على الاقتصاد العالمي؟

ان عام 2019 لن يكون عاما سهلا على اقتصاد دول الاتحاد الاوروبي وعموما عند النظر الى الاتحاد الاوروبي منذ بدايته نجد ان اعلى نسب نمو حققتها المانيا حوالي 2% وادنى نسب نمو شهدتها ايطاليا حوالي 0% حيث ان الاقتصاد الايطالي لم ينمو خلال وجوده في هذا الاتحاد مما يجعله من اكثر الاقتصادات المرشحة لان تمر بسيناريو مشابه لـا"لبريكست" .

اما فيما يتعلق ببريطانيا لا تعتبر هي المسؤولة الرئيسية عما يحدث في الاتحاد الاوروبي حيث ان مشكلة هذا الاتحاد تكمن في ان اقتصاده لم يتعافى بصورة كاملة تحت برنامج التحفيز، وتم انهاء هذا البرنامج في وقت مبكر وهذا يعتبر خطا كبير ولغاية اليوم لم نرى التاثير الاقتصادي على اقتصاد يتم رفع التحفيز عنه من دون الوصول الى التعافي الكامل او حتى ان يصل الى قرب مستوى التعافي .

والتاثير السلبي لـ" بريكسيت" سيكون على بريطانيا وبصورة طفيفة على الاتحاد الاوروبي، كما ان هناك دولتين لديهم عجز كبير في الموازنة واجمالي الناتج المحلي وهم فرنسا وايطاليا حيث وصل العجز في الموازنة مقارنة بالناتج المحلي 2% الى 3% على التوالي مما ينذر ان العام 2019 سيكون عاما صعبا على الاتحاد الاوروبي .

- هل من المتوقع ان تشهد الفترات المقبلة مزيدا من تخفيضات معدلات النمو العالمية ؟

ارى ان هذا الامر مقترن بهذا الشهر، فاذا توصلت الولايات المتحدة والصين الى اتفاق واضح سيكون هناك سيناريو ايجابي وتفاؤل في الاسواق، والعكس صحيح في حال لم يحدث اتفاق بين الطرفين وخاصة مع نهاية هذا الشهر اي نهاية الهدنة بين وشنطن وبكين .

- كيف سينعكس الوضع الاقتصادي والتحديات العالمية على سوق العملات والذهب واسعار النفط ؟

بالنسبة لسوق العملات مشكلتها الرئيسية الحالية ان كل الاقتصاديات في مرحلة التحفيز، في وقت سابق كان هناك ما يعرف باختلاف السياسات النقدية، حيث كانت جميع الدول تحفز الاقتصاد ما عدى الولايات المتحدة الاميركية التي كانت تشدد، وهذا اعطى قوة للدولار امام العملات ولكن مؤخرا وبعد التحول المهم اوالتاريخي الذي حصل في السياسة النقدية للفدرالي الاميركي الذي تم في شهر كانون الثاني الماضي نستطيع القول ان جميع الدول في التحفيز، فبات سوق العملات عبارة عن مقارنة ما بين دولار ضعيف وعملات في بعض الاحيان تكون اضعف ، واذا تم ايجاد مخرج في قضية "البريكسيت" بصورة ايجابية سيكون الجنيه الاسترليني من افضل العملات في العام 2019 .

اما في ما يتعلق بالمعدن الاصفر، فالوضع الاقتصادي وما يتعلق بالتباطؤ لا يدعم التحوطات بالذهب على قدر ما يدعم التحوطات بالسندات ولذلك من الممكن ان نشهد ارتفاع في اسعار الذهب ولكن لن تكون ارتفاعات كبيرة فقد نراه عند مستويات 1400 دولار، لكن لن يصل الى المستوى الذي وصل اليه ايام الازمة العالمية في العام 2008 مع العلم انه كل ما تتضح الامور اكثر والمخاوف تقل يزداد الضغط على الذهب .

- برايك ما هي السياسات والاجراءات التي يجب ان تتخذ لتجنب موجة الهبوط الاقتصادي المتوقع ؟

في ما يتعلق بالسياسات والاجراءات اعتقد انه وبعد الازمة العالمية في العام 2008، تحوطت الاسواق وصناع السياسة النقدية والمالية بصورة كبيرة جدا لعدم تكرار هذه الازمة مرة جديدة ولكن تبقى المشكلة الكبيرة هي ديون الشركات والتعثر ولكن هذه الديون لن تدفع بالشركات الى الاغلاق، بل سيكون هناك تعثر في السداد ولكنها ستستمر، ومن الممكن ان يكون من الصعب على الشركات التوسع ولكن لن تقفل .

واعتقد ان الاجراءات الحالية مناسبة والتحفيز مطلوب سيساعد في الوضع الحالي على الاطمئنان لاداء الاقتصاديات ، فلا يمكننا القول ان هناك اجراء يجب اتخاذه اكثر من العودة الى التحفيز مرة اخرى ومن الممكن ان يكون العام 2019 الاكثر تركيزا على برنامج التحفيز الصيني، حيث قررت بكين العودة الى هذا البرنامج الذي تم ايقافه منذ حوالي السنتين، بالاضافة الى لجوء الولايات المتحدة الاميركية الى ايقاف تخفيض ميزانية الفيدرالي الاميركي 50 مليار كل شهر الذي سيساعد بصورة كبيرة الاقتصاد على تخطي وتقليل مدة الركود الاقتصادي.