تنطلق فعاليات معرض "إكسبو ​تركيا​ في قطر" اليوم الاربعاء 16 كانون الثاني ، في الدوحة، بمشاركة أكثر من 120 شركة تركية تعمل بقطاعات مختلفة. ويعكس هذه المعرض المستوى المتقدم الذي بلغته العلاقات الاقتصادية القطرية – التركية ، وخصوصا في ظل الازمات الاقليمية التي اصابت البلدين مرات عدة في السنوات الاخيرة ، فكان تعاونهما ابرز وسائل التصدي لهذه الازمات.

المعرض يقام في مركز الدوحة للمؤتمرات والمعارض، الذي ينظم هذا العام بنسخته الثالثة من 16 وحتى 18 من شهر كانون الثاني الجاري.

وكشف هاكان كورت، رئيس مجلس إدارة "ميديا سيتي"، الجهة المنظمة للمعرض، إن "حجم صندوق ​الشركات القطرية​ بالمعرض يبلغ 60 مليار دولار، بدعم حكومي قطري"، مشيرا الى ان "المعرض يعد الملتقى الأضخم للشركات التركية في ​منطقة الخليج​ كلها، إنه يوفر فرصة كبيرة لرجال الأعمال الأتراك للاجتماع مع المستثمرين القطريين".

ويشارك وزراء ومسؤولون من الدولتين في افتتاح أعمال المعرض، واصفين الحدث بأنه "من أهم المشاريع التي تساهم في تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين".

وتكتسب نسخة هذا العام من المعرض أهمية، من خلال زيادة عدد الشركات المتخصصة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، والبرمجة و​تقنية المعلومات​". وتنشط الشركات المشاركة في المعرض، في مجالات ​العقارات​، والبناء، و​مواد البناء​، والأغذية، و​السياحة​ العلاجية، والمنسوجات، والأثاث والديكور.

نشاط متنام

هذا المعرض ليس الا تعبيرا عن تنامي ​النشاط الاقتصادي​ التركي في قطر ،اذ يبلغ عدد الشركات التركية العاملة في قطر برأس مال قطري وتركي، 242 شركة، كما بلغ عدد الشركات التركية العاملة في ​دولة قطر​ برأس مال تركي بنسبة 100 بالمائة، حوالي 26 شركة.

أما حجم استثمارات الشركات التركية في قطر فيبلغ 16 مليار دولار، بالمقابل تحتل قطر المرتبة الثانية في حجم الاستثمارات الخارجية في تركيا، إذ تبلغ 20 مليار دولار في قطاعات الزراعة والسياحة والعقارات و​المصارف​.

لا شك ان خلف هذا التقارب الاقتصادي القطري التركي اسبابا سياسية اكيدة ، الا ان الفوائد الاقتصادية والمالية جلية للجانبين وقد كشف الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ قبل ايام عن مشروع ضخم سيوضع حجر الاساس له قريبا ويتمثل ببناء قاعدة "BMC" الخاصة بالإنتاج والتكنولوجيا، وهو مشروع سيسهم في تطوير الصناعات الدفاعية.

وستقام هذه القاعدة الصناعية على مساحة 222 هكتارا، وستتضمن مصانع عدة، منها مصنع للدبابات وآخر للعربات المصفحة والعسكرية، ومصنع للسيارات والشاحنات، ومعامل لتصنيع المحركات والقطارات السريعة. وتبلغ القيمة الاستثمارية لهذه القاعدة حوالى 500 مليون دولار، وهي ستوفر فرص عمل لنحو 10 آلاف شخص حال دخولها مرحلة الإنتاج بشكل كامل في عام 2023.

وقال الرئيس التركي في هذا السياق، ان هذا التعاون التركي القطري يشكل مثالا لمبدأ الربح المتبادل للبلدين.

مساعدة متبادلة

اردوغان قال ايضا: أن بلاده لن تنسى لقطر تضامنها معها خلال محاولة الانقلاب الفاشلة صيف عام 2016، وفي فترة الهجمات الاقتصادية التي استهدفتها في آب الماضي. وفي المقابل فان قطر استفادت للغاية من تركيا في ازمة الحصار المفروض عليها من قبل بعض ​دول الخليج​ ومصر ، فمنذ الأيام الأولى للأزمة الخليجية، اقامت تركيا جسرا جويا وبحريا لنقل البضائع والمعدات إلى السوق القطرية.

وكانت تركيا قد لجأت سابقا إلى قطر لتزويدها ب​الغاز​ بعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية على الأراضي التركية بعد أن قامت موسكو بفرض عقوبات تجارية عليها، وكان لقطر دور مهم في تخفيف حدة تأثير هذه العقوبات على تركيا خاصة في ​مجال الطاقة​.

تطور سريع

في ظل احتدام الصراع المحتدم في منطقة ​الشرق الأوسط​ بين القوى الكبرى، دوليا واقليميا ، وجدت تركيا في قطر حليفا استراتيجيا ، ووجدت قطر في تركيا سندا كبيرا في منطقة تشهد صراعات واستقطابات سياسية واقتصادية قوية.

وشهدت العلاقات الاقتصادية القطرية التركية القائمة على ​التبادل التجاري​ ازدهارًا كبيرًا في السنوات الأخيرة شمل مختلف المجالات والنشاطات الاقتصادية، وتوجت هذه العلاقات باتفاقيات في مجالات مختلفة مثل الطاقة، والبنى التحتية، والصناعة، والتجهيزات والمعدات العسكرية والسياحة، وقد أسهمت الشركات التركية بشكل ملحوظ في نهضة البنى التحتية التي شهدتها قطر خلال هذه السنوات، فقد قدمت هذه الشركات مساعدات لوجستية وصناعية في مجال الإنشاءات والطرق والمترو إضافة إلى ​أنابيب النفط​ والغاز ومصانع البتروكيماويات.

في سنة 2016، بلغت قيمة التبادل التجاري بين قطر وتركيا 710 ملايين دولار دون ​المنتجات النفطية​ ومتعلقاتها، وفاقت قيمة المشاريع المنفذة في قطر من قبل الشركات التركية 15 مليار دولار. وتسعى تركيا باستمرار إلى تطوير علاقتها مع قطر في مجال الطاقة حيث تحتل قطر المرتبة الثالثة عالميًّا في تصدير الغاز ويوجد بها 14% من احتياطي العالم من ​الغاز الطبيعي​، ونتيجة للظروف الإقليمية والصراعات الدولية فقد سعت تركيا إلى اعتماد قطر حليفًا استراتيجيًّا في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري. في إطار سياسة البلدين لتعزيز ​التعاون الاقتصادي​ واكتشاف ​فرص الاستثمار​ وتطويرها.

منافع الازمة

في العامين 2017 و 2018 ، اي في ذروة الازمة الخليجية ، حقق التبادل التجاري قفزة جديدة تراوحت بين 20% إلى 30% ، فعكس التطور السريع والمهم في العلاقات الاقتصادية التركية-القطرية، كما عكست قدرة هذه العلاقة الاستراتيجية على التخفيف من أضرار الحصار على قطر من خلال إيجاد بدائل إقليمية متمثلة في تركيا كقوة اقتصادية وعسكرية صاعدة بقوة.

وللدلالة على هذا التطور نذكر انه في معرض إكسبو قطر-تركيا النسخة الثانية في العام الماضي ، أشارت تقارير وزارة الاقتصاد القطرية إلى أن 40 شركة تركية شاركت ، واليوم تشارك في نسخة 2019 من المعرض 120 شركة تركية ، كما اسلفنا .

رقم آخر يوضح هذا التقدم فقد ارتفع حجم التبادل التجاري خلال فترة الحصار بـ30% لتتجاوز المليار دولار في 2018. كما ساهم الحصار في زيادة الاستثمارات التركية في قطر حيث شهدت الدوحة إقبالًا كبيرًا من المستثمرين والشركات التركية مستهدفة قطاعات التصنيع و​المواد الغذائية​ والأدوية.

تجارة حرة

وكشف الباحث الاقتصادي الموريتاني الإمام محمد محمود في السياق نفسه ان توسع النشاط الاقتصادي التركي-القطري وزيادته بعد الأزمة الخليجية وفي إطار جهود البلدين لتطوير الشراكة الاقتصادية بينهما، أنهت اللجان الفنية الخاصة من البلدين الإجراءات والقوانين اللازمة لإنشاء منطقة للتجارة الحرة. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تسهيل حركة التبادل التجاري وتسهيل الاستثمارات وإزالة كافة العقبات التي تواجه توسع النشاط الاقتصادي بين البلدين.

وتم اعتماد سياسات إصلاحية جديدة في المجال الاقتصادي من جهة السلطات القطرية استعدادًا لإطلاق مشروع منطقة التجارة الحرة من ضمنها تطوير قوانين الاستثمار، وتحديث الأساليب الإدارية، وتوفير كافة الأدوات اللوجستية لتسهيل عمل هذه المنطقة.

وشكَّل فتح ​ميناء حمد​ الدولي ركيزة مهمة في الاستراتيجية القطرية الجديدة للنهوض الاقتصادي حيث يرتبط الميناء الجديد بـ14 ميناء دوليًّا ويقدم خدماته إلى 72 جهة حول العالم. وتشير إحصائيات وزارة الاقتصاد والتجارة القطرية إلى أن ميناء حمد الدولي يسيطر على 27% من حجم التجارة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.

كذلك اتخذت قطر قرارات استراتيجية أخرى بشأن تطوير الشراكة الاقتصادية وتقويتها ومن بين هذه الاستراتيجيات تنويع القطاع غير الهيدروكربوني من خلال فتح آفاق الاستثمار الخارجي (FDI) بنسبة 100% في العديد من قطاعات الدولة إضافة إلى سن القوانين الخاصة المنظمة لمنطقة التجارة الحرة.

منطقة التجارة الحرة بين تركيا وقطر ستشكِّل رافدًا اقتصاديًّا جديدًا في الشرق الأوسط وستدفع بالبلدين إلى تحقيق منافع اقتصادية كبرى من خلال جذب رؤوس الأموال وكسب مزيد من المستثمرين، كما يشكِّل نجاح هذا المشروع حلمًا راود تركيا منذ عام 2010 بإنشاء منطقة تجارة حرة بين تركيا ودول الخليج العربي وهو الحلم الذي تلاشى بفعل الأزمات وحالة الاستقطاب الحادة التي تشهدها المنطقة. وقد جاءت الازمة الخليجية بين قطر وجيرانها لتساهم في تحقق هذا الحلم، تطبيقا للمثل القائل : رب ضارة نافعة .