رغم ​الحروب​ العسكرية الاقليمية والتوترات الامنية والسياسية وحتى النزاعات  الاقتصادية المسيطرة والخطيرة في العالم هناك مؤشرات الى ان ​التجارة البحرية​  هي أقوى مما كانت عليه منذ خمس سنوات، غير أن معارك التعريفات الجمركية وإعادة الهيكلة من جانب شركات الشحن ​تهدد​ بتعطيل دورها كلاعب رئيسي في ​التجارة العالمية​ وفق ما تذكره ​الامم المتحدة​ .

ويأتي التحذير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (​الأونكتاد​) عقب زيادة "صحية" بنسبة 4% في التجارة البحرية عام 2017.

ويقول ​الأمين العام​ للأونكتاد موخيسا كيتوي:  "في حين أن آفاق التجارة المنقولة بحرا إيجابية، إلا أنها مهددة باندلاع الحروب التجارية وزيادة السياسات الداخلية. إن تصاعد تدابير الحماية ومعارك ​الرسوم الجمركية​ الانتقامية قد يعطل نظام التجارة العالمي الذي يدعم الطلب على ​النقل البحري​".

وأفادت النسخة الـ50 من تقرير المراجعة السنوية لصناعة النقل البحري، أن التجارة البحرية العالمية سجلت نمواً صحياً خلال العام 2017، بلغت نسبته 4%، لافتة إلى أن هذا المعدل هو الأسرع خلال السنوات الخمس الأخيرة، متوقعة أن تحافظ التجارة البحرية العالمية على نفس المعدل خلال العام الجاري.

وفي الوقت الذي يتوقع فيه التقرير أن يتواصل النمو الإيجابي للتجارة المنقولة بحراً خلال العام الجاري، فإن هذا النمو يبقى مهدداً من جراء اندلاع الحروب التجارية وزيادة السياسات الانغلاقية، وفقاً لكيتوي. ويأتي هذا التحذير في أعقاب تحسن التوازن بين الطلب والعرض الذي رفع أسعار الشحن لتعزيز الإيرادات والأرباح، حيث تحسنت مستويات أسعار الشحن بشكل ملحوظ في عام 2017 (باستثناء سوق ​ناقلات​ النفط)، مدعومة بالطلب العالمي القوي، والنمو المتزن لسعة الأسطول العام، فضلاً عن الأوضاع الصحية بالسوق بشكل عام.

ومن المتوقع أن تستمر التحسينات في العرض والطلب، لا سيما في قطاعي الحاويات وشحنات البضائع السائبة والجافة في عام 2018، إذ من المتوقع أن تستفيد معدلات الشحن وفقاً لذلك، حيث تتوقع الأونكتاد أن يبلغ معدل النمو السنوي في إجمالي الأحجام نحو 3.8% حتى عام 2023.

زخور

ويرى رئيس الغرفة الدولية لل​ملاحة​  في ​مرفأ بيروت​ ايلي زخور انه منذ اندلاع ​الازمة المالية​ العالمية في ​الولايات المتحدة​ ال​اميركية​ في العام 2008 التي اعتبرت الاسوأ في التاريخ الحديث، وتمددها لتشمل معظم ​الدول الصناعية​ في العالم، ولتنعكس من ثم سلبا على الاقتصاد والتجارة البحرية العالمية، شهد ​قطاع النقل​ البحري العالمي هبوطا وصعودا بأعماله ونشاطه. ومما زاد الطين بلّه نشوب منافسة شديدة بين شركات الملاحة العالمية، وقيام معظمها بممارسة سياسة المضاربة بأجور النقل البحري التي كبدت هذا القطاع خسائر تجاوزت الـ18 مليار دولار في العام 2016. كما أدت هذه السياسة الى إعلان شركات ملاحة عالمية عدة إفلاسها ومن أبرزها شركة “Hanjin Shipping” الكورية الجنوبية التي كانت تحتل المرتبة السابعة في العالم بأسطول تبلغ سعته الاجمالية أكثر من 750 ألف حاوية نمطية.

فائض كبير بسعة الاسطول التجاري العالمي

وأوضح رئيس الغرفة الدولية للملاحة في بيروت ايلي زخور لـ "الاقتصاد"، أن استمرار دخول بواخر الحاويات العملاقة الى قطاع النقل البحري ساهم في إخلال التوازن بين العرض والطلب وإحداث فائض كبير بسعة الاسطول التجاري العالمي.

وقد زادت الحرب التجارية المخاطر على قطاع النقل البحري العالمي، حيث جاءت الضربة القاسية التي تلقاها قطاع النقل البحري العالمي بإعلان ​الرئيس الاميركي​ Donald Trump في الربع الاخير من العام الماضي الحرب التجارية على ​الصين​، وذلك بفرض رسوم جمركية اضافية على سلع مستوردة من الصين والتي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات. وقد ردت الصين بالمثل على الرئيس الاميركي بفرض رسوم جمركية على صادرات اميركية اليها. هذه الحرب زادت من المخاطر على ​الاقتصاد العالمي​ والتجارة البحرية وقطاع النقل البحري العالمي، خصوصا أن الولايات المتحدة هي القوة الاقتصادية الاولى في العالم، والصين الثانية.

4 بالمئة نمو التجارة البحرية العالمية

    وأضاف زخور أن مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية “UNCTAD”  أشار في تقريره عن نشاط قطاع النقل البحري العالمي في العام 2017/2018، بأن التجارة البحرية العالمية سجلت زيادة بنسبة 4 بالمئة، مشيرا الى أن العام 2018 شهد نقل 10.7 مليار طنا من البضائع نصفها سلعا جافة، وتشمل مواد خام ​الحديد​ المشحونة الى الصين والتي كان العامل الاساسي في نمو التجارة البحرية العالمية.

10 شركات بحرية عالمية تهيّمن الاسطول التجاري

    وتابع: أن عمليات الاندماج والاستحواذ التي شهدتها شركات ملاحة بحرية كبرى في السنوات القليلة المنصرمة، والتحالفات البحرية في قطاع النقل البحري، أسهمت في إعادة هيكلة عمليات النقل البحري وتفعيل أعمال ونشاط تلك الشركات، بالاضافة الى التقليص من حدة المضاربة بأجور الشحن البحري. وقد أتاحت هذه العمليات للشركات البحرية العشر الاولى في العالم الهيمنة على أكثر من 70 بالمئة من سعة الاسطول التجاري العالمي، ولثلاثة تحالفات بحرية عالمية السيطرة على أكثر من 93 بالمئة من سعة ثلاثة طرق رئيسية للحاويات بين الشرق والغرب كما أشار تقرير “UNCTAD”.

ولكن اين هو قطاع النقل البحري ال​لبنان​ي في هذه المرحلة ؟

    يؤكد  زخور أن الحرب التجارية الاميركية الصينية لم يكن ولن يكون لها أي تأثير سلبي على لبنان، علما أن ال​احصاءات​ الجمركية أشارت الى أن لبنان استورد من الصين بضائع بـ 1.720 مليار دولار في الاشهر العشرة الاولى من العام الحالي بارتفاع 9 بالمئة عن الفترة ذاتها من العام 2017، مقابل استيراده بضائع من الولايات المتحدة الاميركي 1.194 مليار دولار بانخفاض 5 بالمئة.

    وعن أسباب تراجع ​حركة النقل​ البحري في لبنان خلال العام 2018، أوضح زخور أن هذا التراجع هو الاول من نوعه منذ اندلاع الحرب في سوريا منذ العام 2011، ويعود الى الازمات السياسية والاقتصادية التي عانت وما تزال تعاني منها البلاد، لا سيما التأخير المستمر والمتواصل في تشكيل الحكومة الجديدة الذي انعكس سلبا على الاوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد والحركة التجارية في الاسواق. فهذه الاوضاع المتفاقمة، وكما قلنا سابقا تدفع التجار الى شد الاحزمة والتقليص من حجم مستورداتهم بانتظار تبلور الاوضاع السياسية في البلد، وهذا بدوره يؤثر سلبا على قطاع النقل البحري اللبناني.

نتائج مرفأ بيروت مقبولة

    وأضاف زخور أن احصاءات مرفأ بيروت تشير الى أن كميات البضائع بلغ وزنها 7.303 ملايين طن في الاشهر الاحدى عشر الاولى من العام 2018، بانخفاض 8 بالمئة عما كان عليه في الفترة نفسها من العام الماضي، في حين ارتفع عدد الحاويات التي تداولها الى 1.201 مليون حاوية نمطية وبنسبة 1.12 بالمئة. كما تراجع عدد البواخر التي أمته الى 1.728 باخرة وبنسبة 0.86 بالمئة. وسجلت ​الواردات​ المرفئية انخفاضا طفيفا حيث بلغ مجموعها 214.4 مليون دولار بانخفاض 1.68 بالمئة. وأوضح أن هذه النتائج ما تزال تعتبر مقبولة في ظل هذه الازمات المتفاقمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

 وفي غضون ذلك يبقى السؤال : ما هي الجدوى الاقتصادية المرتقبة لتوسيع مرفأ بيروت مع العلم ان المشروع بانتظار تشكيل حكومة جديدة؟

المخطط التوجيهي لتفعيل دور المرفأ

    عن آخر التطورات المتعلقة بالمخطط التوجيهي الذي أعدته شركة "خطيب وعلمي" حول مشروع توسيع مرفأ بيروت والدور المنتظر أن يلعبه خلال السنوات المقبلة وحتى العام 2037، أوضح زخور أن هذا المخطط الذي أعدته هذه الشركة بالتعاون مع شركة استشارية أميركية يتضمن عدة خيارات لتطوير المرفأ وتوسيعه ليتمكن من تفعيل دوره المحوري في المنطقة والمحافظة على تفوقه كأحد أبرز المرافئ في منطقة الشرق المتوسط. ومن ضمن الخيارات المقترحة العودة الى المشروع  القديم بردم الحوض الرابع، أو التمدد والتوسع شرقا بعد مجرى نهر بيروت مع تطوير مكسر الموج (break water) لتأمين الحماية للتوسعة الجديدة من سوء الاحوال البحرية والامواج العاتية، أو التمدد والتوسع من الجهتين الشرقية والغربية. وأشار الى أن المشروع الأقل كلفة والاسهل تنفيذا وذو جدوى اقتصادية أكبر من بين تلك المشاريع المقترحة، هو ردم الحوض الرابع.

وذكرزخور أن استعانة ادارة المرفأ بالباحات الموجودة في المرفأ الذي يستقبل البواخر التقليدية (general cargo) ساهمت في تخفيف الضغط عن محطة الحاويات وحالت دون تجدد الازدحام وتفاقم الاوضاع فيها.

تكاليف مشاريع التوسيع والتطوير

    وعن صحة التكاليف التقديرية لردم الحوض الرابع والتي ذكر بعض النواب أنها تفوق الـ 270 مليون دولار، أكد زخور أن هذه المعلومات غير صحيحة لأن هذه التكاليف التقديرية بحسب المخطط التوجيهي تشمل التكلفة الكاملة لتطوير المرفأ حتى العام 2037، أي: ردم الحوض الرابع في حال اعتماد هذا الخيار، وأعمال حفر الحوض الثالث (dredging) لتعميقه، وبناء مستودعات حديثة ومحطة خاصة لمناولة وخزن الحديد (steel)، وبناء مبنى مواقف متعدد الادوار لاستيراد وتصدير ​السيارات​، وتوسعة ​المنطقة الحرة​ وتطوير محطة الركاب مع استحداث رصيف خاص لها، بالاضافة الى أعمال تحديث الارصفة، علما أن التكاليف النهائية سوف تحدد استنادا الى المناقصات التي ستجرى لتلزيم الاشغال المقترحة.

    وقال : أن مرفأ بيروت ليس بحاجة لأحد لتمويله أو لقروض لتنفيذ المشاريع التي لحظها المخطط التوجيهي في حال إقراره من جانب الحكومة الجديدة، فالمرفأ قادر على تنفيذ هذه المشاريع من  ايراداته الذاتية التي تفوق الـ 230 مليون دولار سنويا.