قابلت منظمة الدول المصدرة للنفط "​أوبك​" قرار قطر بالانسحاب من المنظمة ببرودة تامة ، ولم تعلن حتى الاسف على القرار، مشيرة في بيان بعد اجتماعها امس الاربعاء الى أن كل دولة تحظى بعضويتها لها "حق سيادي في الانسحاب من المنظمة، وهذا لا يتطلب موافقة من مؤتمر الأوبك"، مضيفة أنها "تحترم القرار الذي اتخذته ​دولة قطر​".

وحدها ​طهران​ غردت خارج السرب اذ اعتبر وزير ​النفط​ ال​إيران​ي، بيغن زنغنه، أن المنظمة تواجه مشاكل ملموسة يعاني منها بعض أعضائها، داعيا إلى دراسة أسباب خروج قطر منها.

و​ذهب​ ممثل إيران في مجلس محافظي ​منظمة أوبك​ حسين كاظم بور أردبيلي ابعد من ذلك اذ اعتبر أن القرار القطري بالخروج من المنظمة يعكس "خيبة أمل" بعض أعضائها إزاء الدور الروسي والسعودي في سوق النفط.

أضاف أن "هناك كثيرا من الأعضاء الآخرين في أوبك تشعر بخيبة أمل لأن اللجنة الوزارية المشتركة للمراقبة (التي تترأسها ​روسيا​ و​السعودية​) تتخذ قرارات بشأن الإنتاج بشكل أحادي الجانب ومن دون التوافق المطلوب من قبل أوبك"، على حد قوله.

وكان قرار دولة قطر بالانسحاب من منظمة "أوبك" اعتبارا من كانون الثاني يناير 2019، قد فاجأ الاوساط السياسية وال​اقتصاد​ية الدولية، ولكنه لم يحدث اي صدمة، سلبية او ايجابية، لاسباب عدة أهمها، محدودية الدور القطري في هذه المنظمة.

ورغم تأكيد وزير ​الطاقة​ القطري، سعد الكعبي، إن "قرار بلاده الانسحاب من أوبك جاء بعد مراجعة سبل تحسين الدور الدولي، والاستراتيجية طويلة الأجل"، نافيا "وجود خلفية سياسية لهذا القرار" ، الا أن المراقبين يجزمون بان القرار سياسي على صلة بالازمة مع عدد من ​دول الخليج​ ، تتقدمها السعودية، بالاضافة الى ​مصر​ .

لقد عانت قطر من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من جانب دول المقاطعة وعلى رأسها السعودية، منذ حزيران يونيو 2017 لذلك تحاول، من خلال الانسحاب من أوبك، إزالة القيود أمام زيادة صادراتها للغاز الطبيعي المسال من جهة، وضرب السعودية من جهة ثانية، قبيل انعقاد قمة "أوبك +" في ​فيينا​ التي من المتوقع أن تخرج باتفاق على خفض الإنتاج.

الأهم من ذلك ، ​البعد​ السياسي للقرار، اذ تتمنى قطر تشكيل حلف نفطي يضمها الى إيران و​العراق​ و​الجزائر​، اقليميا ، وحتى روسيا و​فنزويلا​ ، دوليا ، لمواجهة الهيمنة الثلاثية الكبرى على سوق النفط، أي ​الولايات المتحدة​ وروسيا والسعودية، على حساب الدول الأعضاء في أوبك ، ولكن هكذا حلف يتوقف على موقف روسيا اولا واخيرا .

وسرعان ما سقط الرهان القطري اولا بسبب برودة موقف "المنظمة" من انسحابها ، وثانيا ، موقف روسيا التي ترتمي اكثر فاكثر في الحضن السعودي ، وتحت المظلة الاميركية ، بهدف الحفاظ على مستوى ​اسعار النفط​ عند حدود معينة . وقد أكد ذلك الكلام الايراني هذا الاتجاه .

وبالعودة الى حيثيات قرار قطر بالانسحاب من ​اوبك​ ، فهو يأتي بعد ان نجحت الدوحة حتى الآن في الصمود ونجا اقتصادها من السقوط لا بل تمكنت من استعادة نسق نموها المتصاعد بفعل سياسة التنويع الاقتصادي .

وواصلت قطر تنفيذ سياساتها الاقتصادية الهادفة لدعم نمو الاقتصاد المحلي بالاعتماد على القطاعات غير النفطية. وأسهمت ​الثروات​ الطبيعية التي تتمّيز بها هذه الدولة برسم ملامح الاقتصاد المحلي، اذ تم الاستفادة منها لدعم نمو القطاعات غير النفطية .

كذلك ​اسهم​ تنامي الطلب العالمي على ​الغاز​ في هذا الصمود فصارت قطر من أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم ، رغم العراقيل التي تسبب بها الحصار على حركة الصادرات و​الواردات​ القطرية، بإغلاق كافة خطوطها البرية وكذلك الجوية والبحرية أمام السفن و​الطائرات​ القطرية.

وعلى الصعيد المالي أعلنت وكالة ​موديز​ للتصنيف الائتماني، عن تعديل نظرتها المستقبلية لـ 10 ​مصارف​ قطرية من "سلبية" إلى "مستقرة".

وأرجعت موديز هذا التوجه إلى مرونة ​البنوك القطرية​ والبيئة الاقتصادية للدولة إثر فرض الحصار، مع تأكيد النظرة المستقبلية لحكومة دولة قطر عند "Aa3 ".

هذا النجاح جعل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يشيد باقتصاد جارته الخليجية اللدودة في خطوة لافتة، معتبرا خلال المنتدى الاقتصادي "دافوس في ​الصحراء​ " ، انه "حتى قطر على رغم خلافنا معهم لديهم اقتصاد قوي وستكون مختلفة تماما بعد خمس سنوات".

كذلك فان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز دعا امير قطر تميم بن حمد آل ثاني الى حضور قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض في التاسع من الجاري.

لذا ارادت قطر القرار بالخروج من "اوبك" هو قرار سياسي يؤسس لمرحلة جديدة ، تنتقل فيها قطر من الصمود الى الانتعاش ، وهو تتويج لانتصار سياسي تريد قطر استثماره بالتأكيد على مزيد من الاستقلالية تجاه دول الجوار ، وتحديدا جاراتها الخليجية.

فعلى الصعيد الاقتصادي البحت لا يتوقع أن يؤثر قرار قطر الانسحاب من "أوبك" بصورة ملحوظة على سوق النفط العالمية ومصالح بقية دول التكتل ، اولا ، لانه تلازم مع اعلان قطري واضح باستمرار الالتزام بتعهداتها وهي خارج المنظمة .

ومن ناحية ثانية فان زيادة قطر إنتاجها النفطي، إن قررت ذلك غير ممكن، ولن يؤثر سلبا أيضا على السوق العالمية، فهي لا تملك ما يكفي من الإمكانيات لزيادة إنتاجها من النفط، إذ سبق والتزمت بخفض الإنتاج بكمية 30 ألف برميل يوميا بموجب اتفاق وقعته ضمن "أوبك" مطلع 2017، وفي ​تشرين الاول​ أكتوبر الماضي خفضت إنتاجها بمقدار 40 ألف برميل يوميا، وهو ما يشير إلى وجود صعوبات تواجهها قطر أمام زيادة الإنتاج.

في المقابل فان قطر لو قررت البقاء في "أوبك" لاضطرت إلى الالتزام بالمزيد من خفض ​إنتاج النفط​، وهذا الأمر ليس في مصلحة الدوحة التي شكل إنتاجها نسبة 1.85% فقط من إجمالي إنتاج المنظمة، بواقع 609 آلاف برميل يوميا في عام 2017.

المعروف ان ​الاقتصاد القطري​ لا يعتمد على النفط بل على الغاز ، فهي أكبر مصدر عالمي للغاز الطبيعي المسال، وكانت وزارة الطاقة القطرية اعلنت العام الماضي ، عزمها على زيادة إنتاجها من الغاز في حقل الشمال بنسبة 30%، من 77 إلى 100 مليون طن سنويا، في خضم الأزمة مع جيرانها ​الخليجيين​.

كما وضعت قطر خططا للتوسع في ​إنتاج الغاز الطبيعي​ المسال الحالي من نحو 77 مليون طن إلى 110 ملايين طن خلال السنوات المقبلة،وتعمد استراتيجيتها على رفع طاقتها الإنتاجية من 4.8 مليون برميل يوميا إلى 6.5 مليون برميل مكافئ يوميا خلال العقد القادم.

وبالتزامن مع اعلان الانسحاب من "اوبك" اكدت قطر أنها ستعلن عن شراكات دولية كبيرة في الأشهر المقبلة ، في مجال ​انتاج الغاز​ ، والمقصود بالدرجة الاولى ​الشركات الروسية​ ، حيث تشكل هذه الشراكة دافعا اضافيا للتحالف السياسي النفطي الذي قد تقوده روسيا ، كما ترغب قطر، للتخلص من ضغوط واملاءات الهيمنة الاميركية – السعودية على سوق النفط العالمي.ولكن هذا الطموح لا يزال بعيدا عن التحقق .. والواقع .