اهتز عالم الأعمال مطلع الأسبوع الماضي على وقع خبر إعتقال رجل الأعمال ال​لبنان​ي الأصل ​كارلوس غصن​، رئيس شركات ​السيارات​ "نيسان"، "​رينو​" و"​ميتسوبيشي​"، الذي عرف ب​إنقاذ​ه "نيسان" من الإفلاس في تسعينيات القرن الماضي. جاء ذلك على خلفية مخالفات مالية مزعومة.

وقد أثار إعتقال غصن إهتماما عالميا، فيما سعت الرئاسة الفرنسية إلى حماية شركاتها من إرتدادات الحدث الصادم، وأبدت ​الدولة اللبنانية​ عبر وزارة خارجيتها حرصها على متابعة قضية مواطنها لضمان حصوله على محاكمة عادلة، ذلك عبر سفيرها في ​طوكيو​.

القضية وحيثياتها

الادعاء العام ​اليابان​ي زعم، بناء على تحقيق داخلي لـ"نيسان"، أن المدير السابق للشركة اليابانية ​قلل​ بنحو النصف من المكافآت التي حصل عليها من " نيسان" على مدى خمس سنوات من عام 2010، وقيمتها 68 مليون دولار، ذلك فيما نفى غصن الادعاءات وأبلغ المحققين أنه لم يتعمد حجب بعض موارده المالية عن السلطات. بدوره قال المدير السابق في "نيسان" غريغ كيلي، وهو المعتقل مع غصن، أن تصاريح مدفوعات رئيسه جاءت بعد مناقشات مع مسؤولين في الشركة، وأنه حصل عليها بشكل قانوني.

وفي خلفيات الحدث، برزت شكوك بشأن توقيت أفول نجم غصن، الذي جاء وسط قلق على مستقبل الشراكة بين "نيسان" و"رينو"، فيما يسود اعتقاد بأن غصن كان يخطط لدمج الشركتين بشكل كامل، الأمر الذي أثار مخاوف لدى بعض مدراء "نيسان" من أن تصبح الشركة "الشريك الأصغر".

غصن... قصة نجاح عالمية

غصن كان ينظر إليه على أنه "البطل" في اليابان، حيث أرخت قصة حياته كـ"بطل خارق" في سلسة قصص يابانية، بينما أسمته مجلة "فوربس": "الرجل الجاد في العمل في مواجهة تحديات ​تجارة​ السيارات العالمية"، فضلا عن ترشيحه للرئاسة اللبنانية من قبل حزب الكتائب، وترشيحه كذلك من قبل شركة "أكسا" للتأمين كـ"أحد المشاهير المؤهلين لإدارة اليابان".

لم تكن نجومية غصن في ​الإقتصاد العالمي​ صنيعة الإعلام أو دعم حكومي بقدر ما كانت أبرزته إنجازاته، ذلك أن الرجل كان يمثل أسطورة في مجاله، وقد عمل خلال مشواره على إنقاذ كل الشركات التي عمل فيها من تعثراتها في أزمان قياسية.

بداية لامعة مع شركة "ميشلان"

التحق كارلوس بـ"ميشلان" الفرنسية، أكبر شركة أوروبية لإطارات السيارات، في عمر الـ24 عاما، وقضى فيها 18 عاما تقلد خلالها مناصب رفيعة.

وأصبح غصن في عمر الثلاثين الرئيس التنفيذي بأميركا الجنوبية، وهناك بزغت موهبته وحرفيته بعد أن قاد "ميشلان أميركا الجنوبية" الخاسرة إلى تحقيق الأرباح بعامين.

قيادة "رينو" نحو الربح مجددا

ورغم سجله الرائع في "ميشلان"، إلا أنه تركها بعد وصوله إلى السقف في سلم الترقيات، والتحق بـ"رينو" الفرنسية نائبا للمدير، وكعادته أظهر مهارته في تنفيذ المهمات بنجاح.

وقاد غصن تحول "رينو" ونجح بإعادة الشركة الخاسرة إلى الربح في العام التالي من تعيينه ليكتسب لقب "قاتل التكاليف".

وجاءت سنة 1996 ليدرك المدير التنفيذي لـ"رينو" لويس شويتزر أن غصن هو "أحد أصول الشركة" التي يعول عليها، فضخ 7 مليار دولار في شركة "نيسان" مقابل حصة في أسهمها، وأرسل غصن إلى طوكيو ليصبح مديرها التنفيذي.

إنقاذ نيسان واكتمال نجومية غصن

واجه غصن في "نيسان" مهمة شاقة للغاية، إذ إن الشركة كانت تعاني من ​ديون​ تتجاوز الـ20 مليار دولار، وكان سجلها في الخسائر عريضا وإنتاجها من السيارات يتراجع. وكان على غصن تطوير خطة إعادة هيكلة، بمنافسة شرسة مع "​تويوتا​" و"​هوندا​" اليابانيتين اللتين تفوقتا على "نيسان" ​تكنولوجيا​.

وآنذاك كانت "نيسان" تعاني من تضخم وظائفها، لكن غصن أغلق 5 مصانع وتخلى عن 21 ألف وظيفة، ثم خفض ديونها ببيع أسهمها لدى نصف شركائها من الموردين. كذلك، أدخل دما هندسيا جديدا، ولاحقا نجح بخفض التكاليف بنسبة 20% وأصبح لدى الشركة 22 طرازا جديدا.

كما وكان كارلوس غصن محور التحالف القوي ومهندس التحالف الاستراتيجي بين شركات "نيسان" و"رينو" و"ميتسوبيشي" التي ترأسها في آن، وقد سمحت هذه الشراكة بتنافس أفضل مع شركات ضخمة مثل "​فولكس فاغن​" و"تويوتا" و"​جنرال موتورز​"، وأصبح التحالف يستحوذ على واحدة من كل 9 سيارات تباع في أنحاء العالم.

غصن... اللبناني الذي بات مواطنا عالميا

غصن الذي استطاع أن ينهض بأبرز ​الشركات العالمية​ الكبرى متعددة الجنسيات في عالم السيارات، كان بدوره مواطنا عالميا، حيث حمل الجنسيتين البرازيلية والفرنسية، إلى جانب جنسية وطنه الأم لبنان، الذي عاد إليه في طفولته وقضى فيه 10 سنوات، ودرس المرحلة الإعدادية في عاصمته، قبل أن يتم مرحلته التحضيرية بباريس ثم يتخرج عام 1974 بدرجة بكالوريوس في الهندسة في ​فرنسا​.

ويجيد غصن أربع لغات بطلاقة هي الفرنسية والبرتغالية والإنكليزية والعربية. وقد تعلم أيضا اليابانية. وكان عنوانا لعدد من الكتب الإنكليزية واليابانية والفرنسية. كما ألف غصن كتابا بالإنكليزية عن قصته مع "نيسان"، "التحول، النهوض التاريخي ل​شركة نيسان​" وهو من الكتب الأكثر مبيعا في مجال إدارة الأعمال.