أشارت وكالة "بلومبرغ" في تقرير لها إلى أنه خلال العقد الماضي، كانت ​الصين​ تستثمر الكثير من الأموال في جنوب ​الصحراء​ الكبرى الإفريقية، ونتيجة لذلك، شعر بعض المراقبين الغربيين بالقلق من أن هذه الإستثمارات تمثل شكلاً جديدًا من أشكال الاستعمار. وبالنظر إلى تاريخ القارة مع الغزاة الأوروبيين والبلدان الغنية التي تحاول استغلال مواردها الطبيعية بتكلفة زهيدة، فإن هذا الشك أمر مفهوم.

وكان الاستعمار في الغالب يتعلق باستخراج ​الموارد الطبيعية​ من بعض الدول، وفي بعض الأحيان الإستفادة من اليد العاملة الرخيصة. فعلى الرغم من أن ضمان الوصول إلى الموارد الطبيعية هو بالتأكيد أحد أهداف الصين، فإن استثماراتها في ​أفريقيا​ تتجاوز الصناعات الاستخراجية. فالقطاعات التي تتلقى معظم الأموال الصينية كانت خدمات تجارية، كتجارة ​الجملة​ و​التجزئة​، الاستيراد والتصدير، البناء والنقل، التخزين والخدمات البريدية، مع المنتجات المعدنية التي تأتي في المرتبة الخامسة.

ونظرا للقوة الدراماتيكية التي أظهرتها الصين خلال العقود القليلة الماضية، فإن جذب ​رؤوس الأموال​ الأجنبية يمكن أن يكون جزءاً رئيسياً من استراتيجية نمو فعالة. فعندما توظف شركة من الصين - أو الولايات المتحدة أو اليابان أو فرنسا أو أي مكان آخر - الأفارقة لصنع ملابس أو برامج برمجية أو بناء منازل، يتقاسم العمال الأفارقة الفوائد على الفور. كما يوفر هذا الدخل لأصحاب المشاريع الأفارقة المحليين، الذين ينشؤون شركات جديدة لبيع الأشياء إلى الشركات الأجنبية وموظفيها.

وإذا كانت البلدان ذكية بشأن تخصيص التكنولوجيا الأجنبية، يمكن أن تؤدي إلى زيادات في الإنتاجية على المدى الطويل كذلك. بينما يتعلم الأفارقة التقنيات والأفكار والحيل من الشركات الأجنبية ويبتكرون شركات جديدة بأنفسهم، سيحصلون على النفوذ للاستحواذ على شريحة أكبر من القيمة التي تخلقها الاستثمارات الأجنبية. ومع تحسن إنتاجيتهم، ستنمو هذه القيمة وستتمكن هذه الحكومات الأفريقية من الوصول والتحكم بحصة كبيرة متزايدة من العملاء ​الشباب​ في العالم، وستكون قادرة على استخدام هذه الرافعة للحصول على تنازلات أكبر - مثل الأموال والتكنولوجيا وشروط التعاقد المواتية - من الشركات متعددة الجنسيات.

فالسبب الرئيسي وراء أهمية ​إفريقيا​ هو السكان، اذ بإمكانك ان تبحث عن أي خريطة لمعدلات الخصوبة الإجمالية، عندها يمكنك أن ترى بسهولة أنه مع بعض الاستثناءات المبعثرة، فإن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هي المكان الوحيد الذي لا يزال فيه الناس لديهم عائلات كبيرة، على الرغم من أن الأحجام الأسرية ستنخفض عندما تصبح القارة أكثر ثراء - وهذا ما يحدث بالفعل - لا يزال من المتوقع أن تشهد أفريقيا نموًا سكانيًا أكبر بكثير من أي مكان آخر. وبحلول نهاية هذا القرن، سيكون ثلث سكان العالم، وجزء أكبر من شبابه، أفارقة، لذلك، فإن مستقبل أفريقيا مرادف لمستقبل الجنس البشري.

ومع زيادة ​عدد السكان​ في القارة، فإن تلك الشركات ذات الوجود الثابت في إفريقيا ستكون في وضع أفضل يمكّنها من بيعها في الأسواق الأفريقية المزدهرة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون لديهم معرفة للسوق المحلية، وصلات وقنوات التوزيع للتغلب على المنافسين الذين فشلوا في الاستثمار في وقت مبكر.

وهناك عدة اتجاهات أخرى تجعل الاستثمار في أفريقيا فرصة أكثر إغراء. فإن معدلات الأمية تراجعت بسرعة وبشكل كبير. كما انخفضت نسبة الوفيات بسبب الملاريا بمقدار النصف تقريباً منذ بداية القرن، وانخفضت معدلات ​الجوع​ ووفيات الأطفال. فالجماهير الأكثر صحة وتعليما هي أفضل تجهيزا بكثير لقراءة التعليمات، واستيعاب المعلومات، والظهور في العمل باستمرار. وفي الوقت نفسه، فإن زيادة المعرفة بالقراءة والكتابة والوصول إلى ​الإنترنت​ تكشف عن مساحات شاسعة من المواهب الأفريقية المخفية في السابق. كما أن ​الحروب​ الكبيرة في التسعينات وعقد 2000 قد انتهت والديمقراطية تنتشر وتتكاثر، بحيث ستصبح الانقلابات والأوتوقراطيون الأقوياء أكثر ندرة، كما تحسنت تدابير الحكم. كل هذه المزايا شكّلت بيئة مستقرة للشركات التي تتطلع إلى الاستثمار.

ويشير التقرير إلى أن أفريقيا لا تزال غير قادرة على المنافسة مع الصين من حيث تكاليف التصنيع، ولكن مع استمرار ارتفاع ​الأجور​ الصينية، فإن الفجوة تضيق. لكن يمكن أن يكون القطاع الأكثر أهمية هو ​قطاع الخدمات​، إذ يبين تقرير حديث لمعهد "بروكينغز" أن النمو يتركز الآن في أجزاء كثيرة من أفريقيا في الخدمات التجارية ذات الصلة بالزراعة و​تكنولوجيا المعلومات​ و​السياحة​. فبرزت ​كينيا​ و​رواندا​ و​السنغال​ و​جنوب إفريقيا​ كقادة لخدمات تكنولوجيا المعلومات. ومع ازدياد عملية التصنيع في العالم تلقائيًا، توقع المعهد أن يزداد قطاع الخدمات أهمية. ليبقى قطاع ​الإسكان​ و​البنية التحتية​، إذ ان هؤلاء المليارات من الأفارقة الشباب الأكثر ثراء سيحتاجون إلى أماكن للعيش والطرق للسفر و​الطاقة الشمسية​ لتشغيل ​مكيفات​ الهواء التي تحميهم من الاحترار العالمي والبنية التحتية للمياه وما إلى ذلك.

لذا لا ينبغي على الغربيين أن يقلقوا من أن الاستثمار في إفريقيا يعني تكرار خطايا أسلافهم الاستعمارية. في ​الاقتصاد العالمي​ الحديث، يعد تمويل الصناعات الإنتاجية أكثر أهمية من الاستيلاء على الموارد - علاقة مربحة بدلاً من الاستغلال. الصين تدرك ذلك وتقدر إمكانات الإنتاج الضخمة غير المستغلة في إفريقيا. يجب على الغرب أيضا.