يتابع ​الاقتصاد ال​لبنان​ي​ آداءه الضعيف بتأثير مباشر من استمرار الازمة الحكومية وتصاعد وتيرة التجاذبات السياسية على المستوى المحلي، بالاضافة الى استمرار انعكاس الوضع الاقليمي المأزوم على الوضع المحلي. وينعكس ذلك بشكل واضح وملحوظ على حالة الأسواق، وعلى القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، إذ يظهر واضحاً عدم ثقة المجتمع اللبناني بقدرة السلطة الحاكمة على التغيير والإصلاح على الرغم من الوعود الكثيرة التي طُرحت في الفترة الماضية، خاصة أن نسبة البطالة بين الشباب وصلت إلى 35%، بالإضافة إلى أزمات كثيرة تعجز الدولة عن إيجاد حلول لها كالنفايات وأزمة ال​قروض​ ​الإسكان​ية وفضيحة المطار وغيرها الكثير.

وعلى الرغم من الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية الصعبة، أفادت معلومات صحافية إلى ان ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامة​، طرح في الاجتماع الذي عقد الأسبوع الفائت بينه وبين نواب من لجنة ​الاقتصاد​ الوطني والتجارة و​الصناعة​ والتخطيط النيابية​، فرض رسم 5000 ليرة لبنانية على ​البنزين، ورفع ضريبة القيمة المضافة (VAT)، لحل أزمة قروض الإسكان، كما رفض سلامة البحث في اقتراح تقدّم به أحد النواب ويقضي باقتطاع ضريبة من ​المصارف​ لتمويل القروض الإسكانية. وفي الأسبوع الماضي تمّ تفعيل الضريبة ص10 التي تفرض على المؤسسات والشركات وأصحاب المهن، دفع رسم سنوي مقطوع يصل إلى 2 مليون ليرة.

فهل وصلت السلطة الحاكمة إلى مرحلة عجز كلّي لإيجاد الحلول المنطقية والمدروسة من أجل حل الملفات والمشاكل العالقة بعيداً عن جيوب المواطنين والفقراء ؟ وإلى متى سيصمد الوضع الإقتصادي على ما هو عليه ؟ وهل إقتربنا فعلا من مرحلة الإنفجار الإجتماعي ؟ .. أسئلة كثيرة أجاب عنها مدير معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية والإقتصادية د. ​سامي نادر​ في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية، ما هي إنعكاسات وتأثيرات فرض ضرائب ورسوم جديدة على المواطنين والمؤسسات في ظل الوضع الإقتصادي المتدهور الذي نعيشه ؟

أي إجراء أو توجّه نحو فرض رسم او ضريبة إضافية جديدة على المواطن في المرحلة الحالية، يندرج تحت سياسة "لحس المبرد" إذا صحّ التعبير، فالقوى السياسية والسلطة الحاكمة تتخبّط وتتجه بالبلد نحو الهاوية. ففرض أي ضريبة الأن سينعكس إنكامشاً إضافيا في الإقتصاد.

وللأسف، السلطة سلّطت الضوء على بعض التقارير العالمية، كتقرير "​ستاندرد آند بورز​" الذي رفع تصنيف لبنان السيادي، إضافة إلى تقرير مجلة "الإيكونوميست" أيضا .. ولكنهم تجاهلوا ما حذّرت منه هذه التقارير، التي لفتت إلى ان سلسلة الرتب والرواتب، والسياسة الضريبية المتبعة كان لها تأثير سلبي كبير على الإقتصاد.

فإذا لا يريدون تصديقنا كإقتصاديين محليين، فليصدّقوا التقارير العالمية، وليأخذوا تحذيراتهم على محمل الجد قبل فوات الأوان.

هل تعتقد ان السلطة الحاكمة وصلت إلى مرحلة عجز كلّي لإيجاد الحلول المنطقية والمدروسة من أجل حل الملفات والمشاكل العالقة بعيداً عن جيوب المواطنين والفقراء ؟

بدون أدنى شك هناك تخبّط كبير وغياب لأي رؤية أو قرار واضح بهذا الخصوص. وبالنسبة لأزمة القروض الإسكانية لست على إطلاع تام بما يحصل حالياً، وعمّا إذا كان هناك تنسيق بين وزارة المال والمصرف المركزي. ولكن على مستوى التحليل الإقتصادي، أجزم بان هامش مناورتنا اليوم لوضع سياسات نقدية ولإتخاذ إجراءات من أجل تخفيض ​اسعار الفائدة​ أصبح ضئيل وضيّق جداً، وذلك بسبب تنامي عجز الخزينة، وتنامي النفقات الحكومية وتراكم ​الدين العام​ ... والدليل على ذلك هو أسعار الفائدة الخيالية التي تعطيها المصارف على الودائع بالليرة اللبنانية والتي تصل إلى 15 و 20%. والسؤال المطروح هنا، كيف ستقوم المصارف بإعطاء قروض طويلة الأمد بفائدة منخفضة (4 و 5%) في ظل وجود فائدة مرتفعة جدا على الودائع.

لذلك، لكي نتمكن من إنشاء سياسات نقدية صحيحة والوصول إلى فوائد منخفضة على المدى الطويل تساعدنا على تمويل القروض الإسكانية، يجب علينا أن نعمل على تصحيح ميزان المدفوعات، وإنعاش القطاعات القادرة على جذب العملات الأجنبية كالسياحة والصادرات الخارجية وغيرها، والتوقف عن إفتعال مشاكل مع الدول الإقليمية، التي تنعكس سلباً على تحويلات المغتربين من الخارج. فهذه النقاط التي يجب العمل عليها بدلا من فرض ضرائب على المواطنين والمؤسسات في ظل النزف الإقتصادي الحاصل.

فمحركات النمو اليوم كلها متوقفة، وفرض ضريبة جديدة ستزيد من تعطيل محركات النمو والدورة الإقتصادية في البلد. لا يمكن الإستمرار فقط بوضع دراسات وخطط دون محاولة تطبيق أي منها.

إلى متى سيصمد الوضع الإقتصادي على ما هو عليه ؟ وهل إقتربنا فعلا من مرحلة الإنفجار الإجتماعي ؟

أنا أعتقد أن الإنفجار الإجتماعي قادم لا محالة إذا إستمرت الأوضاع على ما هي عليه، وهنا لا أتحدث عن سنوات، إنما أشهر.

فمن غير الممكن الإستمرار على هذه الحال، ومن غير الممكن أن يصمد بلد مثل لبنان في ظل نمو سكاني أعلى بـ 5 مرّات من النمو الإقتصادي، ونسب الفائدة فيه قفزت عن الـ 15%.

يتحدثون عن نسب نمو 1 و 1.5% سنويا، ولكنهم يغفلون ​النمو السكاني​ الذي يصل إلى 3 و 4%، وهذا يعني ان مدخول الفرد السنوي يتراجع سنوياً، وهذا سيوصلنا حتماً إلى ركود مستدام.