لا بوادر بتشكّل الحكومة قريباً. هذا ما يخلص اليه المواطن اللبناني بعد تصفّحه للأخبار اليومية منذ 24 أيار الماضي. الحديث لا يزال جارياً عن عقد داخليةً وتدخلات خارجية وتوزيع حصص، وكأنّ هذا البلد لازال يحتمل هذه الهرطقات.

في ​إسبانيا​، اختار البرلمان الاشتراكي بيدرو سانشيز رئيسا للحكومة الجديدة في 1 حزيران فاستغرقت مهمة التشكيل 5 أيام نتجت عنها حكومة تتألف من 11 وزيرة و6 وزراء.

في ​الأردن​، كلّف ​الملك عبدالله الثاني​ الرئيس عمر الرزاز في 5 حزيران بتشكيل حكومة جديدة فاستغرقت المهمة 10 أيام وكانت النتيجة حكومة مؤلفة من 28 وزيرا برئاسة الرزاز ووزيرا للدفاع أيضا، وتضم سبع سيدات للمرة الأولى في تاريخ تشكيل الحكومات في البلاد.

ماذا عن الحكومة اللبنانية بعد حوالي ثلاثة أشهر من تكليف الرئيس ​سعد الحريري​؟ ما هي هذه التشكيلة المعجزة التي يعدّونها؟ وكأننا لا نعلم أن التشكيلة ستكون خليط من التشكيلات السابقة والوجوه نفسها والأداء البائس نفسه. ما هو تأثير هذا التأخر على الإقتصاد المثير للشفقة أصلاً؟  وماذا عن الإصلاحات التي تعهّدوا بها في "​سيدر​"؟ لمعرفة المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع وعدد من المواضيع الأخرى كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير المصرفي ​​عادل حمدان​:

- إلى أي مدى أثّر تأخير تشكيل الحكومة على الإقتصاد اللبناني؟

بناءً على تجارب ومعطيات ومراحل سابقة مماثلة ، لا أرى بأن تشكيل الحكومة بالسرعة الممكنة أو عدم تشكيلها، قد يؤثر بشكلٍ مباشر أو نوعي على مسار الإنعاش أو التراجع في الإقتصاد اللبناني، وقد تعاظمت الأسباب التي أدت إلى تراجعه في الأعوام الأخيرة، دون وجود الحلول المباشرة أو غير المباشرة لإنقاذه، لا سيّما المحاولات التي يبدو أنها لا تزال متعثّرة إلى حدّ كبير كمؤتمر "سيدر" المرتبط بالإصلاحات التي تمّ التعهّد بها من قبل الدولة اللبنانية.

لا شك بأن التأخير في تشكيل الحكومة قد يترك بعض الردود السلبية أو غير المطمئنة لدى المواطنين خوفاً من تطوّرات ما قد تحصل، أو أن الإختلافات القائمة في عملية التشكيل قد تُصبح خلافات في المستقبل ليس معروفاً مدى تأثيرها على الأوضاع بشكل عام. أما على الصعيد الإقتصادي فعوامل النهضة في الإقتصاد لم تظهر مؤشراتها بعد باستثناء ما قد يطرأ على صعيد النفط وريعية إنتاجه وتوظيفه في المشاريع المنتجة.

- هل لا زلنا في المهلة المعقولة بالنسبة للإصلاحات التي تمّ التعهّد بها لـ"سيدر"؟

نتكلّم عن الإصلاحات وكأنها مرتبطة بالمهل المعقولة أو غير المعقولة للمباشرة بها أو تنفيذها. إن الإصلاحات بالمنظور الإقتصادي أو الإجتماعي هي غير الإصلاحات أو الإنجازات التي نسمع عنها باستمرار، كإصدار القانون الجديد للإنتخابات النيابية، أو إجراء الإنتخابات، أو إنتخاب رئيس للجمهورية، أو إستقدام بواخر الكهرباء، أو محاربة الفساد، أو...أو...

فماذا يهمّ المواطن العادي إذا ما حُقّقت كل هذه الإنجازات وهو يُعاني من إرتفاع نسب البطالة، ومن عدم وجود فرص عمل تُيسّر لقمة العيش، وأيضاً شبه انعدام الإمكانية لتملّك منزل له ولعائلة يطمح لإنشائها.

فمؤتمر "سيدر" كما سبق وأشرنا، وأشارت إليه المراجع والمؤسسات المانحه في حينه، هو دين إضافي على الدولة، باستثناء بعض المنح الضئيلة الحجم، ومرتبط بإصلاحات سبق أن استدان لبنان لغايتها وتعثّرت، فغابت الإنتاجية وبقي الدين، أخشى أن تكون الإصلاحات المعهودة هي امتداد لسابقاتها.     

- ما هي تأثيرات العقوبات الأميركية الجماعية على ​الإقتصاد العالمي​، على المدى القريب؟

لا أرى بأن هذه العقوبات جماعية، كونها موجّهة إلى بعض الدول التي للولايات المتحدة أبعاد سياسية مباشرة معها أو غير مباشرة، أوإقتصادية مع بعضها الآخر. لذا، فتأثير العقوبات على الإقتصاد العالمي هو أمر مبالغ فيه بعض الشيء، فالتراجع الكبير للعملات الوطنية لدى بعض الدول منها روسيا، ​إيران​، وتركيا على سبيل المثال لا الحصر، قد يكون له التأثير المباشر على الإقتصاد في هذه الدول، وبالتالي التراجع في مستوى المعيشة، كما ويرفع من نسب التضخّم، لكن في المحصلة فإن لهذه الدول إمكانياتها الذاتية، والتهديدات الأميركية كما سبق أن حصل مع دول أخرى، كوريا الشمالية على سبيل المثال، سوف تكون تمهيداً للمفاوضات معها، وقد بدأت معالمها تظهر في الأمس عندما طلبت الولايات المتحدة من إيران ذلك و رُفض الطلب.

أما التحذير الأميركي للدول التي لديها علاقات تجارية مع إيران، فهذا الأمر هو سابق لأوانه اليوم لمعرفة ما قد يترتّب عنه في حال الإستمرار به، كما وأشك بأن ذلك سوف يؤثر على العلاقات التجارية بين هذه الدول وإيران، لا بل قد يزيد من حجم التعامل ربّما، كون الوضع الإقتصادي في إيران يحتاج إلى ذلك، والتبادل التجاري فيما بينهم هو ليس في العملة الأميركية فقط لا بل بعملات عالمية أخرى.

- هل ترى أن اتحاد هذه الدول قد يرتد سلباً على الولايات المتحدة، وخاصة في موضوع إلغاء التعامل ب​الدولار​ ؟

من الجدير ذكره بأن الولايات المتحدة هي صاحبة الإقتصاد الأكبر في العالم، وإن عبارة " إلغاء التعامل بالدولار "، نرى بأنها لا تعكس الواقع بدقّة كون الولايات المتحدة لديها الإمكانيات الهائلة إقتصادياً وسياسياً بأن تلعب الدور الأكبر في التأثير على الإقتصاد العالمي وعلى اقتصادات الدول ذات العلاقات السياسية أو التجارية المباشرة معها أو غير المباشرة.

ومن الصعب التكهّن بأن ما يُقال اليوم، عن إمكانية إتحاد دول قد تكون متضرّرة أو تتضرّر من العقوبات الأميركية، سوف يرتدّ سلباً على الولايات المتحدة. لقد طالت العقوبات دولاً كبيرة منها روسيا، تركيا، وايران، كما سبق وذكرنا، وأدّت الى انخفاض كبير جداً بعملات هذه الدول وبنسب مختلفة. فالحديث عن إلغاء التعامل بالدولار نرى بأنه استنتاج في غير محلّه، كما والحديث عن استبدال التعامل به بعملات أساسية أخرى، ك​اليورو​ أو غيره ... ربّما تنقصه بعض الدقة أيضاً.