تعتبر لبيبا وما تعانيه اليوم من تفاقم الازمات ال​اقتصاد​ية والوضع المعيشي المتردّي الذي يعيشه ابنائها خير مثال على ان المشاكل والانقسامات الداخلية من اجل السيطرة على السلطة من شأنها ان تدمّر اكبر الدول والاقتصاديات ، ف​ليبيا​ التي كانت تعتبر من اغنى الدول في المنطقة ها هي اليوم ترزح تحت اوضاع اقتصادية ضيّقت سبل العيش على مواطنيها في ظل وصول معدلات ​التضخم​ الى 30% والشح في ​السيولة​ وتذبذب في سعر صرف الدينار وفشل نظام الاستيراد وسوء إدارة المال العام، وغياب الحصة الليبية في سوق ​الطاقة​ التي تستفيد منها دول وشركات كثيرة ، واليوم وبعد سبع سنوات من الإطاحة بمعمر القذافي، لا تزال ليبيا تحت رحمة 1500 مليشيا وثلاث حكومات تتصارع في ما بينها وتسعى لنيل الشرعية الدولية.

واثرت الانقسامات الداخلية التي تعانيها البلاد على اكثر القطاعات انتاجية والمورد الاساسي للاقتصاد في ليبيا وهو ​النفط​ ، حيث انخفض الانتاج إلى 527 ألف برميل يوميا، بعد أن كان قد وصل إلى 1.28 مليون برميل يوميا بسبب ازمة اغلاق ​موانئ​ الهلال النفطي التي من الواضح انها وصلت الى خواتيمها بعد أن أصدرت القيادة العامة للجيش قرارًا باستئناف عمليات التصدير التي ستعود إلى مستوياتها الطبيعية تدريجيا .

تردي الأوضاع الاقتصادية في ليبيا، وازمة ​الخبز​ تفاقم الوضع سوءا:

تعيش ليبيا منذ عام 2011 حالة من الاضطرابات الأمنية والصراعات المسلحة وقبل انتفاضة 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي، كان هناك دعم كبير للسلع الاستهلاكية الاساسية حيث كان ​استهلاك الكهرباء​ والمياه في البيوت مجانيًا، وسعر لتر ​البنزين​ لا يتجاوز 0.8 يورو ، كما لم تكن البنوك الليبية تأخذ أي فوائد، ولا يدفع المواطن أي ​ضرائب​، وجاءت الدولة الأفريقية في المرتبة الأخيرة من حيث الدول المدينة بالاضافة الى العديد من التسهيلات الذي كان يتمع بها المواطن بالاضافة الى دعم التعليم والاسر وتقديم تعويضات ​البطالة​ ، اسهامات واجراءات حكومية رفعت من مستوى معيشة المواطن.

وشكل النفط في ليبيا عام 2010 نحو 94% من عائدات البلاد من ​النقد الأجنبي​ و60% من العائدات الحكومية و30% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن ​الاحداث​ التي جرت في شباط 2011 فاقت التوقعات فتعطل ​إنتاج النفط​ لشهور على إثر النزاعات والتي تبعها تدهور في الاوضاع المعيشية ونقص في سيولة ​المصارف​، ودخل الاقتصاد الليبي في حالة ركود عام، مما ضعف جانب العرض الذي انكمش بنسبة 10% في 2015، واستمر ضعف القطاعات غير النفطية بسبب اختلالات في سلاسل توريد المستلزمات المحلية والأجنبية ونقص التمويل، وتسارعت وتيرة التضخم ليصل معدله إلى 9.2% في 2015، وازدادت ​أسعار الغذاء​ بنسبة 13.7%، وواصل سعر الصرف الرسمي للدينار الليبي مقابل الدولار تراجعه، إذ سجل هبوطًا آخر يزيد 9% في 2015، وفي السوق الموازية انخفضت قيمة الدينار نحو 160% بسبب القيود على معاملات النقد الأجنبي التي ينفذها ​البنك المركزي الليبي​، كما تشكل في البلاد ثلاث حكومات تتصارع في ما بينها وتسعى لنيل الشرعية الدولية والسيطرة على السلطة و​إيرادات​ النفط.

ولعل ​ارتفاع اسعار​ الخبز الذي تشهده البلاد في الاونة الاخيرة فاقم من عمق الازمة الاقتصادية، على اعتبار انه سلعة رئيسية وقوت اساسي للاسر وخاصة الطبقة الشعبية الفقيرة التي كانت فيما سبق تشتري 8 ارغفة بدينار باتت اليوم تحصل فقط على 3 ارغفة بالقيمة نفسها، تراجع يعني الكثير لاصحاب الدخل المحدود ولارباب الاسر وخاصة الكبيرة التي تعاني من صعوبة الوضع وذاقت مرارة الانقسامات منذ العام 2014 والجشع في استغلال ​الايرادات​ النفطية والمزيد من ​الضغوط التضخمية​ على المواطنين العاديين.

كما اتسعت الفجوة بين سعر الصرف الرسمي للعملة البالغ 1.4 دينار مقابل الدولار، والسعر في ​السوق السوداء​ بعدما هبطت إيرادات البلاد من العملة الأجنبية بسبب تعطل إنتاج النفط.

انفراج ازمة "الهلال النفطي": جرعة إيجابية للحالة المالية المتأزمة في ليبيا

تشكل مراكز استخراج النفط في ليبيا محل صراعات وانتشار للميليشيات المسلحة، بما فيها الجماعات المتطرفة، فشهد ما يعرف بـ"الهلال النفطي" الواقع بين بلدة أجدابيا في غرب بنغازي، وسرت في شرق ​طرابلس​ أطول عملية إغلاق، بعد تدهور الوضع الأمني في عموم البلاد، خصوصاً في أعقاب سيطرة مسلحين على مناطق واسعة من ليبيا منذ عام 2013،ويوجد النفط و​الغاز​ الذي ينتج بتكاليف زهيدة مقارنة بدول أخرى في ثلاثة أحواض رئيسية ضخمة في هذه المنطقة التي تعتبر الاشهر وتضم أكثر من 15 حقلاً منتجاً للنفط ، وتعتبر أزمة "الهلال النفطي " بأنها من أصعب المراحل التي مرت بها ليبيا في تاريخها الحديث نظرا الى ان البلاد لا تملك شيئًا غير النفط، والمدخرات تتآكل بسبب الإغلاق لاعتماد اقتصاد ليبيا الريعي على بيع الخام فقط، وفي الايام القليلة الماضية اصدرت القيادة العامة للجيش قرارًا باستئناف عمليات التصدير حيث بات من الواضح ان ازمة الموانئ في طريقها الى الحل خاصة مع استلام المؤسسة الوطنية للنفط لموانئ "الهلال النفطي" واعلانها رفع حالة القوة ​القاهرة​ مؤكدة على أن عمليات الإنتاج والتصدير ستعود إلى المستويات الطبيعية تدريجيا.

ومع انفراج ازمة الهلال النفطي والتوصل الى مخرج في هذا الملف يعلق المواطن الليبي الكثير من الامال على هذه الخطوة في توفير الموارد المالية للبلاد مما ينعكس على الظروف المعيشية للمواطن بشكل عام ولا سيما وأن ​أسعار النفط​ تشهد مؤخراً حالة انتعاش، ومن المتوقع ان يرتفع الطلب على ​النفط الليبي​ إذا ما تطور الوضع المتأزم بين ​إيران​ والولايات المتحدة إلى حد الدفع نحو مقاطعة النفط الإيراني.