بعد قرار نقل السفارة الأميركية إلى ​القدس​، اتخذ الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ قراره بشأن وعد آخر كان قد قطعه خلال حملته الإنتخابية، فأعلن يوم أمس عن نيته إعادة فرض ​العقوبات​ على ​إيران​ وإنهاء الاتفاق: "خطة العمل الشاملة المشتركة – JCPOA"، الذي توصلت إليه الدول الستة وإيران في 2015.

بعد إعلان ترامب يوم أمس، قال مستشار الرئيس للأمن القومي جون بولتون أن العقوبات القديمة ستعود فورا. ونصح سفير ​الولايات المتحدة​ الجديد ل​ألمانيا​ ريتشارد غرينل في تغريدة له على موقع "​تويتر​"، ​الشركات الألمانية​ العاملة مع إيران ببدء إنهاء أعمالهم مع البلد تدريجيا. وأخبرت وزارة الخزانة الأميركية الدول المشترية للنفط الخام الإيراني، الراغبة في الحصول على إعفاء، بأنه يجدر بهم: " تقليل حجم تداول وشراء ​النفط​ الخام من إيران في ظرف 180 يوم."

ووفقاً للمؤرخة والباحثة في ​مجال الطاقة​ العالمية والتدخل الغربي في ​الشرق الأوسط​، د. إلين آر والد، فإنه "يتوفر لدى إيران فترة 90 يوم، حتى تستطيع التوقف عن شراء ​الدولار​ الأميركي. بعد الأيام الـ 90، تطبق العقوبات على أي مؤسسة تشتري أو تمتلك العملة الإيرانية خارج النطاق الجغرافي لإيران. ستفرض عقوبات أيضا على محاولات شراء الدين السيادي لإيران أو محاولة تسهيل بيع هذا الدين."

وأضافت في مقال لها أن "العقوبات ستصعب من عملية شراء النفط، لأن إيران تلزم كافة مبيعات النفط المرور خلال ​البنك المركزي الإيراني​، مضيفةً أنه "يوجد طرق للالتفاف حول استخدام الدولار في بيع النفط، ولكنها غير محبذة، إذ أن الدولار هو العملة المستخدمة في الغالبية العظمى من المعاملات النفط عالميا".

من جهتها دول ​الإتحاد الأوروبي​، فقد أكدت تباعاً أنها ملتزمة بالإتفاق حتى مع انسحاب الولايات المتحدة، فأعلنت رئيسة وزراء ​بريطانيا​، تيريزا ماي، والمستشارة الألمانية، ​أنجيلا ميركل​، و​الرئيس الفرنسي​، إيمانويل ماكرون، اتفاقهم على مواصلة تطبيق التزامات دولهم بموجب الصفقة ​النووي​ة مع إيران.

وقال الزعماء الثلاثة، في بيان مشترك صدر عنهم ردا على إعلان ترامب: "إن ​فرنسا​ وألمانيا و​المملكة المتحدة​ تعرب عن قلقها وأسفها من قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من خطة العمل المشتركة الشاملة الخاصة بتسوية البرنامج النووى الإيراني". وأكدوا في البيان: "نشدد بشكل مشترك على التزامنا بخطة العمل الشاملة المشتركة، إن هذا الاتفاق لا يزال مهما بالنسبة لأمننا الجماعي".

واعتبر زعماء بريطانيا وألمانيا وفرنسا، أن "العالم أصبح آمنا بشكل أكبر بفضل خطة العمل المشتركة"، ودعوا الولايات المتحدة إلى تجنب خطوات قد تمنع الأطراف الأخرى للاتفاق من تطبيق هذه الصفقة. كما دعت ماي وميركل وماكرون السلطات الإيرانية إلى "إبداء ضبط النفس" والالتزام بتعهداتها في إطار الاتفاق النووي.

أما الموقف الأبرز فكان لوزير الإقتصاد الفرنسي برونو لومير الذي اعتبر في تصريح له أنه "من غير المقبول" أن تضع ​الولايات المتحدة​ نفسها في مكانة "شرطي اقتصادي للعالم"، مشيراً إلى أن هذا القرار يعتبر "خطأ" في مجال ​الأمن​ الدولي، وأيضا من وجهة نظر اقتصادية إذ ستترتب عليه "تبعات" على شركات فرنسية على غرار "​توتال​" و"سانوفي" و"​رينو​" و"​بيجو​".

وأعلن لومير أنه سيجري "اتصالا هاتفيا بحلول نهاية الأسبوع مع وزير الخزانة الأميركي، ستيف منوتشين، لندرس معا الاحتمالات من أجل تفادي هذه العقوبات"، مؤكدا إن "من بين الحلول الممكنة الإشارة إلى بنود حول الأسبقية والعمل بمبدأ "الاستثناءات".

وهنا بعض الأسئلة التي تطرح نفسها: ما هو أثر انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي مع إيران وحالة عدم الاستقرار التي خلقها في الشرق الأوسط على ​​الإقتصاد العالمي​​؟ كيف ستؤثر العقوبات على ​أسعار النفط​؟ وهل سيخفف الموقف الأوروبي من وطأة تداعيات القرار الأميركي على الإقتصاد الإيراني؟

يشير الخبير الإقتصادي د. غازي وزني، في حديث خاص لـ"الإقتصاد" إلى ان قرار ترامب والأجواء المضطربة التي خلقها في العالم وخاصّةً في المنطقة ستؤثر سلباً وبشكل كبير على الإقتصاد ال​لبنان​ي المنفتح على المنطقة على صعيد ​التحويلات​ بنسبة 52% وعلى ​السياحة​ بأكثر من 35% وأكثر من 30% على صعيد الصادرات وعلى الإستثمارات بأكثر من 40%.

وأكد وزني ان القرار سيؤدي أيضاً إلى توتر أسواق النفط العالمية "ما سينعكس سلباً على الإجراءات الإصلاحية للحكومة على صعيد المالية والمديونية وسلباً على صعيد المؤشرات الإقتصادية من ميزان المدفوعات والميزان التجاري الى ​أسعار المحروقات​".

أما على صعيد الأسواق المالية العالمية فأشار الى انه "سيتسبب بتوترها ما سيؤدي الى زيادة المخاطر على المنطقة وخاصةً على لبنان، وستظهر تبعاتها في أسعار الفوائد والإصدارات الخارجية "اليوروبوند" البالغة حوالي 2.5 مليار دولار".

أما عن توقعاته لسعر ​برميل النفط​ فأشار وزني الى ان "الأمر يرتبط أولاً باستمرار الإتفاقية بين إيران والإتحاد الأوروبي، وثانياً بقدرة هذه الدول على مساعدة إيران لتجاوز ​العقوبات الأميركية​ القادمة، وثالثاً موافقة إيران على الإستمرار بسياسة تحديد الإنتاج لمنظمة أوبك".

وبعد الإعلان فإن الجميع ينتظر الخطوات الإيرانية التي ستواجه ترامب ومدى متانة الإلتزام الأوروبي بهذا الإتفاق. كما لا يجب أن ننسى القمة المرتقبة التي ستعقد بين الرئيس الأميركي ونظيره الكوري الشمالي كيم يونغ أون، وما حمله القرار الأميركي من إشارات الى الأخير.