ينشغل الراي العام العالمي بين الحين والاخر بتسريبات مختلفة تكشف عن تورط اسماء كبيرة في عمليات ملاذ وتهرب ضريبي، فمن وثائق "بنما" في العام الماضي والتي طالت الذمة المالية للعديد من السياسيين والمشاهير في العالم كشف تحقيق استقصائي جديد يستند إلى 13.4 مليون وثيقة مالية مسرّبةحصلت عليها صحيفة "سوددويتشه تسايتونغ" الألمانية ودعت الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين للإشراف على التحقق منها ثم نشرها بعدئذ، عن تورط اسماء كبيرة وشخصيات عالمية مرموقة في عمليات ملاذ ضريبي اطلق عليها اسم "اوراق الجنة" وهذه الوثائق مالية تكشف كيفية استثمار الأثرياء في العالم لأموالهم من بينهم سياسيون ومشاهير من كافة المجالات، لإخفاء أرباحهم المالية في حسابات مخبئة في "أقبية آمنة" موزعة في أنحاء العالم، والقنوات التي لجأ إليها هؤلاء الأثرياء والشركات المتعددة الجنسيات لنقل أموالهم إلى ملاذات ضريبية بحد ذاتها ليست غير قانونية. وهذه الطرق تستفيد من الثغرات التنظيمية ليتاح لهم دفع أقل قدر ممكن من الضرائب،وشملت القائمة الملكة إليزابيث الثانية ووزير التجارة الأميركي.

وتضم الوثائق سجلات شركات لـ19 ملاذاً ضريبيا وظهر في هذه البيانات أسماء أكثر من عشرة مستشارين ووزير في إدارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ وعلاقات تجارية سرية مع الدائرة المقربة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، كما أنها طالت القصر الملكي البريطاني، حيث أن حوالي 10 ملايين جنيه إسترليني (11.3 مليون يورو) من أموال الملكة البريطانية، استُثمرت في "جزر كايمان" و"برمود" واستثمرت أموال الملكة في هذه الملاذات الضريبية من قبل "دوقية لانكاستر" وهي صندوق استثماري خاص مسؤول عن إدارة أموال الملكة وعائداتها.

كما كشفت "اوراق الجنة"عن علاقات مالية مشبوهة لرجال أعمال موّلوا حملة رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو الانتخابية، بالإضافة لإلقاء الوثائق الضوء على نشاطات مشبوهة لـ120 مسؤولًا غربيًا ومن مختلف دول العالم، وتطرقت الوثائق لعمليات تلاعبٍ محاسبية تقوم بها الشركات العملاقة مثل شركة "آبل" للتكنولوجيا لتنفيذ عمليات تهرّبٍ ضريبي، كما ظهر اسم الملياردير ستيفن برونفمان في كندا والذي يرئس الشركة السابقة لإنتاج النبيذ والمشروبات الكحولية "سيغرام"، والذي وظف مع راعيه ليو كولبر، 60 مليون دولار (52 مليون يورو) في شركة "أوف شور" في جززر كايمان.

والأموال التي أودعت في هذه الملاذات الضريبية تستثمرها شركات عدة، بينها "بريتهاوس"، وهي متخصصة بتأجير العقارات مع خيار شراء أثاث ومعدات معلوماتية، ومتهمة باستغلال الفقر وحتى شبكة لبيع المشروبات الكحولية أشهرت إفلاسها.

والملاذ الضريبي هو عبارة عن مناطق أو جذر آمنة للتستر على الاموال لحمايتها من الضرائب وبالتالي فهي ملاذ امن لايداع الاثرياء اموالهم التي قد تكون ناتجة عن الاعمال الغيرشرعية والفساد والجريمة المنظمة حيث توفر هذه المناطق سرية للمودعين وسهولة في انشاء حسابات بنكية وهمية تساعد في التهرب من الضرائب والرقابة على الربح وهذه المناطق موجودة في العديد من العواصم الكبرى التي تنشط فيها عمليات غسيل الاموال واخفاء الثروات .

ووثائق "بنما" في العام الماضي والتي تعد اكبر تسريبات في التاريخ أحدثت ضجة إعلامية كشفت بموجبها فساد نحو 72 من قادة دول العالم الحاليين والسابقين وعائلاتهم، وشخصيات عامة سياسية ورياضية، وبلغت 11.5 مليون وثيقة، تم فيها الكشف عن كيف تُخفَى الأموال عبر جزيرة بنما، المشهورة بكونها إحدى "الملاذات الضريبية" التي يتجه إليها من لا يرغبون في الكشف عن مصادر أموالهم أو السؤال عنها.

ما هو حجم خسائر الدول بسبب التهرب الضريبي؟

من المعروف ان التهرب الضريبي بكبد الاقتصاد العالمي خسائر تناهز مليارات الدولارات سنوياً، الأمر الذي يؤثر على الاقتصادات العالمية، واشارت الورقة البحثية قدمتها شركة "UNU-WIDER" والتي نشرتها مجلة "فوربس" ان الولايات المتحدة تواجه أكبر خسائر ضريبية سنويًا مقارنة بالدول الأخرى تقدر بحوالي 189 مليار دولار سنوياً، ما يمثل 1.13% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تأتي الصين في المرتبة الثانية بخسائر قدرت بـ 66.8 مليار دولار، كما تسجل اليابان خسائر كبرى أيضاً بلغت حوالي 47 مليار دولار لتحتل المركز الثالث، وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن دول منظمة التعاون الدولي والتنمية تخسر من 2% إلى 3% من إجمالي إيراداتها الضريبية سنويًا، بينما تفقد الدول الأقل دخلاً أكثر من ذلك وتقرب خسارتها من 6 إلى 13%. ، كما تصل خسائر الهند من التهرب الضريبي إلى 41.2 مليار دولار سنوياً، وتصل خسائر فرنسا إلى 19.8 مليار دولار، وألمانيا تصل الخسائر السنوية إلى 15 مليار دولار.

ابرز الملاذات الضريبية حول العالم ؟

يضم العالم أكثر من 80 منطقة للملاذ الضريبي، وتتميز هذه المناطق وفقا للمعايير التي حددتها المنظمة الاقتصادية للتعاون والتنمية بضرائب ضئيلة أو غير موجودة أصلًا، غياب الشفافية في النظام المالي،غياب تبادل المعلومات المالية مع البلدان الأخرى واستقطاب شركات إسمية ذات نشاطات وهمية.

ويوجد جُزر تُدعى جُزر "الأوف شور"، وهي جُزر الملاذ الضريبي، وتعبير ملاذات آمنه للأموال، ولا تُفرض عليها ضرائب كالتى توجد في بلادهم، حيثُ تُقدر الثروة التي يخفيها الأثرياء في الملاذات الآمنة بأكثر من 11.5 تريليون دولاروالملاذات لم تعد مقصورة على الجزر، بل أضحت موجودة في قلب العواصم الكبرى، ومن ابرز الدول التي صنفت كملاذات ضريبية سويسرا فهي واحدة من البلاد التى تضمنّ السرية التامة لعملائها فيما يخُص الأصول المالية، فهُناك مناطق أخرى تضمنّ السرية أيضًا مثل جُزر البهاما وبرمودا، إلا أنّ سويسرا تتمتع بمعدلات أكبر من السرية، وتوفر البنوك إعفاءات ضريبية جُزئية أحيانًا وكاملة في أحيان أخرى للعملاء، حسبّ البنك، وتُعرف البنوك السويسرية بسياسات الخصوصية الصارمة الخاصة بهم، وقوانين تمنع البنوك من إفشاء أي معلومات حساب العميل.

كما تعتبر "بنما" ملاذ ضريبي، ومنها أدارت شركة "موساك فونسيكا" شبكة شركاتها الوهمية في دول أخرى.، كما تعرف جُزر "كايمان" التي تقع في غرب الكاريبي ملجأ الأشخاص الذين يتطلعون إلى التهرُب من الضرائب المُستحقة عليهم، سواء على الدخل الشخصي، مكاسب رأس المال، ضرائب الشركات، والضرائب المفروضة على الرواتب، ولفتح حساب بنكيّ داخل جُزر كايمان، يُفترض أن يكون الرصيد البنكي 5000 دولار إضافة لبعض الأوراق التى تُثبت الهوية، كما لدى سنغافورة أدنى معدل للضريبة في آسيا، حيث يُمكن عمل أيّ حساب مصرفي يكون ملاذً للاموال والمُقتنيات الشخصية.