في اليوم الأول من العام 2015، أعلنت كل من روسيا البيضاء وكازاخستان وروسيا رسميا عن إقامة الاتحاد الأوراسي الاقتصادي (EEU)، وهو كتلة تجارية تأمل موسكو من خلاله في لم شمل دول التحالف السوفياتي السابقة.

ومع ذلك تبدو المحاولة فاشلة جداً، فتكتل "EEU"، ليس سوى مشروع وهم ومحاولة غير مقنعة على الإطلاق. لعقدين من الزمن الآن، دعت روسيا لدمج الجمهوريات السوفيتية السابقة كشركاء على قدم المساواة، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي. وتضمنت عدة محاولات فاشلة في وقت مبكر نحو تحقيق هذا الهدف مثل رابطة الدول المستقلة (CIS)، وهو تكتل منحل يضم كل من أرمينيا وأذربيجان وبيلاروس وكازاخستان وقيرغيزستان ومولدوفا وروسيا وطاجيكستان وأوكرانيا وأوزبكستان.

أطلقت روسيا مجدداً محاولة جديدة في عام 2010، عندما تمكنت أخيرا من إقامة اتحاد جمركي مع روسيا البيضاء وكازاخستان وزرعت بذور الإنشاء النهائي للـ"EEU". ومنذ البداية، عبرت موسكو عن أملها في أن يتوسع جدول الأعمال الاقتصادي للمنظمة ليشمل في نهاية المطاف التكامل السياسي كذلك. لكن فكرة الاندماج المفيد عالميا على قدم المساواة بين الدول السوفياتية السابقة كانت دائما واجهة. قبل وقت طويل من أطلاق EEU، كان من الواضح أن الفوارق الاقتصادية الجسيمة بين أعضاء المجموعة ستعمل لصالح روسيا، مع حصول الدول الأخرى على الأدوار الثانوية.

قبل انهيار الروبل في كانون الاول 2014، شكلت روسيا حوالي 87% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد و 83% من سكانها. وعلى سبيل المقارنة، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي - ألمانيا - ، يمثل نحو 15.8% من الناتج المحلي الإجمالي، و6% فقط من سكانها.

حتى لو أسوأ التوقعات بالنسبة للاقتصاد الروسي تحققت في الـ2015، وتقلص ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 8%، وإرتفع التضخم بنسبة 20%، وهربت رؤوس الأموال لتصل إلى 150 مليار دولار في البلاد، سوف تستمر بالهيمنة على EEU، وهو ما يمثل حوالي ثلاثة أرباع من مجموع وزنها الاقتصادي.

إنضمام أرمينيا:

تعد خطوة EEU السريعة في إستمالة أرمينيا، التي انضمت في 2 كانون الثاني، غير فعالة لتصحيح مسار الخلل، لأن يريفان لديها ناتج محلي إجمالي يبلغ 10 مليارات دولار فقط (أو أقل من 1% من مجموع الـ EEU) وتضيف 3 ملايين شخص للإتحاد - 2% من سكان EEU -.

كما الدخول المتوقع لـ قيرغيزستان في أيار المقبل، والذي هو بمثابة دخول إقتصاد ضعيف إلى منظومة EEU والذي يعتمد إلى حد كبير على إعادة تصدير المنتجات الصينية إلى كازاخستان وروسيا، سيرفع النفقات المشتركة دون إضافة العديد من الفوائد. والطريقة الوحيدة التي يمكن أن يصبح إقتصاد "EEU" مربح يحدث اذا انضمت أوكرانيا، ولكن روسيا أضاعت تلك الفرصة الى غير رجعة بضم شبه جزيرة القرم.

وعلى مستوى أكثر فوري، يفتقر إتحاد "EEU" إلى المؤسسات التي يمكن أن تساعد في تحقيق ذلك وتعوض عن الإمكانات الاقتصادية القليلة التي يعاني منها الإتحاد. وبصرف النظر عن الاجتماعات رفيعة المستوى بين قادة البلاد، كان هناك القليل من تنفيذ الاليات الفعلية والتي تساهم بالمزيد من التكامل.

كما أياً من هياكل EEU، بما في ذلك لجنة أوراسيا الاقتصادية -الهيئة التنظيمية للاتحاد- ومحكمة مشتركة، لديهم القدرة على تشكيل القرارات السياسية أو إمتلاك البعض من النفوذ في إحداث أي تغيير يذكر. وعلى النقيض من هيئات الاتحاد الأوروبي التي تحكم، والتي يجب أن تحترم من قبل جميع الأعضاء ، مؤسسات EEU لديها التوصيات أو التمنيات فقط وتفتقر إلى النفوذ السياسي لفرض قراراتها.

وعلاوة على ذلك، فإن أياً من الدول الأعضاء EEU على استعداد لتفويض السلطة إلى الهيئات (فوق الوطنية) التي من شأنها أن تحد من سيادتها. وعلى أي حال، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يرى "EEU" باعتبارها وسيلة لزيادة القوة الروسية، فإن من غير المرجح أن يسمح للدول الصغيرة برئاسة هذه المؤسسات. بدلا من ذلك، سوف تستمر مؤسسات EEU ربما بإنشاء مظهر خارجي لتعميق التكامل مع وجود قليل من الخطوات في الواقع يجري اتخاذها.

وأنه من الصعب أيضا أن نتصور إما روسيا البيضاء و كازاخستان يسقطان قرارات من شأنها أن تغير إلى حد كبير النظام الاقتصادي الوطني. وعلى المدى الطويل، فإن EEU المرجح أن يأتي لتشبه رابطة الدول المستقلة "CIS"، التي توجد فيها هيئات تنظيمية رسمية ولكن تبقى غير نشطة تماماً.

الأزمة الأوكرانية، الخلاف العميق:

بددت الأزمة في أوكرانيا، وهم الوحدة الاقتصادية والسياسية، التي عمل من أجلها أعضاء EEU على مدى السنوات الثلاث الماضية. مع العلم بأن روسيا تتوقع بوضوح من شركائها لدعم نشاطها في الأزمة، فضلا عن حرب العقوبات مع الغرب، أو على الأقل أن تنظر في الاتجاه الآخر. لكن الأزمة خارج حدود الاتحاد أثارت أزمة عميقة داخلها، وكشفت ما يضمر الدول الأعضاء لبعضهم البعض.

ومن المفارقات، أن السبب الذي يجده شركاء الأتحاد الأوراسي EEU موضوع خلاف فيما بينهم، يكمن في التقدم التدريجي تجاه التكامل الاقتصادي. وقد سعت كل من روسيا البيضاء وكازاخستان منذ بداية الأزمة بالبقاء على الحياد في الصراع.

وعلى الرغم من أنهم عبروا عن قلقهم المعتدل عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، وشجعت على تمرد انفصالي في شرق أوكرانيا، فقد كانوا حذرين من الإنضمام إلى أحد الجانبين، خوفا من موسكو التي لا يوجد لديها اعتبار للحدود ذات سيادة وللقوانين الدولية. وعلاوة على ذلك، فقد أظهرت الاشتباك الروسي مع الغرب، على عكس روسيا البيضاء وكازاخستان ان روسيا مستعدة للتضحية بالازدهار الاقتصادي والاستقرار الداخلي من أجل قضية جيوسياسية.

لكن حرب العقوبات بين روسيا والغرب أجبرت في النهاية كل من بيلاروسيا وكازاخستان إلى اتخاذ موقف. فردا على التدابير الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حظرت روسيا مجموعة واسعة من الأطعمة الغربية دون استشارة شركائها في الاتحاد جمركي- وهي خطوة من شأنها ان تؤثر على السياسة التجارية لكل الشركاء الآخرين.

لم توافق كل من روسيا البيضاء وكازاخستان للانضمام لموجة العقوبات الانتقامية من جانب روسيا ضد الغرب. بدلا من ذلك، استغلوا نظم التجارة المفتوحة مع روسيا من خلال تهريب التفاح البولندي، والأجبان الفرنسية، ولحم البقر الألماني إلى الأراضي الروسية محققين أرابح لائقة من خلال القيام بذلك.

ممارسة شائعة واحدة، منعت مؤخرا من قبل موسكو، كان لإرسل منتجات الاتحاد الأوروبي لكازاخستان عبر روسيا البيضاء عبر الأراضي الروسية. وقد فشل الكثير من البضائع من الوصول إلى كازاخستان على الإطلاق، وقد إختفت البضائع في مكان ما في روسيا.

خلال الشهر الماضي، ردت موسكو عن طريق إعادة تثبيت السيطرة على الحدود وتقييد عبور البضائع مما يقوض ركناً أساسيا من أركان الاتحاد الجمركي: حرية حركة البضائع.

كما عمدت إلى حظر أيضا مجموعة من المنتجين البيلاروسيين من سوقها المحلي عقابا على تهريب البضائع من الاتحاد الأوروبي بحجة إعادة معالجتها وبيعها تحت تسميات بيلاروسية. وردا على ذلك انتقد الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو سياسة روسيا بأنها "غبية وبلهاء" وأعرب عن التطلع إلى "تطبيع العلاقات مع الغرب"، بما في ذلك عن طريق تحرير نظام التأشيرات.

للدفاع عن الصناعات المحلية، فإن بيلاروسيا وكازاخستان في حاجة إلى اللجوء إلى السياسة الحمائية، التي ستكون ضربة أخرى وجديدة إلى التكامل مع روسيا. ولجعل الأمور أكثر سوءا، المسار الكلي للاقتصاد الروسي يجعل شركاء روسيا الجدد في الـ EEU يعانون من قلة إستقرار بشكل خاص.

في الخطاب الرئاسي في الشهر الماضي، قال بوتين ان روسيا لن تغير من سياستها تجاه الغرب. ولكن أيا من أعضاء EEU يفضلون احتمال الانجرار إلى السقوط. وكلما إتجهت روسيا إلى الركود الاقتصادي، إتجه حلفائها نحو الغرب أكثر.

هذه التطورات لا تعني أن التكامل الأوراسي سوف يختفي في وقت قريب، ما دام لوكاشينكو، نزارباييف، وبوتين في السلطة. ولكن من دون مؤسسات حقيقية أو فرص متساوية للشراكة ، فإن الاتحاد سوف يزول من الوجود في الوقت الذي يخرج فيه هؤلاء القادة من مناصبهم.