سمعنا مؤخراً دعوة مدير دائرة المشرق في ​البنك الدولي​ ساروج كومار الى ضرورة التحرّك بشكل سريع نظراً إلى حاجة المواطنين اللبنانيين إلى مساعدة ملحّة.

كلام كومار هذا جاء بعد لقاء مع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال الدكتور غازي وزني بحث خلاله سبل البدء بتنفيذ مشروع "شبكة الأمان الاجتماعي لأزمة الطوارئ" الذي ستستفيد منه 200 ألف أسرة تعاني حالة فقرمدقع في لبنان. وقد أكد كومار العمل مع الجهات الحكومية المختلفة للمساعدة على البدء بتفيذه فوراً.

من جهته، وفي اول ردة فعل ، وقَّع الوزير وزني مشروع قانون معجّل معدّ من قبل رئاسة الحكومة، ويرمي إلى إقرار البطاقة التمويلية وفتح إعتماد إضافي استثنائي لتمويلها.

كومار ليس الوحيد من الخارج الداعي الى انقاذ الوضع المأساوي اللبناني بعد النداءات المتكررة للفرنسيين بضرورة إنهاء الوضع الشاذ في لبنان.

هذا الى جانب التأنيب ألأميركي المستمر لزعماء لبنان على فشلهم الذريع في إنهاء الأزمة السياسية القائمة منذ شهور وفي تشكيل حكومة جديدة تعالج ​الأزمة الاقتصادية​ التي تركت الملايين في مواجهة صعوبات متزايدة.

وقد جدد وكيل وزارة الخارجية الأميركية ​ديفيد هيل​، بعد محادثات اجراها مؤخراً في بيروت مع رئيس ​مجلس النواب​ نبيه بري، دعوات واشنطن وحلفائها للسياسيين اللبنانيين لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية المؤرقة.

المسؤولون اللبنانييون الذين أفرغوا كلمة مسؤولية من كل ما تعنيه يتربصوّن في مواقع احتلوها بالقوة لتقاذف الاتهامات وطرح الشعارات والهروب من الواجبات فيما يسلّط سيف رفع الدعم فوق رؤوس الشعب الذي اصبح همه ايجاد خبزه كفاة يومه، وقوده لزوم تحرّك سيارته، دواءه متنفّس صحته فيما تمتد الايادي التي تمنّن بتأمين الدعم للمواد الغذاية والطبية والمحروقات الى السطو على آخر قرش للمودعين في ​المصارف​.

ونقلاً عن احد مدراء المستشفيات الجامعية في لبنان "إن عددًا من المرضى في لبنان قد مات في الأشهر الاخيرة بسبب نقص الدواء ونقص الأوكسيجين، كما يؤكد وجود أدوية مهرّبة وغير مستوفية للشروط في الأسواق اللبنانية؛ أدوية ​سورية​ وايرانية وتركية وغيرها، كاشفا أن مستشفى جامعيا في لبنان أصدر تعميما يعلن فيه التوقف عن إجراء فحوصات في المختبر، وهذا يعني أنه لن يعود بإمكان المرضى من خارج المستشفى إجراء فحوصات.

النتيجة الحتمية لهذا الدعم الفاشل غير المبني على الحاجات الفعلية للبنانيين دون سواهم كانت فقدان كل الادوية من السوق، ازمة محروقات لا مثيل لها تواكبها عمليات تهريب ناشطة الى خارج الاراضي اللبنانية وفق منظومة "على عينك يا تاجر"، وكل ذلك على مرأى سلطة عاجزة تعيش حالة نكران مستمر.

منذ مدة سمعنا ان ملف ترشيد الدعم وليس رفعه انجزته الحكومة وهوفي طريقه الى مجلس النواب فيما انه نقل عن رئيس الحكومة المستقيلة ​حسان دياب​ توجيهاته الى حاكم "المركزي" رياض سلامة بوجوب تأمين تمويل الدعم حتى آخر دولارفي المصرف.

وابعد من ذلك وفق معلومات "للاقتصاد" يصرّ دياب على الاستمرار بسياسة الدعم حتى ايجاد الخطة البديلة وكأن برنامج الدعم المعمول به قد وفى بالغرض المطلوب لاجماً تدهوّر الإقتصاد،منعشاً سعر الليرة ومعززاً مستوى معيشة الموطنين الذين اصبحوا بنسبة 50% عند خط ​الفقر​ بسرعة لافتتة.

الخطة البديلة بمفهوم حكومة تصريف الأعمال مرتبطة بالبطاقة التمويلية التي هي بنظر خبراء في الاقتصاد لزوم ما لا يلزم، سيما وانه من المفترض دعم الليرة بدلاً من دعم السلع الذي لم يستفد منه إلّا المهرّبون والتجّار، وبالتالي تسريع إعادة الودائع بالدولار لأصحابها بدلاً من هدر مال المودعين على الدعم.

تمويل البطاقة كيف؟

ولكن رغم ذلك، فمن اين سيأتي تمويل هذه البطاقة مع إصراربعض المسؤولين على إطلاقها؟

من الداخل غير ممكن فالخزينة مجففة، حتى إن رواتب ​القطاع العام​ التي تستهلك 80% من مداخيل الدولة يتم تسديدها من اموال المودعين في المصارف وهذا ما تؤكد عليه هذه الأخيرة فيما لا يجرؤ احد من في السلطة على النفي .

من الخارج ؟ كيف وما من دولة تبدي رغبتها في ذلك سيما وانها تربط اي خطوة في هذا المجال بتشكيل حكومة اختصاصيين بعيدة عن السياسيين ذات مصداقية تحظى بثقة ​المجتمع الدولي​ وبالشعب اللبناني الذي ذاق مرارة فساد الطبقة السياسية.

في المعلومات ان هناك محاولات يائسة لإستجداء التمويل من ​دول الخليج​ يعزّزها بالتأكيد بعض المواقف المتفلتة بين الحين والآخر والتي تنضح بنوايا بعض التيارات السياسية ، لمس الجميع فحواها غير المطمئن في الفترة الأخيرة.

يقول الوزير وزني :"ان البطاقة التموينية ستكون بالدولار وبقيمة 137دولاراً للأسرة الواحدة. واجمالي الكلفة مليار و135مليون في السنة. سيستفيد منها 750 الف أسرة لبنانية اي حوالي 80% من الأسر اللبنانية. وتمويلها اذا امكن سيتم عبر تمويل من الصناديق الدولية."

لاشك انه في حال لم يتوفّر هذا التمويل، سيكون الخيار البطاقة بالليرة، والتصويب مجدداً نحو ​مصرف لبنان​ لضخ المزيد من الليرة. ولكن هذا الإجراء سيرفع ​التضخم​، ويكون الفقير أوّل المتضررين من هذه البطاقة، بعد تحليق الأسعار. وفي المقابل، ثمة طبقات ليست مدرَجة حالياً ضمن الفئات المستهدَفة من البطاقة التمويلية سيطالها تدهور الأسعار ، مما يحوّلها طبقات فقيرة وبحاجة إلى بطاقة تمويلية.كما وانه ما هي المعايير التي صنفت الأسر الأكثر حاجة ؟ فالجميع يعلم او انه على يقين انه في لبنان التدخلات والمصالح السياسية والانتخابية تنسف اي عدالة تصنيف وانتقاء.

رغم كل ذلك، حتى تاريخه، ومع قرب انتهاء شهر آيار، لم يواكب الحديث عن البطاقة التمويلية اي موقف صريح وجدي عن مصدر التمويل.

والجدير ذكره انه في وقت سابق، كشف الوزير وزني عن وجود ما يزيد على 700 ألف عائلة لبنانية في حاجة إلى دعم في ظل أسوأ ​أزمة اقتصادية​ تشهدها البلاد منذ الحرب الأهلية التي انتهت عام 1990".

وأوضح وزني أنَّ "​سياسة​ الدعم تكلِّف ​الدولة اللبنانية​ نحو 6 مليارات دولار أميركي سنوياً، نصفها مخصَّصٌ للمحروقات و​الكهرباء​، والنصف الآخر يذهب لدعم الدواء و​القمح​ والسلة الغذائية"، مشيراً إلى أن "هذه التكلفة المرتفعة أدَّت إلى استنزاف ​احتياطات​ العملة الأجنبية في مصرف لبنان، التي تقدر حالياً بـ16 مليار دولار، ومن هنا اتخذت الحكومة القرار بترشيد الدعم عبر خفضه من 6 مليارات إلى نحو 3 مليارات دولار"، مرجحاً إرجاء البدء في عملية ​الترشيد​ إلى "التأخير الحاصل في إصدار البطاقات التمويلية للمواطنين، فالحكومة لا يمكن أنْ تتبع سياسة ترشيد الدعم، ما لم يكن الترشيد مربوطاً مع البطاقة التمويلية".

باختصار، ليس مستحيلاً فقط تأمين التمويل للبطاقة التمويلية او التموينية ، بل هناك خطر كبير ووشيك من الاعتماد على ماتبّقى من اموال في مصرف لبنان ليُسجل إنجاز آخر الى ​انجازات​ الحكومة المستقيلة التي أخفقت منذ البداية حتى فشلت في النهاية.

ولنتذكر أخيراً انه في حزيران سيرتفع عدد الأسر اللبنانية التي هي عند خط الفقر المدقع الى أكثر مما نتوقع.