رفعت اسم ​لبنان​ عالميا، وهي اليوم كتلة من النشاط والعطاء، ومثال مشرّف للمرأة اللبنانية الناجحة. إنها ببساطة فخر ​ريادة الأعمال​ النسائية!

بريسيلا إيلورا شاروق​، رائدة أعمال متميزة، طموحة، وديناميكية. لائقة بحضورها، وثقافتها، وثقتها بنفسها. أثبتت أن العقلية الريادية هي بالضبط ما يحتاج إليه الإنسان، للازدهار في القرن الحادي والعشرين، وأن النجاح يتطلب حتما شيئا من المغامرة والجرأة. كما أظهرت أن طريق الإنجاز ليس عبارة عن وصفة سحرية تحصل عليها بين يوم وليلة، بل هو ثمرة عمل دؤوب، ونضال متواصل.

ورد اسمها في قائمة "أفضل 20 رائد أعمال لبناني لعام 2014"، في مجلة "Executive Magazine". كما حازت على لقب "رائدة الابتكار 2016" من قبل "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، ولقب "Game Changer 2016" من قبل مجلة "Women’s Health Magazine". صنفتها مجلة "فوربس" كواحدة من أفضل 10 سيدات في مجال التكنولوجيا في ​الشرق الأوسط​ وشمال ​إفريقيا​ لعام 2020، وأفضل 100 سيدة أعمال في الشرق الأوسط لعام 2019. وبالإضافة الى ذلك، حصلت على جائزة "Women Leaders Council Impact ". ظهرت في "The Wall Street Journal"، و"TechCrunch"، و" Entrepreneur"، وفي أكثر من 60 مطبوعة عالمية. كما أنها أيضًا كاتبة مساهمة في كتابين منشورين، وتتمنى أن تلهم رواد الأعمال لتشجيعهم على تحمل المخاطر، وبناء المشاريع، وإحداث تأثير في المجتمع.

ومن خلال مشاركتها الواسعة في النظام الإيكولوجي المحلي والإقليمي للشركات الناشئة، قامت شاروق بتدريب أكثر من 350 شركة ناشئة، وواصلت التعاون مع مسرعي الأعمال (accelerators)، حاضني الأعمال (incubators)، الجامعات، وبرامج ريادة الأعمال، كمتحدثة تحفيزية وموجهة ومدربة.

نسلط الضوء اليوم على الشريكة المؤسسة والرئيسة التنفيذية للعمليات (COO) في شركة "MYKI"، بريسيلا إيلورا شاروق، في مقابلة خصت بها موقع "الاقتصاد"، تقديراً منّا لهذه الشخصية المؤثرة، ولكي نجعل شبابنا يطلع على تجربتها الفريدة، ويتطلع إليها، لكي يجعلها قدوة له في حياته، عسى أن يستلهم منها الأمل في تحقيق النجاح على طريق الحياة.

- كيف تأسست شركة "MYKI"؟

قررنا عام 2015، شريكي وأنا، إطلاق شركة لحل مشكلة كلمة السر، التي قد ينساها مستخدمو ​الإنترنت​ في الكثير من الأحيان.

أردنا خلق اختلافا حقيقيا في هذا المجال، مع العلم أننا لم نخترع فكرة إدارة كلمات السر (password manager)، لكننا قدمنا هذا المفهوم بطريقة مختلفة. ففي عام 2015، كان التركيز على الخدمة السحابية (cloud)، التي تعد وسيلة ممتازة لتخزين المعلومات المختلفة، إنما ليست مناسبة لحفظ كلمات المرور؛ ففي حال تمت قرصنة خادم الإنترنت، سوف تقع كل كلمات السر الخاصة بالمستخدمين، بين الأيادي الخاطئة.

من هنا، أردنا إنشاء برنامج غير متصل بالخدمة السحابية لإدارة كلمات السر، كي لا نحتفظ ببيانات المستخدمين في السحابة، وبالتالي نحافظ على سلامة هذه المعلومات وأمنها.

خلقنا تطبيقا غير متصل بالخدمة السحابية، يمكن لجميع المستخدمين الذين يريدون إدارة كلمات السر الخاصة بهم، تحميله على هواتفهم الذكية. وبعد ذلك، خصصنا منتجا يتوجه الى الشركات، ويهدف الى إدارة كلمات السر لفريق العمل في الشركة. أما اليوم، فالجزء الأكبر من عملنا، يقوم على إدارة كلمة السر لما يسمى بـ"manage service providers"، أي "مقدمي الخدمات المدارة"؛ فعلى سبيل المثال، فادي هو صاحب شركة، لكنه لا يمتلك فريق متخصصا بتكنولوجيا المعلومات، وبالتالي، سيتوجه الى شركة "manage service provider" تساعده على إدارة كل ما له علاقة بالتكنولوجيا. وبالتالي، نحن نتعاون اليوم مع الشركات التي تعمل على إعادة بيع منتجنا الى شركات أخرى.

لقد جمعنا ما مجموعه 5.7 مليون دولار الى حد الآن، من ثلاثة مستثمرين؛ اثنان من لبنان وواحد من ​دبي​. وباتت "MYKI" موجودة على "PC Magazine"، باعتبارها الأولى في مجال إدارة كلمات السر في السوق، للأعوام 2019، 2020، و2021. وقد أضيفت الى لائحة "​آبل​" لأقوى مديري كلمات السر (most powerful password managers)، كما أنها واحدة من أكثر الإضافات الموصى بها عالميًا من قِبل شركة "Firefox".

مهمتنا الأساسية تتمثل في مساعدة المستخدمين على استعادة سيطرتهم على هويتهم الرقمية. فنحن نعمل في مجال الأمن السيبراني، وفي المقابل، تسير التكنولوجيا اليوم بمعدل سريع للغاية، ما يعتبر أمرا رائعا بالنسبة لنا. ولكن التقنيات الأفضل تعني حتما طرقًا أفضل لتوليد الهجمات الإلكترونية.

واليوم، بفضل العمل من المنزل بسبب انتشار جائحة "كورونا"، بدأ الناس يفهمون أكثر مدى أهمية الحفاظ على حماية الوصول الى أي حساب على الإنترنت، ومن هنا باتت خدماتنا أكثر أهمية.

- ما هي البلدان التي تمكنتم من الوصول إليها؟

نحن نخدم في الوقت الحاضر، أكثر من مليون عميل في 172 دولة. كما لدينا مراكز رئيسية في ​الولايات المتحدة​، ​المملكة المتحدة​، وأستراليا. في حين أن نطاق عملنا متواضع جدا في منطقة الشرق الأوسط، لأن عملية تبنّي كل ما له علاقة بالأمن الإلكتروني أو بإدارة كلمة السر، ما زال يعتبر بطيئا، بالمقارنة مع الدول الأخرى.

- برأيك، ما الذي ساعد "MYKI" على الانتشار بهذا الشكل الواسع والحصول على الاهتمام الدولي والعالمي؟

انطلقنا من بيروت، وبعد ذلك، أنشأنا مكاتب لنا في الولايات المتحدة عام 2018. أما في عام 2019، فتوسعنا الى المملكة المتحدة وأستراليا. وبات لدينا اليوم فريق عمل عالمي، مؤلف من 45 شخصا، يتوزعون في ثلاث مناطق جغرافية مختلفة.

فأي شركة تحاول التقدم وتحقيق النجاحات، عليها العمل على بناء منتج عالمي، يوصلها الى المنصات العالمية. ومن هنا، يجب أن تحلّ مشكلة يعاني منها الناس في جميع البلدان، كما يجب أن تنفذها بطريقة استثنائية.

التكنولوجيا التي نستخدمها، خلقت بالفعل تمايزا في السوق. وعندما انطلقنا، شاركنا في عدد من البرامج والمسابقات في ​ألمانيا​ و​سويسرا​ وغيرها من الدول، كما وصلنا الى ​سان فرانسيسكو​، وكنا الشركة الأولى القادمة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تطلق مشروعها على مسرح "TechCrunch"، الذي يعد أحد أكبر المنصات لشركات التكنولوجيا في العالم، ما ساعدنا على تقديم منتجنا، ليتعرف اليه الناس بشكل أكبر، ونستمر في تطوير مشروعنا بطريقة تجيب على جميع احتياجات الزبائن.

- ما هي مشاريعكم المستقبلية؟

نعمل على منتجين سيتم إطلاقهما في وقت قريب، الأول متعلق بالحماية (guards)، والثاني بالمراقبة (monitor).

نسعى دائما الى توسيع نطاق خدماتنا، والميزات التي نقدمها، كما نتمنى أن نستمر في التطور كشركة. فقد تمكنا من الدخول الى الأسواق المختلفة، وبات اسمنا معروفا في مجال إدارة كلمة السر، ومن المؤكد أننا لن نتوقف عن هذا الحد.

- ما هي الصفات التي ساعدتك على النجاح في مجال ريادة الأعمال؟

أولا، التنظيم. فعندما يكون رائد الأعمال منظما واستراتيجيا في طريقة تفكيره، سيتمكن حتما من التقدم.

ثانيا، التحلي بالصبر، لأن النجاح لا يتحقق بين ليلة وضحاها، بل يتطلب الوقت والتضحية. فالعديد من الأشخاص يستسلمون بسهولة عندما تشتد الصعاب والضغوط، لأنه من الصعب أن يتخلى الإنسان عن كل شيء، من أجل المخاطرة في تأسيس مشروعه الخاص.

ثالثا، الفضول، الذي يعد من أهم صفات رائد الأعمال. فمن الممكن أن نتعلم الكثير من الجامعة والوظائف المختلفة، ولكن في الوقت ذاته، علينا التحلي بالفضول في مجال عملنا، لأن لا أحد سيقدم لنا الإجابات على طبق من فضة.

- هل تفكرين يوما بالهجرة من لبنان بسبب الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد؟

بعيدا عن الحالة الاستثنائية التي نعيشها في لبنان، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، لقد اكتشفنا من جراء جائحة "كورونا"، أنه بإمكان الشخص أن يعمل من أي مكان في العالم؛ فأنت لست بحاجة لأن تكون موجودًا فعليًا في مكان معين، من أجل القيام بعملك، ما لم تكن وظيفتك ملموسة، مثل مصفف الشعر، الشيف،...

ولكن في مجال التكنولوجيا، نحن نبيع جميع منتجاتنا عبر ​الانترنت​، وكل عمليات البيع تتم من خلال موقعنا الالكتروني. ومن هنا، لسنا بحاجة الى متجر حقيقي للتواجد فيه، بل بإمكاننا مواصلة نشاطنا العملي من أي مكان في العالم. كما أن المستخدم ليس بحاجة الى رؤية المنتج أو لمسه، بل ما عليه سوى تحميله عبر الانترنت واستخدامه. بالتالي، نحن محظوظون من هذه الناحية، إضافة الى أن موضوع الهجرة ليس مطروحا على الطاولة. فاذا نحن غادرنا، لمن سنترك البلد؟

- من قدم لك الدعم في مسيرتك؟

على الصعيد المعنوي، لم أحصل على الكثير من الدعم في بداية الطريق، لأنني تخصصت في هندسة الأراضي والمساحات الخضراء (landscape architecture)، وعملت لمدة أربع سنوات في هذه المجال، قبل الاستقالة لتأسيس شركتي الخاصة في مجال مختلف تماما.

وبسبب هذا التحول الكبير الى الأمن السيبراني، كانت الاستجابة الأولى من محيطي هي التشكيك. لكنني رأيت هذه الفرصة، وعلمت على الفور أنني سأشعر بالندم إن لم أحاول اغتنامها على الأقل.

أما على الصعيد الشخصي، فقد تلقيت التشجيع من الأشخاص الذين يفكرون مثلي. ولهذا السبب، أقول دائما أن رواد الأعمال لا يمتلكون سوى بعضهم البعض، لأنهم "المجانين" الذي يخاطرون بكل ما يملكون من أجل الدخول في مشروع يؤمنون به.

ولا بد من الاشارة أيضا، الى أن الدعم الأهم في عالم ريادة الأعمال، هو ​الدعم المالي​، لأن الشركة الناشئة بحاجة الى التمويل والى رأس المال، لكي تتمكن من تحقيق التقدم المنشود.

- ما هو الإنجاز الأكبر الذي حققته الى حد اليوم؟

أنا فخورة جدا بقدرة "MYKI" على حل مشكلة عالمية بطريقة فريدة.

أما بالنسبة الى الإنجازات الشخصية، فإن انتشارنا ووصولنا الى ​الشركات الناشئة​، لتدريبها وتقديم النصائح اليها، هو أمر رائع بالفعل. حيث أستطيع بهذه الطريقة، مشاركة كل ما تعلمته خلال السنوات الخمس الماضية، مع أشخاص يستفيدون ويتعلمون منها. أحب قدرتي على العطاء والمساعدة بهذه الطريقة.

لكن في الوقت ذاته، الإنجاز الذي أفكر فيه على الدوام، هو قدرتنا، شريكي وأنا، خلال وقت صعب للغاية، على تأسيس شركة عالمية باتت اليوم محل تقدير واحترام في هذا المجال. وأعتقد أن النجاح يأتي من واقع أننا قدمنا حلا فريدا لمشكلة يعاني منها عدد كبير من الأشخاص.

- ما هو الشعار الذي تتبعينه في حياتك؟

أحب هذه المقولة: "success is going from failure to failure without the loss of enthusiasm" أي "النجاح هو الانتقال من فشل الى آخر، دون فقدان الحماسة".

فالفشل هو جزء من النجاح. والنجاح لا يتحقق بين ليلة وضحاها، بل يجب أن يختبر الانسان حالة الفشل لكي يتعلم من أخطائه، ويفرّق بين الصح والخطأ. ولا يمكن تعلم هذه الأمور من الكتب والمحاضرات.

- كيف تنجحين في تحقيق التوازن بين عملك وحياتك الخاصة؟

لا أعتقد أنني قصرت في أي جانب من جوانب حياتي، بل على العكس، تمكنت من تحديد الأولويات في الوقت المناسب.

لا يوجد فرق بالنسبة لي بين المرأة والرجل، عندما يتعلق الموضوع بتحقيق التوازن، حيث أن الموضوع يقتصر على مؤهلات الشخص، وشغفه. وعلى كل واحد منا، أن يضع أولوياته بحسب نمط حياته، ومن هنا، سيتمكن من إيجاد التوازن المناسب.

- ما هي نصيحة بريسيلا إيلورا شاروق الى ​المرأة اللبنانية​؟

الاستعداد لتأسيس مشروع خاص ليس شعورا، بل هو قرار، يستند الى الأبحاث، والبيانات، والتعمق في الإيجابيات والسلبيات.

عليكِ اتخاذ القرارات المناسبة، والعمل على تطبيقها، والبدء بالسير نحو الأمام بدون خوف أو تردد. يجب الانطلاق اليوم قبل الغد، لأن الإنسان لن يحصل أبدا على كل الإجابات...

مجال الشركات الناشئة وريادة الأعمال والمستثمرين يضم مجموعة كبيرة من الأشخاص المستعدين لتقديم كل الدعم اللازم. كما أنني موجودة دائما للإجابة على أسئلة أي شخص، من أجل مساعدته على تحقيق مشروعه. وبإمكان جميع المهتمين التواصل معي عبر "priscillaelora.com"، أو "@priscillaelora" على جميع منصات التواصل الاجتماعي.